الدرس الأول
«هل كانت قدرية في أوليتها تتوقع هذه الغاية التي انتهى إليها أمرها؟»
هكذا سألني صديقي وهو يحدثني حديثها: ... كانت تجلس في الصف الأخير من حجرة الدراسة، فقد كانت أطول قامة وأبعد نظرة، فما يشق عليها ولا يعنيها أن تجلس في الصف الأول أو في الصف الأخير. على أنها كانت أسبق التلميذات جوابا عند الاختبار، وأكثرهن عناية بالعمل المدرسي، فلا جرم كانت بذلك أدنى منزلة إلى قلوب معلميها ومعلماتها، وكانت على إرث من الأدب والفضيلة، يبدو في طرف غضيض، وصوت خفيض، ولسان عذب التحية عف الخصام، وكانت إلى كل ذلك مليحة رشيقة، مقبلة ومدبرة ...! وإني لأعجب لنفسي كيف لم أتبين ما فيها من رشاقة وخفة إلا في تلك الليلة التي كانت ... حين بدأت حوادث هذه القصة ...؟
على أن المعلم في مدارس البنات قلما يعنى بالنظر إلى وجوه تلميذاته، ولعله لو سئل الرأي في تفضيل واحدة على واحدة من بناته في هذا الباب لأخطأ الرأي والنظر، ولكانت أدم الدميمات هي عنده الجميلة التي لا تباريها واحدة ولا تقاربها، فإن طول العشرة ودوام المخالطة خليق بأن يلون رأيه بلون غير اللون الذي ينظر به كل رجل إلى كل امرأة؛ ومن ذلك لم يهجس في نفسي يوما أن فلانة من تلميذاتي أجمل أو أدم من فلانة، وكذلك لم أكتشف ما كان في قدرية من جمال وفتنة إلا في تلك الليلة، وإنها لتلميذتي منذ ثلاث سنين!
كان ذلك في يوم من أيام الربيع وقد تبرجت الدنيا بزينتها، وأخذت زخرفها، ونضت الكائنات عن سر الإبداع العبقري الذي أودعه فيها الصانع الأعظم.
وكان العام الدراسي في أخرياته، وقد فرغ المعلمون أو كادوا مما عليهم من فرائض العلم، وتأهب التلميذات لواجبهن استعدادا ليوم قريب ...
ورأت المدرسة أن تجري على تقاليدها احتفالا بانتهاء العام، على أنها رأت أن يكون في حفلتها هذه السنة شيء جديد، محاكاة لمدارس أخرى، ومساهمة في بعض أعمال البر - كما تزعم - فاعتزمت أن يكون احتفالها في ملعب كبير مشهور، يدعى إليه طائفة من أهل البذل والمعروف؛ لتستعين المدرسة بما تجمع منهم على البر بطائفة من الفقراء ...
وأعدت المدرسة برنامجا حافلا، فيه تمثيل ورقص، وفيه غناء وموسيقى، ولا بد أن تجتمع هذه الألوان في كل حفل يراد منه أن يغل إيرادا يعين على بعض أعمال البر ... وإلا فماذا تقدم المدرسة من وسائل التسلية ثمنا لما تطلب من أهل البذل والمعروف؟
وقالت معلمة لأخرى: «ينبغي أن تكون حفلتنا معجبة!»
فقاطعتها الثانية: «نعم، وستكون أفخم ما أقيم من حفلات المدارس في هذا الموسم ...»
Bilinmeyen sayfa