İnancından Devrime (1): Teorik Girişler
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Türler
51
أما «التراث والتجديد»، وأولى تطبيقاته هذه «من العقيدة إلى الثورة»، فإنه يمثل تجربة العمر دون ما تجريد في العرض أو ادعاء لعلم؛ فالعلم لا يأتي إلا من تجربة، فردية واجتماعية، تكشف عن تجربة جيل بأكمله، في عصر معين، في إحدى مراحل التاريخ، وموضوعية الفكر لا تنفي حياة المفكر، بل إن حياة المفكر وتجربته هي المحل الذي تنكشف فيه موضوعية العلم وشموله، وأرجو ألا تشغلنا زحمة الحياة، والخوض في تجارب العصر، وعيش أزماته عن إعادة بناء العلوم القديمة، وتأسيسها من جديد طبقا لمقتضيات العصر.
كانت تجارب القدماء في أغلبها صوفية، وفي أقلها علمية نظرية، وبالتالي خلت من أي مضمون اجتماعي، وكيف يهتز العالم كله من مجرد تجربة ذوقية شخصية تعتلج في صدر صاحبها، ويموج بها قلبه، ويهتز لها وجدانه؟ وقد يكون الإحساس بخلاص العالم على يد الشارح؛ تعويضا عن إفلاس علمي حقيقي، أو تغطية لا شعورية عن هزائم العصر، وانهيار الحضارة، أما تجاربنا نحن فهي اجتماعية بالأصالة، تجارب ذات مضمون، وضعناها في التراث، وقرأنا التراث من خلالها فتحولت إلى فكر، وتحول التراث إلى تجربة، وتلك هي مقدمتنا لهذا الجزء الأول من «التراث والتجديد» وهو «من العقيدة إلى الثورة»، محاولة لإعادة بناء علم أصول الدين القديم.
يعبر مشروع «التراث والتجديد» عن تجربة العصر من خلال جيلنا على الأقل، وهو جيل يكشف عن مسار التاريخ المعاصر في أحد مراحله الرئيسية، كما يعكس الصراع الدامي الذي حدث بين «الإخوان المسلمين» التي كانت تمثل الحركة الإسلامية المعاصرة وريثة الإصلاح الديني القديم من الأفغاني إلى محمد عبده إلى رشيد رضا إلى حسن البنا إلى سيد قطب ثم إلي، وبين «الثورة المصرية» منذ «عرابي» حتى «عبد الناصر»، كان أول وعيي بالعالم الحرب «العالمية» الثانية (إذ إني من مواليد 1935م) وكانت عواطفنا ونحن صغار مع دول المحور؛ لأنها كانت ضد بريطانيا التي تستعمرنا، ولم نكن ندري وقتها ماذا تعني النازية أو العنصرية، وكان وعيي الثاني إبان حرب فلسطين 1948م عندما ذهبنا للتطوع في جمعية «الشبان المسلمين» فطلبوا تحويلنا إلى حزب آخر «مصر الفتاة»، ويومها عجبت للفرقة المذهبية في قضية وطنية، ثم دخلت «الإخوان المسلمين» في نفس العام الذي اندلعت فيه الثورة المصرية في عام 1952م، طالبت أن يكون شعار الإسلام مصحفا ومدفعين وليس مصحفا وسيفين، إعلانا للتحديث وتأكيدا على المعاصرة، وكنا مع الثورة في صف «محمد نجيب» الذي دعا في جامعة القاهرة إلى الوحدة الإسلامية، ثم اشتعلنا بثورة محمد مصدق بإيران وتأميم البترول، وهرب الشاه، وكانت أول صدمة تراخى الإخوان في تأييدها، بل وتأييد الكاشاني! ثم حدثت أزمة مارس بين الإخوان والثورة، وكان مشروع المعاهدة المصرية البريطانية أقل مما كانت تطالب به الحركة الوطنية المصرية، كما انضممنا إلى الحركة الوطنية المصرية العامة التي كانت تطالب بالحريات وبالدستور، ثم اشتعلنا من جديد بالثورة المصرية بعد تأميم قناة السويس في يوليو 1956م، وظهر «عبد الناصر» ليس فقط كمناضل ضد الاستعمار، بل كرمز لحركات التحرر في العالم الثالث كله.
