Min Naql Ila Ibdac Nass
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Türler
وفي «حجج أبرقلس في قدم العالم ترجمة حنين بن إسحاق» تظهر شجاعة المترجم في نقله إلى اللسان العربي نصا ضد تصور البيئة الثقافية الجديدة، الذي يقوم على حدوث العالم وهي تسع حجج: الأولى مأخوذة من وجود الباري فلا يصدر عن القديم إلا قديم مثله؛ فالباري هو رب الأشياء والمالك لها. والثانية إذا كان مثال العالم أزليا فالعالم المادي أزلي مثل مثاله ، وهي حجة شبيهة بقدم علم الله بخلق العالم. والثالثة أن الله قبل خلق الله تعالى العالم بالفعل كان خالقا له بالقوة، والوجود بالقوة أحد أنماط الوجود. وقد اعترف أفلاطون بهذه الحجة في محاورة «فيليبس». والخامسة أن ما يخلق من علة غير متحركة يكون أيضا غير متحرك. وهي حجة شبيهة بمشاركة العالم الله في صفة العلم، والثبات والديمومة مثل العلم. وهي مضادة لحجة إثبات الخلق عن طريق دليل الحركة المشهور عند أرسطو وفي العصر الوسيط المسيحي. والخامسة أن الكون في الزمان والزمان قديم فلزم أن يكون العالم قديما. والسادسة إن كان الله قادرا على خلق العالم والقدرة قديمة فالعالم قديم، وهي نفس حجة العلم والديمومة. وقد اعترف بذلك أيضا أفلاطون. والسابعة إن كانت نفس الكل غير حادثة ولا فاسدة وكذلك العالم، وهي نفس الحجة السابقة ولكن هذه المرة مع روح العالم. والثامنة تفصيل على حجة الفساد؛ فالفساد تحول عن شيء إلى شيء ولا شيء، غريب على الكل، ولا تحول خارجا عليه، إذن فالعالم قديم لأنه هو الكل. وقد اعترف أفلاطون بذلك أيضا في فيدون. والتاسعة الأخيرة أن الفساد يقع لآفة والعالم سعيد لا آفة فيه مثل الملائكة. وهو نوع من الإسقاط النفسي على العالم والانتقال من العالم الموضوعي إلى العالم الذاتي، من الخبر الإنشاء، ومما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون. وحجج أبرقلس ثمان عشرة حجة، نقلها حنين نقلا رديئا، ولم يبق منها إلا هذه الحجج التسع. وواضح من هذه الصياغة الألفاظ الإسلامية مثل الله تعالى والخالق والباري والملائكة والوحي والكفر. كما يتضح إثبات شبهة أرسطو وقوله بقدم العالم اعتمادا على أفلاطون.
35
وفي «كلام لأبرقلس من كتابه أسطوخوسيس الصغرى» يعني اللفظ عناصر الطبيعة في مقابل عناصر الإلهيات. ويضم نفس الأفكار، فيض الخير من العلة الأولى. كما قال أفلاطون إن المبدأ الأول هو الإله الأول، والشمس بالنسبة للمحسوسات مثل الباري بالنسبة للمقولات، مصدر للمعرفة. وهو الله عز وجل بصفاته الإسلامية سبب كل الخيرات. والآراء التي يجب اعتقادها في الله، هي أنه جواد معطي الخيرات وليس السيئات؛ لأن الله ليس سببا للشرور، وأنه غير متغير؛ فالتغير ضعف، والله ليس ضعيفا بل في غاية القوة، وأنه عالم بالأشياء على حقائها علما لا خطأ فيه، وهي صفات ثلاث شبيهة بالعلم والقدرة والحياة التي تعادل الخير.
36 (2) من دين الطبيعة إلى دين الوحي
كما تم التحول من دين الطبيعة إلى دين الوحي في ترجمة «مسائل فرقليس في الأشياء الطبيعية» لأبرقلس بطريقة السؤال والجواب وبداية بالبسملة، قام بها إسحاق بن حنين مما يدل على أن الدافع على الترجمة لم يكن فقط الإلهيات، بل أيضا الطبيعيات أي العلم الخالص. وهي مسائل تجمع بين الطبيعة والحرارة والبرودة والماء والنار والطب، مثل حساسية الإبطية والأقدم، والنوم والشعر، والصلة بين الخصي وعدم نبات اللحية.
37
كما ترجم كتاب «الصلاة لياسميتوس» أو ما تبقى منه مما يدل على جرأة المسلمين، على ترجمة الكتب الوثنية ونصوص الصائبة الذين ورد ذكرهم في القرآن، ووضعها في إطار أفلوطين، وقد كانت الثقافة الفلسفية الشائعة؛ فالوثنية هي دين طبيعي، والله خالق الطبيعة؛ فالنقل الحضاري يضع دين الطبيعة داخل دين الوحي، ويعبر عن الوحي بدين الطبيعة.
ولا فرق في الترجمة بين نص ديني أو فلسفي أو علمي؛ فكلها تخضع لمنطق واحد، ترجمة حرفية أو معنوية، حذف أو زيادة أو إعادة كتابة للنص واستبدال الأمثلة، وتعريب المصطلحات أو نقلها، ولكن النص العلمي الرياضي والطبيعي، في حاجة إلى موقف إنساني حتى يخفف من مستوى تجريبه أو موضوعيته، وتحويله إلى مستوى إنساني، بداية بحكاية ونهاية بشعر، بحيث يتحول النص العلمي في الحضارة المنقول منها إلى نص إنساني في الحضارة المنقول إليها، سواء كان هذا النقل الحضاري، كله أو بعضه، قد تم من قبل في النص اليوناني. وهذا السياق الحضاري للنقل أكثر دلالة من النص المنقول نفسه؛ فالخيال طريق العقل، والشعر مقدمة للرياضة وخاتمة لها، والبداية بمسائل علمية مثل بناء قبر، وبتدخل وحي من دلفي، ربما من الأنبياء الذين لم يتم الإخبار بهم
منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك .
38
Bilinmeyen sayfa