وكان في طريقه إلى صاحبته هذه ذات مساء، حين اعترضت سبيله فتاة غيرها، ونظر ونظرت، ثم كان تاريخ، وذاق توفيق لونا آخر من ألوان الحب.
وعاد إلى غرفته ليكتب في مذكراته، وطوى صحيفة وبسط أخرى ...
وخلع توفيق وقاره، وألقى بنفسه في تيار الحياة، وتتابعت حوادثه في فصول وأبواب، وامتلأت حقيبته صورا وذكريات ...
وتجرد توفيق من ماضيه، فلم يبق في ذكراه من صورة الأمس إلا رسوم حائلة يكاد يبليها النسيان، ولكن شيئين اثنين لم يغفلهما توفيق: دروس الملاحة التي هجر من أجلها وطنه وأهله، ومذكراته التي يثبت فيها مغامراته في الحب كل ليلة قبل أن ينام!
وانتهى توفيق من دروسه، فالتحق بشركة كبيرة من شركات الملاحة الإنجليزية تجوب البحار بين سواحل القارات الخمس، وركب ظهر البحر يتنقل بين البلاد، وفي يده «حقيبة الذكريات» يثبت فيها فصلا من مغامراته كلما هبط ميناء من المواني. لم ينس واجبه قط في ليلة من ليالي الأرض أو ليلة من ليالي الماء.
لكأنما كان يجوب البحار على هذه السابحة لغاية واحدة، هي أن يذوق الحب في كل ميناء ترسى فيها السفينة ويصف ...
وذاق الحب في كل ألوانه، إلا اللون الواحد الذي يكون معه الدمع.
لقد كان يخلع حبه دائما في الظلام قبل أن يفارق الغرفة المسدلة الستائر ويغلق الباب وراءه، فإذا عاد إلى غرفته من الفندق أو من السفينة، بسط أوراقه وكتب، وتنتهي قصة حب فلا يبقى منها إلا سطور مكتوبة.
ومضى توفيق على وجهه، والشر يغري بالشر ... ... واجتازت السفينة مضيق جبل طارق في طريقها إلى الشرق، وأسر إليه صاحبه «ماجدو» حديثا فابتسم، ومضت السفينة بهما تمخر عباب الماء، واجتازت الدردنيل إلى البحر الأسود؛ لترسى في ميناء «كونستانزا» على ساحل رومانيا بلاد الجمال والحب.
وهبط توفيق وصديقه إلى البر وراحا يضربان في المدينة ليذوقا الحب ... الحب الذي ينتهي في الظلام، في غرفة مسدلة الستائر مغلقة الأبواب!
Bilinmeyen sayfa