إذا رجع القصاد منك بسؤلهم ... فيا ليت شعري كيف عبدك يرجع وكان له رضوان الله عليه أدعية للحوادث والساعات محلها سيرته، فهي جامعة للكثير الطيب. وكان في أول أمره يغشى عليه، وتوجعه الغشاوة، وكان يخاف عليه التلف، لا سيما في المحل الأوعر والأمواء(1)، وكثرت عليه الغشاوة حتى كانت تأتيه الفينة بعد الفينة، وحكى السيد عماد الدين أنه في آخر الأمر كان يغشى عقيب الصلاة ساعة أو ساعتين، وربما اتصلت الغشاوة من الصلاة إلى الصلاة، ولكنه قال: لا يجد لذلك ألما، وإن كان لا يستطيع لذلك حركة عضو ولو بالغ أشد المبالغة، لكنه قال: عقلي معي بحيث إنه لا ينقض وضوئي ذلك الإغماء - رحمه الله تعالى - وكان له كرامات واستقصاؤها يخرجنا عن المقصود، إلا أنا نذكر منها بركة أوقاته، وملكته لنفسه بحيث أنه لا يمكن أن يخطر بالبال شيء من الأفعال والتروك الشرعية إلا وقد أجهد نفسه في موافقة أمر الشارع، وكان تلاوته كل يوم لختمتين كاملتين، وفي رمضان لثلاث ختم مع تسبيح وأذكار وفكر وغشاوات، ومع هذا فكان يشارك إمام وقته الناصر - عليه السلام - /22/ في غزو أعداء الله الباطنية وغيرهم، وكانوا يعدونه في سفرهم حرزا - رضي الله عنه - ومن كراماته الاستسقاء بدعائه على الاستمرار وما يعلم أنه يخلف، ومنها تأييد الله له بألطافه في حالاته، فكان لا يأكل إلا حلالا، واجتمع بحصن المصاقرة(2) هو وأستاذه العبادة الحسن بن سلمان وجماعة من إخوانهما الأصفياء، فحضرت عصيدة فعولوا على إبراهيم في الإفطار معهم فأسعدهم فمد يده فلم تمتد، وكأنها عود يابس، فقال: قد ترجح لي الصيام، ثم بحث عن العصيدة فوجدها لوال كان حاضرا يحرم عليه النزول على أولئك، وله نظير هذا في جهة الحيمة، ومنها الرؤيا الصالحة من الصالحين، فمنها الرؤيا الآتية - إن شاء الله - في ترجمة ابن هشيم، ومنها رؤيا العبد الصالح الطاهر بن أحمد عمر البحار الضمان(1)، أنه رأى بعد موت إبراهيم الكينعي الجنة وما وعد الله المتقين فيها من أنهار وقصور وثمار، ورأى منازل الأنبياء والصالحين، ورأى منزلة عالية قيل له: هذه منزلة إبراهيم بن أدهم، ثم رأى قصورا عالية وأنهارا جارية، ورأى فيها شيخه إبراهيم الكينعي وهي أعلى من منزلة إبراهيم بن أدهم، فقال: سبحان الله منزلة إبراهيم الكينعي فوق منزلة إبراهيم بن أدهم، فقال له قائل: لولا أن منازل الأنبياء لا يحلها أحد من الآدميين لكان بها إبراهيم الكينعي، ومر بين يديه تلميذه العارف عبد الله بن قاسم البشاري على كتاب (عوارف المعارف) فقال لشيخه إبراهيم: هل تسرنا بكرامة لك لتشرح صدورنا؟ فقال: ما لي كرامة إلا أني إذا أردت أمرا أو سفرا، وسألت الله الخيرة سمعت شخصا يقول: افعل، أو لا تفعل ، ومقامه - رضي الله عنه - شهير لا حاجة بنا إلى التطويل. وقد ترجم له من سبق ذكره وترجم له السيد العارف بالله النازل بحرم الله محمد بن علي التجيبي الحسيني البخاري - رحمه الله -. وكانت وفاته - رحمه الله - بصعدة المحروسة. قال السيد الكبير الخطير الهادي بن إبراهيم الوزير - عادت بركاته: أعلم وفقك الله أنه لما وصل من جوار البيت العتيق، وقد وقف به ثلاث سنين ابتدأه المرض بحلى(2) ورفيقه العبد الصالح التقي العابد صبيح مولى آل ريدان، ولما وصل إلى ناحية جازان شكا أهل الجهات تلك الجدب والعطش فدعا لهم ولسائر أهل البلدان فحصل ببركته ذلك المطر العظيم الذي عم البلدان كلها يوم الأربعاء في شهر ربيع الأول، هكذا حكاه صبيح - رحمه الله - فلما وصل قريبا من صعدة، قال لصبيح: إني رأيت لعشرة من إخواني الجنة، وأمرت أن أبشرهم، فقال صبيح: من هم؟ فقال: السيد محمد بن حسن بن ثافي، والسيد قاسم بن أحمد /23/ القاسمي، والقاضي محمد بن حمزة، والفقيه أحمد بن يحيى الشرفي، والفقيه محمد بن صالح، والفقيه أحمد بن موسى بن درين، والفقيه علي بن جعفر الزوام، وأخوه سليمان بن جعفر، والفقيه سليمان الزعيتري، وأنت يا صبيح بن عبد الله.
قال السيد الهادي في هذا الكتاب الذي ذكرناه وهو إلى السيد يحيى بن المهدي: ولما توفي - رحمه الله تعالى - خرج أهل صعدة كافة العلماء والسادة والفضلاء والأمراء، وكان ذلك بكرة نهار الأربعاء سابع وعشرين من ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وفي يوم موته أكسفت الشمس، وتقدم السيد داود بن يحيى بن الحسين فصلى عليه، وهذا السيد هو الذي أوصى إليه(1) الإمام المهدي علي بن محمد أنه يتولى الصلاة عليه، وقبر رأس الميدان غربي مدينة صعدة [وعمر عليه صبيح مشهدا] (2)، ووقف صبيح بعده أياما ثم توفي، ودفن بمشهد الفقيه - رحمهم الله تعالى - قال السيد الهادي: ثم إني أنشأت أبياتا رسمت في حجر ضريحه:
يا زائر القبر فيه بهجة الزمن ... العابد الصدر نور الشام واليمن
هذا(3) الذي صحب الدنيا بلا شجن ... فيها وكان بدار الخلد ذا شجن
هذا نظير أويس في عبادته ... قدكان والقرني المشهور في قرن
وكان كالحسن البصري في ورع ... وفي علوم هدى تعزى إلى الحسن
Sayfa 46