بدأت الأفكار الأولى لمشروع «التراث والتجديد» إذن من أتون الصراع بين «الإخوان » و«الضباط الأحرار»؛ أي بين «الإسلام» و«الثورة» أو بين «القديم» و«الجديد» أو بين «الماضي» و«الحاضر»، خلال أربع سنوات حياتي الجامعية من 1952-1956م، واكتشاف توجيه الفكر للواقع، والطاقة والحركة والتغير والجدة والحياة، حتى لقد حسبني أحد الأساتذة كانط أو برجسون، ومنه سمعت لأول مرة تكوين الشعور والإحالة المتبادلة أو القصدية، وأنه يمكن لتجارب الشعور (الدينية الصوفية عندي في ذلك الوقت) أن تتحول إلى علم.
Les methodes d’Exégèse P. V-VI . وفي فرنسا في أواخر 1956م تمت صياغة «المنهاج الإسلامي العام» الذي يتكون من صورتين: الأولى ثابتة تصور ونظام والثانية حركية طاقة وحركة مما انتهى بعد تعديلات طويلة، وتطور في وعي المنهج برسالتي الأولى «مناهج التفسير في علم أصول الفقه» (بالفرنسية)، أولى محاولات التراث والتجديد التطبيقية، وبعد عودتي من فرنسا في صيف 1966م شرعت في كتابة المقدمات النظرية «أزمة الدراسات الإسلامية، التراث والتجديد، ص75-122»، ثم وقعت هزيمة يونيو 1967م، وهنا تحولت من باحث نظري «أكاديمي» إلى باحث اجتماعي، وانتقلت من «الوعي الفردي» الغالب على الرسالة الأولى إلى «الوعي الاجتماعي» من أجل التصدي للهزيمة كمفكر وباحث وعالم (وكانت حصيلة ذلك: «قضايا معاصرة (1): في فكرنا المعاصر»، و«قضايا معاصرة (2): في الفكر الغربي المعاصر») لمدة ثلاثة أعوام، بعدها غادرت البلاد رغبة في الهدوء والنسيان، وتهدئة الخواطر مع السلطات الجامعية والسياسية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية (1971-1975م) جمعت مادة «من العقيدة إلى الثورة» لأول مرة، ثم كتبت «التراث والتجديد» في 1976م كمقدمة عامة بعد أن نضجت في ذهني أزمة التغير الاجتماعي، ولكن حدثت في 1977م الردة الثانية، وانقلاب الثورة المصرية إلى ثورة مضادة مما جعلني أتحول مرة أخرى من باحث ومفكر وعالم إلى «حارس للمدينة» حرصا على الثورة، وحماية لمكتسباتها، ودفاعا عن مشروعها، وظل ذلك على مدى أربع سنوات أخرى في هذه المهام العاجلة والشهادات المستمرة على أحداث العصر (وكانت حصيلة ذلك: «قضايا معاصرة (3): في الثقافة الوطنية»، و«قضايا معاصرة (4): في اليسار الديني»). ثم جاءت مذبحة سبتمبر 1981م، وخروج اضطراري من الجامعة مما أعطاني عاما كاملا لكتابة «من العقيدة إلى الثورة» للمرة الثانية، وبعد خلاص مصر من أسوأ عقد في تاريخها؛ وهو عقد السبعينيات كتبت «من العقيدة إلى الثورة» للمرة الثالثة في فاس بالمغرب الأقصى خلال عام 1983م بعد أن برزت الحركة السلفية في المشرق كوريث للحركة الإصلاحية الدينية وكبديل للثورات العربية وللحركة العلمانية التقدمية بوجه عام، وبعد رصيدها في تخليص مصر، وعلى هذا النحو يكون «من العقيدة إلى الثورة» قد استغرق عشرة أعوام مثل رسالتنا الأولى عن «مناهج التفسير»، وكم في العمر من عشرات الأعوام؟ لذلك أرجو أن تتوالى أجزاء «التراث والتجديد» تباعا، بعد أن شهدنا على أحداث العصر بما فيه الكفاية، الهدف الآن تنظيرها وإحكامها وتحويلها إلى علم محكم، ويكفي «اليسار الإسلامي» كمنبر عام لبيان كيفية الانتقال «من العقيدة إلى الثورة» ⋆
قد أشفعها جميعا بسيرة ذاتية وقد أترك «التراث والتجديد» يحكي قصة حياتي. ⋆
انظر أيضا باقي الظروف في: التراث والتجديد، ص216.
الباب الأول: المقدمات النظرية
الفصل الأول: تعريف العلم
Bilinmeyen sayfa