٧- إضاءة: والمذهب الثاني من آثر بنية الروي على ما تكاثر من المقاطع وافتتح بعمدة غرضه. فإن كان في العبارة ما يماثل مقطع الروي حصلت البغية، وإن لم يكن ذلك في العبارة احتال في تذييل العبارة بما يماثل مقاطع الروي إن أمكنه ذلك وتحرى الإفادة فيما ذيل به البعد عن التكلف أو عدل إلى معنى يناسب ذلك المعنى مما يتيسر هل فيه وجود المقطع الموافق. فإن أعوزه ذلك ركب أحد مركبين: إما يبدأ بأي معنى اتفق مما يتفق فيه وجود الروي متمكنا. وإما أن يترك التصريع ويفتتح بعمدة غرضه كيفما حضرته العبارة ولو واقعا في أولها الخزم. وبهذا المذهب كان الفرزدق يكمل نحو قوله: (الطويل -ق- المتدارك)
منا الذي اختبر الرجال سماحة ... وجودا إذا هب الرياح الزعازع
٨- تنوير: والمذهب الثالث: أن يرجع المبدأ على القوافي في ما كانت فيه المقاطع متوسطة بين الكثرة والقلة، ويرجح القوافي على المبدأ حيث تقل المقاطع.
٩- إضاءة: واعلم أن للشعراء في تهديهم إلى العبارات التي ترد على الأفكار أول ما ترد عليها متزنة منطبعة على مقدار الكلام المقفى ومقطعه وإلى العبارة التي ليست توجد أول ورودها على الأفكار متزنة منطبعة على ما يرد صوغ الكلام بحسبه، لكن توجد قابلة لأدنى تغيير يصيرها منطبعة على ما يراد من ذلك، مراتب ثلاثا: الأولى أن تكون قوة الشاعر الناظمة في أكثر أمرها لا تلاحظ ما يصلح أن يكون عبارة عن المعنى مما ذمة الذكر به ملية عند اقتضائها إياه أول ملاحظتها إلا على الهيئات التي تكون نقل الحركات والسكنات فيها بحسب ما يقتضيه الوزن الذي يريد بناء كلامه عليه فيولج به الخاطر إلى اللسان موزونا.
١٠- تنوير: وقد تقتصر هذه القوة التي بهذه الصفة عن هذه الدرجة في كثير من المواضع. وذلك يكون لعوادي ثمان تعرض: أربع منها راجعة إلى الشاعر، وأربع راجعة إلى نفس الشعر.
فأما ما يرجع إلى الشاعر من ذلك فمنها: ١- أن يكون بالخاطر كسل فلا تسمو تلك القوة معه سموها مع النشاط.
٢- وإما أن يكون الخاطر قد شغله تلفت إلى غير الغرض الذي هو آخذ في صوغ العبارة له، وعاقه ذلك عن تسليط تلك القوة عن ضروب ما يقوم فيه من العبارات المتخيلة وإمرارها على ضرب ضرب منها حتى تميز القوة بعرض جميعها حركاته وسكناته ومستمرة على ما يجب في ما بني الكلام عليه من الأوزان مما ليس التركيب في حركاته وسكناته كذلك إذ ذكا من التصور الذهني إلى التلفظ اللساني كامل وذلك التلفت منه يكون إما إلى جهة معنى يسنح له، وإما إلى جهة معنى قد قدمه فيسنح له فيما يتعلق به أو بالعبارة عنه ما يرفع قبحا ويضاعف حسنا. فينتهز الخاطر الفرصة في تحصيله. ففي حال الانصراف إلى محل الالتفات تتوافق القوة الناظمة عما كانت بسبيله من تصفح العبارة المستمرة الحركات والسكنات على منهاج الوزن الذي بني الكلام عليه والتغلغل إلى استخراجها من غمار العبارات غير المتزنة.
٣- وإما أن يدركه سهو، فينصرف عن الوزن الذي هو آخذ فيه إلى وزن يقاربه على سبيل الغلط. فيكون الخاطر غير آنس بالوزن الذي خرج إليه ولا ولع بالاستمرار على ما لم يتقدم له إلف له ولا سلف له عمل فيه، من شان النفس أن تحرص على إتمامه، ولا استثار فائدة فيه ولعه بما قد ألفه وتقدم له عمل فيه يشتاق إلى إتمامه. فلا ينبعث الخاطر بالقوة انبعاثا يمكنها من ملاحظة ما وضعه من العبارات موافق للوزن المبني بديها، فيتعذر على ها صوغ الكلام بحسب الوزن المخرج إلى السهو، ولو لم يتعذر على هذا التقدير أيضًا لم يحصل للناظم البغية مما أراد من الوزن الأول، فوقوع مثل هذا الغلط عائق عن وزن الكلام بحسب العروض المقصود بالقصد الأول على كل حال. وأكثر ما يقع هذا الغلط للفكر أيضًا إذا نال منه الكد والكسل، وإن كان هذا إنما يعرض في الأقل، وفي الأوزان المتشابهة نحو مجزو الوافر والهزج.
١١- إضاءة: ولا يعتاص وزن الكلام على المطبوعين إلا حيث يريدون تضمين المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، أو حيث يريدون صوغ الكلام على هيئات بديعة يحتاج فيها إلى إمرار الفكر على الألفاظ التي يحدس أن ذلك متأت فيها وإلى التنقيب عما يهيئ الكلام بتلك الهيئة من ضروب الترتيبات والوضع. فأما في ما سوى ذلك فالوزن أيسر شيء على من له أدنى بروع في هذه الصناعة.
1 / 66