Min Naql Ila Ibdac Nass
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Türler
ولا يهم الخلاف بين الترجمات ما دام لا يؤثر في القصد الحضاري. ليست الترجمة نقلا حرفيا بل تأويل وقراءة. وليس المهم إذا كان الشراح أقرب إلى النص اليوناني أم لا؛ فليست المطابقة هي المقياس، بل كلما ابتعد كان أبعد عن النقل وأقرب إلى الإبداع.
25
ليس الهدف من الترجمة العربية القديمة مجرد استعمالها للاستفادة في النثر الفني؛ فلم تكن القضية عند القدماء مجرد أسلوب أو صياغة وهم أهل الأدب، بل كان موقفا حضاريا عاما من ضرورة التعرف على الوافد من أجل استعماله لفهم الموروث، وإيجاد ثقافة حديثة تجمع بين الاثنين. والفلسفة أكثر من الأدب، بحث في الواقع وتحليل له من أجل التغير الاجتماعي.
26
ليس المطلوب إصلاح الترجمة العربية القديمة، حتى يتفق مع الأصل اليوناني الحديث، بل المطلوب هو فهم الترجمة العربية القديمة كموقف حضاري، تمثلا للآخر من أجل إعادة إخراجه من جديد. لا يجوز إكمال الناقص في الترجمة العربية بالنص اليوناني؛ فالحذف له دلالته الحضارية، كبداية للتلخيص، وليس عند المحدثين الذين يتصورون الترجمة نقلا آليا طبقا للأصل. هل الغاية الترجمة العربية القديمة أم النص اليوناني في اللغة العربية؟ هل الغاية حصار ثقافة الآخر كما فعل القدماء، أم انتشار ثقافته كما يفعل المعاصرون؟ إذا كان هناك حذف في الترجمة العربية بالنسبة إلى النص اليوناني، ولا يكون مفقودا في المخطوط، فلا يجوز للناشر إضافته؛ فالحذف له دلالته الحضارية، إما أن المحذوف لا يفيد في المعنى شيئا؛ لأنه حشو أو لأنه أمثلة محلية صرفة، لا تدل إلا عند قارئها اليوناني، وليس عند قارئها العربي، أما النص المضاف في الترجمة العربية، فلا يجوز حذفه في النشر الحديث؛ لأنه موضح للمعنى . وعلى هذا النحو تكون الترجمة إعادة تأليف، وإنتاج للنص من جديد بلغة جديدة وبتركيز جديد. لا فرق إذن بين الترجمة والتعليق والشرح، الكل تأليف جديد ابتداء من النص الأولي. ليست الغاية إذن إيجاد النص اليوناني ابتداء من الترجمة العربية، بل إيجاد الترجمة العربية كنص حضاري؛ ليست الغاية نقل النقل بل إبداع الإبداع؛
27
لذلك لا يجوز للناشر الحديث إضافة أي زيادات من عنده أكثرها مأخوذ من الأصل اليوناني، بالمقارنة معه ويضعها بين < > كما أن الزيادة في الأصل المخطوط يضعها بين [ ] ويقترح حذفها، مع أن النقص الأول والزيادة الثانية لهما دلالة خاصة فيما يتعلق بالترجمة؛ فالترجمة هنا لا تعني نقلا طبق الأصل، بل بدايات الشرح والتلخيص؛ الشرح في حالة الإضافة، والتلخيص في حالة الحذف. ويكفي تحليل المضاف والمحذوف للتعرف على بدايات الفكر الفلسفي. كان النص سجلا للموقف الحضاري كله، حالة النص، وحالة المترجم والمعلق والقارئ، وليس عريا نفسيا وعقليا
Striptease . كان هناك تفاعل بين النص والقارئ، كما هو الحال في الغناء بين المغني والمستمع، أو في التمثيل بين نص المؤلف وإلقاء الممثل واستماع المشاهد، أو في قراءة القرآن بين النص المكتوب والقراءة المتلوة والمسموع، بل وأصوات الاستحسان التي يصدرها المستمعون، لا فرق في ذلك بين قراءة القرآن وغناء المطرب أو شدو المطربة. مهمتنا إخضاع النص لعملية تحليل وتأويل، وهو عمل فلسفي ثان على العمل الفلسفي الأول. ليس النص مجرد مصدر للأخبار ولكنه تجربة حضارية متشابكة، علاقة بين الموضوع والذات أولا ثم بين الموضوع كذات عند القدماء والذات ثانيا عند المحدثين. ليس المهم منطق أرسطو كنص تاريخي بل استعماله كموقف حضاري؛ ليس المهم هو البدن بل الروح؛ ليست الفكرة المنقولة بل الفكرة الناتجة عن الفكرة المنقولة؛ ليست المعلومات بل العلم وهو ما يبقى بعد نسيان المعلومات. ولا يجوز للناشر الحديث بدعوى وقوع خلط واضطراب في المخطوط إعادة ترتيبه بحيث يتفق مع النص اليوناني الحالي؛ فقد تكون الترجمة القديمة إعادة إنتاج للنص اليوناني، حتى تكون أقدر على التعبير عن المعنى. قد تكون نصا جديدا وليس نقلا للنص القديم.
28
لا يجوز إكمال الترجمة العربية القديمة بالنص اليوناني الحديث؛ فقد يكون للحذف دلالة حضارية، إن لم يكن مجرد ضياع جزء من النص اليوناني القديم.
Bilinmeyen sayfa