واعلم أن الفرق بين الدليل وطريقه النظر في التسمية إنما هو اصطلاح مجرد ليقع التمييز بن ما هو إذا كان الطريق والمتطرق إليه راجعين إلى ذات واحدة، وبين ما إذا كانا راجعين إلى ذاتين، فأما من جهة المعنى فلا فرق بينهما؛ لأنك لا تكاد تجد موضعا يتعلق بالنظر فيه بذات، وإنما يتعلق بالصفات والأحكام، لكن لما لم يستقل بأنفسها بوجه النظر إلى الذوات على تلك المزايا.
بيان هذا: أن النظر في الأجسام لإثبات الصانع نظر في دلالة لا في طريقه نظر بالاتفاق، ومعلوم أنا لا ننظر في مجرد ذواتها، وإلا كان يصح النظر فيها، وهي معدومة، وإنما ينظر فيها على صفة لها معلومة ضرورة على الجملة، وهي الكائنية فنجد هذه الصفة لا تزايل الجسم ولا تتقدمه بل نجدها تتغير وتبدل، فنعلم أن حصولها عن أول، وينظر بذلك إلى أن حصول الجسم عن أول فنكون قد علمنا صفة له وهي الحدوث، ثم ينظر في هذه الصفة التي هي الحدوث، فيحصل لنا العلم بالمحدث، فالنظر في هذه الصورة إنما هو في صفة، وهي الكائنية والحدوث.
فإن قال: إن المنظور فيه هو الكون لا الكائنية؟
قيل له: إن المعلوم على الجملة ضرورة هي الكائنية /33/ وبها يتوصل إلى الكون، فالنظر إنما يتوجه إليها أولا على أن الأكوان وإن دلت على الحدوث فإنما تدل عليه من حيث لثبوتها أول، وذلك حاصل في الصفات، ولهذا نعلم حدوث الأجسام من لا يثبت الأكوان، وأيضا هذا السؤال لا يستمر في الاستدلال بحدوث الأجسام على الصانع فإنه لا شبهة في أن المنظور فيه في هذه الصورة صفة، وهي الحدوث.
يوضحه أنا إنما نستدل على الباري بفعله الذي أثر فيه، ومعلوم أن الذي أثر فيه هو الحدوث، فالنظر إنما يتعلق بالدليل الذي هو الحدوث، وكذلك الدليل على كونه قادرا وعالما هو صحة الفعل وصحة الأحكام.
Sayfa 52