ومضى شهر وشهر وشهر، وانقضى عام، وأهل عام جديد، وعادت نعيمة من القاهرة لتقضي أياما بين أهلها، وسعى إبراهيم إليها فيمن سعى وعلى شفتيه سؤال، ثم ارتد عنها أشد ما يكون ألما وأشقى نفسا؛ إن نعيمة نفسها لا تعلم عن زاهية أكثر مما يعرف أهل القرية، فما لقيتها في القاهرة قط ولا عرفت من أخبارها!
وتلاشى الأمل الباقي في نفس إبراهيم، وانضم إلى الجماعة فيما تؤمن به من مصير زاهية، ومضت الأيام تسدل على الماضي ستارها، وتناست القرية زاهية وما كان من أمر زاهية، ونسي إبراهيم! ... وكان العام الثاني في أخرياته حين أخذت القرية زخرفها وازينت لأمر ما ... «نعيمة ريحانة القرية وزينتها تزف الليلة إلى إبراهيم!»
هذه هي أول كلمة صكت مسمعي زاهية وهي عائدة إلى القرية ...
وهبطت الفتاة القرية، والقرية كلها في شغل عنها بعرس إبراهيم ونعيمة، وإنهما لشابان حقيقان بأن تحتفل القرية بعرسهما وتفتن في الزينة له؛ ومن مثل نعيمة في القرية؟ ومن مثل إبراهيم؟
ونال زاهية من الغيرة ما نالها حين استمعت إلى هذا النبأ، ولكن أملا في نفسها كانت تحرص على كتمانه؛ أمل عزيز صحبها إلى غربتها، وطالما أنست في وحدتها بذكره: سرحان!
ومضت في طرقات القرية إلى دارها التي فارقتها منذ عامين، تختال في ثوب موشى لم تلبسه قبلها واحدة من بنات القرية، ولم تلبسه نعيمة نفسها!
وتتابع خطوها على الطريق متئدا رتيبا في مثل رشاقة بنات القاهرة!
وعلى شفتيها ابتسامة مصنوعة تعبر عن معنى تحرص زاهية على إعلانه!
وتنظر عيناها نظرات فيها زهو وكبرياء، وفيها إغراء وفتنة!
وفي وجنتيها حمرة خفيفة، إلى سمرة طبيعية في وجهها تزيدها جمالا على بنات المدينة!
Bilinmeyen sayfa