٢- تنوير: ثم يقسم المعاني والعبارات على الفصول ويبدأ منها بما يليق بمقصده أن يبدأ به، ثم يتبعه من الفصول بما يليق أن يتبعه به ويستمر هكذا على الفصول فصلا فصلا، ثم يشرع ي نظم العبارات التي أحضرها في خاطره منتثرة فيصيرها موزونة إما بأن يبدل فيها كلمة مكان كلمة مرادفة لها أو بان يزيد الكلام ما تكون لزيادته فائدة فيه أو بان ينقص منه ما لا يخل به أو بأن يعدل من بعض تصاريف الكلمة إلى بعضها أو بأن يقدم بعض الكلام ويؤخر بعضا أو بأن يرتكب في الكلام أكثر من واحد من هذه الوجوه.
٣- إضاءة: ولا يخلو عروض الشعر من أن يكون طويلا أو قصيرا أو متوسطا: فأما الطويل فكثيرا ما يفضل مقداره عن المعاني فيحتاج إلى الحشو، وأما القصير فكثيرا ما يضيق عن المعاني ويقصر عنها فيحتاج إلى الاختصار والحذف، وأما المتوسط فكثيرا ما تقع فيه عبارات المعاني مساوية لمقادير الأوزان فلا يفضل عنها ولا تفضل عنه فلا يحتاج فيه إلى حذف ولا حشو، لكنه يشارك الطويل والقصير في الاحتياج فيه إلى الوجوه الباقية إلى: العدل والبدل والتقديم والتأخير أو مجموع أكثر من واحد من ذلك.
٤- تنوير: وللأعاريض اعتبار من جهة ما تليق به من الأغراض واعتبار من جهة ما تليق به من أنماط النظم: فمنها أعاريض فخمة رصينة تصلح لمقاصد الجد كالفخر ونحوه نحو عروض الطويل والبسيط وفئة وكثير من مقصرات ما سواه من الأعاريض.
ومنها أعاريض تليق مقاصد التي تحتاج إلى جزالة نمط النظم يجب أن تنظم في سلك الأعاريض التي من شأن الكلام أن يكون نظمه فيها جزلا نحو عروض (الطويل) والكامل.
وأما المقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد يليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة، وقلما يخلو الكلام (الرقيق) من ضعف مع ذلك، لكن ما قصد به من الشعر هذا المقصد، فمن شانه أن يصفح فيه عن اعتبار القوة والفخامة، لأن المقصود بحسب هذا الغرض أن تحاكى الحال الشاجية بما يناسبها من لفظ ونمط تأليف ووزن. فكانت الأعاريض التي بهذه الصفة غير منافية لهذا الغرض، وذلك نحو المديد والرمل. وسيأتي لهذا زيادة بيان.
٥- إضاءة: واعلم أن الخواطر إذا تصورت فصول القصائد ومعانيها قبلا لشروع فيا لنظم، وقامت بها العبارات عن تلك المعاني قياما وهميا متخيلا، فقد يوجد في عبارة عبارة منها كلم يصلح أن تقع قوافي تكون كل عبارة منها فيها كلمة في كل ما عداها من العبارات كلمة تماثلها في المقطع، ويوجد فيها أيضًا كلم مغايرة مقاطعها المتماثلة لمقاطع الأولى ولا تبلغ الثواني مبلغ الأولى فيا لكثرة، ويوجد فيها أيضًا كلم لها مقطع ثالث إلا أنها في قليل من تلك العبارات.
٦- تنوير: فللشعراء بالنظر إلى ما يجب في المطالع وما يجب في القوافي، وبالنظر إلى ملاحظة ما يجب فيها ثلاثة مذاهب: أحدها مذهب المعتنين بالمبادئ. وهو أن يجعل مبدأ كلامه دالا على مقصده، ويفتتح القول بما هو عمدة في غرضه، وينظر في العبارة عن ذلك المعنى أصلح لفظة منها بالقافية؛ فإن كان مقطعها مماثلا لما تكاثر في معاني القصيدة من المقاطع المتماثلة حصلت له البغية في المبدأ والقوافي وتمكن مما أراد، وإن كان المقطع فيا لمبدأ مماثلا للمقاطع المتوسطة في مستأنف العبارات عن معاني القصيدة حصل له أيضًا كثير مما أراد واحتال في ما لم يكن فيه من العبارات ما يماثل مقطع المبدأ باجتلاب ما يماثله على جهة إلحاقه بالعبارة ويتحرى أن يكون ذلك مفيدا، فإن لم يماثل مقطع المبدأ إلا المقاطع التي وقعت قليلة فيا لعبارات احتال في وصل ما عز فيه وأبدل المقطع بما يوجد فيه تحرى الإفادة والبعد عن التكلف ما استطاع وأبدل مكان بعض المعاني التي كان يريد أن يقولها معاني مناسبة لها في ما وقع فيها عمدة أو فضلة مفيدة مقطع مماثل لمقطع المبدأ وحذف ما لم يجد منه بدلا، فهذا مذهب.
1 / 65