Memoirs of a Witness to the Century
مذكرات شاهد للقرن
Araştırmacı
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
Yayıncı
دار الفكر
Baskı Numarası
الثانية
Yayın Yılı
١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م
Yayın Yeri
دمشق - سورية
Türler
ولعل أكثر ما كان يغيظ جدي ظهور طبقة الأغنياء المحدثين، فقد كان يرى أن إطار المجتمع يتغير بشكل أعمق مما كان يظن، فولده عمي محمود ترك السروال ولبس البنطال الطويل وربطة العنق. ثم جاء ينشئ في قسنطينة مع عدد من أصدقائه جمعية هواة للموسيقا هدفها طابع الموسيقا التقليدي. والذي كان يدعو إلى الدهشة في جدي أنه كان يجمع في شخصه تيارين متعارضين، كان لهما فيما بعد دورهما في تكوين العقلية الجزائرية. وأريد أن أتكلم عن هذا الذي سمي فيما بعد (السلفية أو المرابطية).
كان جدي من مؤيدي الشيخ (بن مهانة) أحد رواد رجال الإصلاح الجزائري في نهاية القرن الماضي، وكان اندفاعه لتأييد الإصلاح يعادل ارتباطه بالطريقة العيسوية. ولم يكن الخلاف بين هذين التيارين المتعارضين قد اتخذ ذلك الطابع العنيف الذي عرفه جيلنا خصوصًا بعد سنة ١٩٢٢، مع ظهور الصحافة المعبرة عن الرأي العام كصحيفة (المنتقد) التي ظهرت في مدينة قسنطينة.
في منزل جدي كانت شخصية غامضة لم أتعرف عليها جيدًا، تلك هي شخصية (محمد) شقيق جدي. لم أكن أدري السبب في أنه بغير عائلة؛ إنما أعرف فقط أنه كان في طرابلس يحارب الإيطاليين، وأنه وقع أسيرًا في أيديهم ثم أطلق سراحه ليذهب إلى الجزائر مع جدي وعمي.
كنت أراه وحيدًا مرتديًا جلبابه الصوفي. يمر بنا ليصعد إلى غرفة في أعلى المنزل تسمى (السرايا) يقيم فيها وحيدًا. وأحيانًا ألتقي به خلال تجوالي على الجسر الطويل لسيدي راشد، إذ أراه أحيانًا يتكئ على سوره ساهمًا في الأفق البعيد.
وخلال هذه الفترة التي قضيتها في قسنطينة لم تتقدم دراستي كثيرًا، فقد أفسدتني أمي بهيجة بعنايتها الزائدة، وحين كان عمي محمود يحاول تأديبي كان
1 / 35