١- محاكاة حالة معتادة ٢- ومحاكاة حالة مستغربة ٣- ومحاكاة معتاد بمعتاد ٤- ومستغرب بمستغرب ٥- ومعتاد بمستغرب ٦- ومستغرب بمعتاد.
ومحاكاة الأحوال المستغربة إما أن يقصد بها إنهاض النفوس إلى الاستغراب أو الاعتبار فقط. وإما أن يقصد حملها على طلب الشيء وفعله أو التخلي عن ذلك مع ما تجده من الاستغراب.
وللنفوس تحرك شديد للمحاكيات المستغربة لأن النفس إذا خيل لها في الشيء ما لم يكن معهودا من أمر معجب في مثله وجدت من استغراب ما خيل لها مما لم تعهده في الشيء ما يجده المستطرف لرؤية ما لم يكن أبصره قبل. ووقوع ما لم يعهده في نفسه موقعا ليس أكثر من المعتاد المعهود.
وفنون الإغراب والتعجيب في المحاكاة كثيرة. وبعضها أقوى من بعض وأشد استيلاء على النفوس وتمكنا من القلوب.
٧- إضاءة: وتنقسم المحاكاة أيضًا -من جهة ما تكون مترددة على ألسن الشعراء قديما بها العهد، ومن جهة ما تكون طارئة مبتدعة لم يتقدم بها عهد- قسمين: فالقسم الأول هو التشبيه الذي يقال فيه إنه مخترع. وهذا أشد تحريكا للنفوس إذا قدرنا تساوي قوة التخييل في المعنيين لأنها أنست بالمعتاد فربما قل تأثرها له، وغير المعتاد يفجؤها بما لم يكن به لها استئناس قط فيزعجها إلى الانفعال بديها بالميل إلى الشيء والانقياد إليه أو النفرة عنه والاستعصاء عليه. وأما المعنى في نفسه فحقيقة واحدة. ولا فرق بالنظر إلى حقيقته بين أن يكون جديدا مخترعا وأن يكون قديما متداولا. وإنما الفضل في المعنى المخترع راجع إلى المخترع له وعائد عليه ومبين عن ذكاء ذهنه وحدة خاطره.
وسيأتي لهذا فضل بيان في المنهج الرابع من هذا القسم إن شاء الله.
٨- تنوير: وتنقسم المحاكاة أيضا، بالنظر إلى محاكاة جزء من معنى بجزء من معنى، أو محاكاة معنى بمعنى، أو محاكاة قصة تتضمن معاني بقصة تتضمن معاني، ثلاثة أقسام، الثالث منها تاريخ.
٩- إضاءة: والتخاييل في المعاني منها محاكيات تقع في أمور من جهة ما ترتبت في مكان وحصل لبعضها وضع ونسبة من بعض، فتحاكى على ما وقعت عليه من ذلك. ومنها محاكيات تقع في أمور من جهة ما ترتبت في زمان ووقع فيه بعضها بنسبة من بعض وانتسب شيء منها إلى شيء، فتحاكى أيضًا على ما وقعت عليه من ذلك.
١٠- تنوير: وإذا خيلت الأمور المترتبة في مكان أو زمان فلا يخلو من أن يتعرض إلى أن ما خيل عليه أمر كلي في ما كان من ذلك الجنس أو مناقضه لمن يعتقد أن ضد ما خيلته المحاكاة حكم كلي. فيستثني المحاكي بعض ذلك الكلي فيخرجه عن ذلك الحكم، أولا يتعرض. فإن تعرض فالقول إن كان متعلقا بأمر للناس به عناية وكان قد خرج في عبارة محكمة حكمة أو مثل أو جار مجرى الحكمة والمثل، وإن لم يتعرض فالقول اختصاص أو غير ذلك.
١١- إضاءة: ولا تخلو نفوس الأمور بأقوال دالة على خواصها وأعراضها اللاحقة التي تقوم بها في الخواطر هيآت تلك الأمور وتتسق صورها الخيالية، أو تخيل بأن تحاكى بأقوال دالة على خواص أشياء أخر وأعراضها التي بها تنتظم صورها الخيالية في النفس فتجعل الصور المرتسمة من هذه الأشياء المحاكى بها أمثلة لصور الأشياء المحاكاة. ويستدل بوجود الحكم في المثال على وجوده في المثل. فالقول على هذا ينقسم: إلى محاكاة قصص وما جرى مجراه، وإلى محاكاة حكمة، وإلى محاكاة قصص بقصص أو نحوه، وإلى محاكاة قصص بحكمة، ومحاكاة حكمة بحكمة. ولا تحاكى الحكمة بالقصص إلا حيث تكون جزئية لأن الحكمة إذا كانت كلية كانت أعم من القصص، فلا تحاكى لذلك به إلا على جهة الاستدلال التمثيلي. وربما منع من ذلك في بعض المواضع كون الحكمة أشرف من القصص وأجزل موقعا، فلا يفتقر إلى إعانتها بمحاكاة إذا كانت بالغة. فالحكم على هذا إذا استقصيت أركانها وأعرب عنها بلفظ جزل محكم العبارة أنيق النظام خفيف على اللسان مخيل لما دل به عليه محاكاة كانت أمثلة لما قبلها أو لم تكن.
ومعرف دال على طرق المعرفة بأحكام المحاكيات وما يجب أن يعتبر فيها، والاستبانة لمناقل الفكر في التخيلات الشعرية، وكيفية التهدي إلى التحسينات والتقبيحات التي ينحى بالأقاويل المخيلة نحوها.
1 / 30