İtikattan Devrime (4): Peygamberlik - Ahiret
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Türler
38
لذلك، التوبة واجبة ليس فقط كفرض شرعي، بل كضرورة وجودية وواقعة طبيعية؛ تعبيرا عن رغبة الإنسان في التجدد المستمر. وسبب الوجوب دفع الضرر عن النفس. ولما كانت الأضرار في الكبائر وجبت التوبة عنها؛ لأن الأضرار من الصغائر لا تأثير لها إلا تقليل الثواب. وتجب التوبة لأن المكلف لا يخلو حاله من أمور ثلاثة: أن تكون طاعاته أكثر من معاصيه، فالمعاصي صغيرة لا يجب التوبة عنها عقلا بل سمعا. أن تكون معاصيه أكثر من طاعاته، وهنا تجب التوبة؛ لأنه صاحب كبيرة، فتسقط العقوبة. أن تكون طاعاته مساوية لمعاصيه، وهو محال. التوبة إذن هي الطريق إلى التجدد المستمر، والتقدم الدائم نحو الأفضل.
39
ولا يهم في التوبة قبولها؛ لأنها من أفعال الشعور؛ تطهيرا للنفس وتجديدا للروح. فقبولها ليس من طرف خارجي، بل من حدوث التجدد نفسه؛ وبالتالي فإن السؤال عن غفران الكبائر بالتوبة هل هو استحقاق أم تفضيل يفترض الإجابة في طرف آخر يقبل التوبة أم رفضها دون أن يقصرها على أفعال الشعور. ولا يهم أيضا إذا كانت التوبة تسقط العقوبة أم لا؛ فالتوبة كتجديد للفعل في الزمان من طرف الشعور التائب، وليست من طرف شعور آخر مستقبل للتوبة أو للاعتذار.
40
ومع أن التوبة فعل فردي لا يتعدى فعل الغير، إلا أن لها أحكاما عامة تحض الفرد والجماعة، وتتعلق بالجانبين الشعوري والمادي؛ فالتوبة واجبة من جميع الذنوب، لا خلاف بين ذنب وآخر. لا تجوز التوبة من ذنب دون ذنب، بل تصح التوبة من جميع الذنوب دون نوعية للأفعال. وإن تنوع أفعال الشعور لا حدود لها، وإذا كانت التوبة من الصغائر فالتوبة عن الكبائر أولى. وتكون صحة التوبة من المعاصي إجمالا من غير تعيين للذنب المتوب عنه؛ فالتوبة فعل كيفي، وليست فعلا كميا، فعل نوعي للشعور، وليست فعلا خاصا له. ولا تصح التوبة مؤجلة حتى آخر الزمان في البعد وعلى الأمد الطويل حتى لا يبقى زمان للعزم، وإلا لأجل الإنسان التوبة إلى وقت الاحتضار. أما لو حدث ذلك عن حسن نية وقصد فهي فعل، وإن كان يفتقد إلى الشرطين الأول والثالث؛ ترك الزلة في الحال؛ لأنه لم يعد في القوس منزع؛ وعقد العزم على عدم العودة إلى مثله في المستقبل، فقد انقضى الزمان. ولم يبق من التوبة إلا الندم. وتصح التوبة من كل الناس، مؤمنين وكفارا، مطبوعين ومهديين. وإيمان الكافر توبة وندم، إن لم يكن على مستوى الفعل فعلى الأقل على مستوى النظر؛ ففعل الإدراك في نهاية الأمر أحد أفعال الشعور، والتائب يعلم بما يلزمه أن يتوب عنه، ببعضه أو كله، وإلا لما تحقق تجدد الفعل في الزمان، وتطهير الشعور، وصفاء السريرة، وخلوص النية. وما دامت التوبة فعلا من أفعال الشعور فهي فعل عاقل حر. ولا تجوز التوبة من القول القبيح إن لم يكن مولدا. أما