وقوله: حقبت الأنواء: أي احتبست الأمطار يقال: حقب المطر حقبًا: احتبس، والأنواء جمع نوء، وهو وقت طلوع نجم في المشرق وانحدار نظيره في المغرب، ويقول الأعراب: مطرنا بنوء النجم الفلاني؛ والسحاب المسجهر هو الذي يترقرق فيه الماء، والكنهور من السحب: المتراكب الثخين، وقال الأصمعي وغيره: هو قطع من السحاب أمثال الجبال؛ والمعنونك من السحاب: المرتفع والمحلولك الشديد السواد من احلولك الشيء، وقالوا حالك، وحانك على البدل ومحلولك وحلكوك بمعنى واحد.
وقوله: ثم استقل واحزأل: فاستقل بمعنى ارتفع يقال: استقل الطائر في طيرانه نهض للطيران وارتفع في الهواء، ويقال: احزأل السحاب إذا ارتفع نحو بطن السماء، والسماء أيضًا المطر نفسه يقال: وقعت في أرضهم سماء وأصابتهم السماء قال جرير:
إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
وقوله: كالأرض المدحوة أي المنبسطة قال تعالى: " والأرض بعد ذلك دحاها " ولوح الهواء اللوح: الهواء بين السماء والأرض، وأحسب السهول كفاها من المطر، وأتأق الهجول: أتأق ملأ، والهجول والهجال والأهجال جمع هجل رزان عجل: الغائط يكون منفرجًا بين الجبال مطمئنًا موطئه صلب؛ واليفع واليفعة واليافع: الشاب وأيفع وتيفع الغلام إذا شارف الاحتلام.
أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: سألت أعرابيًا عن مطر أصابهم بعد جدب فقال: إرتاح لنا ربك بعد ما استولى اليأس على الظنون، وخامر القلوب القنوط، فأنشأ بنوء الجبهة قزعةً كالفرض من قبل العين، فاحزألت عند ترجل النهار لإزميم السرار، حتى إذا نهضت في الأفق طالعةً أمر مسخرها الجنوب فتنسمت لها فانتشرت أحضانها، واحمومت أركانها، وبسق عنانها، واكفهرت رحاها، وانبعجت كلاها، وذمرت أخراها أولاها، واستطارت عقائقها، فارتعجت بوارقها، وتقعقعت صواعقها، ثم ارثعنت جوانبها، وتداعت سواكبها، ودرت حوالبها، فكانت للأرض طبقًا سح فهضب، وعم فأحسب، فعل القيعان، وضحضح الغيطان، وجوخ الأضواج، وأترع الشراج، فالحمد لله الذي جعل كفاء إساءتنا إحسانًا، وجزاء ظلمنا غفرانا.
قال أبو بكر: قوله بنوء الجبهة الجبهة نجم من نجوم الأسد، ونوءها محمود عندهم؛ وقوله قزعة هي القطعة من السحاب صغيرة؛ والفرض الترس الصغير؛ والعين عين عن يمين القبلة، وقوله فاحزألت أي ارتفعت؛ وترجل النهار انبساط الشمس؛ والإزميم إحدى ليالي السرار، وهي ثلاث ليال من آخر الشهر؛ وقوله انتشرت أحضانها أي انبسطت، والاحضان: النواحي؛ وقوله احمومت أركانها أي اسودت بلون الحمة، وهو سواد تخلطه حمرة؛ وبسق ارتفع، والعنان السحاب، وقوله اكفهرت أي كثفت، ورحاها وسطها، وقوله انبعجت كلاها هذا مثل، والكلية ما تعين من السقاء أو القربة حتى رق ورشح منه الماء، فشبه مخارج المطر من السحاب بذلك.
وقوله: ذمرت أخراها أولاها هذا مثل أيضًا، كأنه حض بعضها بعضًا على المطر؛ واستطارت عقائقها أي انتشرت، والعقائق واحدتها عقيقة، وهي البرقة المستطيلة في عرض السحاب؛ وقوله ارتعجت بوارقها أي تدارك بعضها في إثر بعض؛ وقوله تقعقعت صواعقها: أي سمعت لها قعقعة، وهي حكاية صوت الرعد؛ وقوله: ارثعنت جوانبها يقول استرخت لكثرة ما فيها من الماء؛ وقوله تداعت سواكبها كأنه دعا بعضها بعضًا بالماء؛ درت حوالبها هذا مثل أيضًا، كانت للأرض طبقًا أي غطت الأرض كلها فهضبت: أي جاءت بالماء دفعةً بعد دفعة.
وقوله فعم وأحسب أي عمت الأرض ولم تخص موضعًا دون موضع، وأحسبها: أي أعطاها ما هو حسبها؛ فغلت القيعان العلل السقية الثانية؛ ضحضح الغيطان أي ترك فيها ضحاضح، وهو الماء الرقيق السائح على وجه الأرض ليس بالكثير، واحد الغيطان غائط. وهو البطن الغامض من الأرض؛ وقوله جوخ الأضواج أي هدم الأجراف، والضوج: المنعطف من الوادي، والشراج أمسلة الماء من الغلظ إلى بطون الأودية وهي المسلان.
أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال سمعت أعرابيًا من بني عامر بن لؤي بن صعصعة يصف مطرًا فقال:
1 / 5