الأفعال المولدة فالتوبة منها تحدث بإبطال التوليد نفسه. ولا يكفي هنا الترك والندم والعزم؛ إذ تكون التوبة من الأفعال الواقعة المسببة القصدية، وإبطال التوليد يحتاج إلى علم بقبح الأفعال المتولدة من الفعل القبيح الأول، وذلك يتم إما بسكون النفس أو بدليل العقل. لا تصح التوبة من فعل مع استمرار قيام سببه المولد؛ ومن ثم يكون القضاء على السبب هو شرط التوبة. ولا يمنع التراخي بين السبب والمسبب من وقوع التوبة، بل تقع على قدر الوسع، وعلى قدر احتواء الزمان. كما تلزم التوبة أيضا عن فعل صدر من فعل آخر عن طريق العادة، وليس عن طريق التولد؛ فالعادة فعل جبري في حاجة إلى ضمه إلى نسيج الأفعال الحرة. وأخيرا لما كانت التوبة فعلا متعديا إلى الخارج، كما أنها فعل لازم إلى الداخل، استلزمت أحكام التعويض. وهنا يتحول علم التوحيد إلى علم الفقه لمعرفة هذه الأحكام؛ فالتوحيد أساس الشرع، وتختلف الأحكام الفقهية طبقا للأحكام العقلية في التوبة. والقاعدة العامة أنه لا تقبل التوبة إلا بعد رد مظالم العباد، ثم يفعل الله ما يشاء في حقه؛ فالمهم هو حياة الناس في الدنيا، وليس حياتهم في الآخرة. إذا كانت التوبة من فعل واقعي أدى إلى وضع اليد والاستحواذ، فيجب رفع اليد والتخلي عنه حتى تصح التوبة. وتكون توبة السماسرة والمضاربين بإرجاع الأموال العامة، وردها إلى أصحابها. وصحة الملكية في النفع العام لا في الإضرار العام، ورد الحقوق جزء من أداء الواجبات.
41
رابعا: شمول الاستحقاق
كما أن الاستحقاق ثابت ودائم، فهو أيضا شامل لا يفرق بين مكلف ومكلف، ويظل العمل وحده هو مقياس الاستحقاق دون موافاة الله لأحد؛ أي دون موالاة للبعض أو عداوة للبعض الآخر. فالموافاة تحيز لو كانت قبل الفعل، وهي لا تتجاوز كونها استحقاقا بعد الفعل، والبشارة هي استباق للحوادث، وحكم مسبق بالاستحقاق ثوابا لبعض الأفراد دون البعض الآخر، والاستحقاق عام وليس خاصا. أما الشفاعة فإنها نقص للاستحقاق، وانقطاع للعقاب للعاصين دون المؤمنين؛ فشمول الاستحقاق إذن موجه ضد الموافاة، ولاية وعداوة، وضد البشارة وضد الشفاعة. (1) الموافاة (الولاية والعداوة)
لما كان الاستحقاق أساسا أخرويا محضا، فإنه لا يمكن أن تحدث موافاة فيه بعد أن تتم الأعمال، وينقضي العمر، وينتهي التكليف؛ فالثواب والعقاب لا يكونان استحقاقا إلا في الآخرة؛ فإذا ما حدث توفيق أو خذلان في الدنيا، أي ولاية وعداوة من الله، فإن ذلك يكون تدخلا في حرية أفعال الشعور الداخلية قاضيا عليها؛ وبالتالي نرجع إلى أصل العدل من جديد. والفعل الحسن يولد طاقاته من ذاته، ويصبح أكثر قدرة على التحقيق، في حين أن الفعل القبيح يفرغ الطاقات، ويقضي على الذات، ويؤدي إلى الخذلان؛ لذلك قد يدخل موضوع الموافاة، أي الولاية والعداوة، في حرية الأفعال مع أفعال الشعور الداخلية.
Bilinmeyen sayfa