Şevki'nin Tiyatro Oyunları Üzerine Dersler: Hayatı ve Şiiri
محاضرات عن مسرحيات شوقي: حياته وشعره
Türler
والواقع أن شوقي لم يأخذ أصول الأدب المسرحي عن كاتب واحد، ولا عن مذهب بعينه، بل جمع بين عدة اتجاهات غربية، وأضاف إليها اتجاهات أخرى شرقية عربية، وهو يميل بعقليته الشرقية وتراثه الثقافي في داخل المذهب الواحد، إلى أديب دون آخر، فنراه مثلا يتأثر بالكلاسيكية الفرنسية، ولكنه يميل إلى ناحية كورني أكثر من ميله إلى ناحية راسين، ونراه يود أن يتخذ من المسرح «مدرسة لعزة النفس والإباء ونبل الأخلاق»، على نحو ما فعل كورني، وإذا كان قد تحدث عن الغرام والجنون به، فإنه لم يصوره قط على ما فعل راسين، بل أخضعه، في الغالب، لمبادئ الأخلاق وسطوة التقاليد، بما فيها من عادات مرعية ومشاعر وطنية أو قلبية؛ فكليوباترة تضحي بحبها في سبيل وطنها، وتضع مجده فوق «عبقري جمالها»، وليلى تضحي بغرامها نزولا على التقاليد العربية، التي لا تبيح زواجها بمن شبب بها وفضح غرامه بها، ونتيتاس تضحي بنفسها زوجة لقمبيز فداء لوطنها، وإن كان هذا الاتجاه الأخلاقي لم يخل من اضطراب وشوائب وتناقض أحيانا في مجموع مسرحياته؛ إذ ترى عبلة مثلا لا تعبأ بتلك التقاليد ولا تؤثر على عنترة أحدا، مع أن تلك التقاليد كانت أشد قوة في حالة عنترة منها في حالة قيس ليلى، وذلك بحكم أن عنترة كان ابنا لزبيبة الأمة الزنجية، بينما كان قيس عربيا خالصا من بني عامر، ولكن هذا التناقض لا ينحي عن مسرح شوقي طابعه الأخلاقي العام، ولا يدخله في تيار المسرح التصويري النسبي الذي يتميز به راسين، «مصور الشهوات البشرية».
وتأثر شوقي بكورني أكثر من تأثره براسين، لا يمنع من أنه قد تأثر بالمذهب الكلاسيكي بوجه عام، ويمكن تلخيص أوجه التأثر بالمسائل الآتية: (1)
اختار شوقي لمآسيه موضوعات تاريخية ، سواء أكان هذا التاريخ حقيقيا أم أسطوريا، وذلك على نحو ما فعل الكلاسيكيون الفرنسيون،
1
وإذا كان هؤلاء قد استقوا موضوعاتهم من تاريخ الإغريق والرومان القدماء، فإن شوقي قد استقاها من تاريخ مصر وتاريخ العرب، فالاتجاه واحد؛ إذ عاد كل إلى أصوله التاريخية، وإذا كان الفرنسيون قد صبوا في قوالب مسرحياتهم القديمة، عقليتهم ومشاعرهم الإنسانية الحديثة باعتبارها إنسانية عامة، تصح في كافة العصور والأزمان، حتى سمي أدبهم الكلاسيكي بالأدب الإنساني على نحو مطلق، واستبدلوا الآلهة وإرادتها وقضاءها بالدوافع الإنسانية المفطورة في جبلة البشر؛ فإن شوقي كرجل شرقي مولع بالاتجاهات الأخلاقية والروحية، قد غلب تلك الاتجاهات على الدوافع النفسية الإنسانية، واتخذ من مشاغل قومه ومقتضيات بيئته، محركات لمسرحياته، وفسر التاريخ على ضوء تلك الاتجاهات، ونظر إلى الماضي من الوجهة الأخلاقية؛ فكليوباترة لا تغدر بأنطونيو لأنها أحست بأفول نجمه وشروق نجم أوكتافيو، ورغبت في إغواء هذا النجم الصاعد لانحلال خلقها وسيطرة شهوة المجد على نفسها، بل لسياسة وطنية عميقة، هي أن تترك قواد الرومان يفني بعضهم بعضا، لتنفرد هي بعد ذلك بالسيطرة على الشرق والغرب معا، ونتيتاس لا تقبل الزواج من قمبيز فرارا من حبها الفاشل لتاسو، بعد أن انصرف عنها إلى نفريت، بل لتفدي وطنها الذي كان قمبيز يهدد بغزوه والسيطرة عليه، إذا لم يقبل فرعون مصر أن يزوجه من ابنته، وهكذا في كثير من المواطن الأخرى في مسرحياته، ومن البين أن الاتجاهات النفسية عند الغربيين جاءت أكثر عمقا وإيحاء من الاتجاهات الأخلاقية التي اصطنعها شوقي مهما يكن نبل نزعته. (2)
اتخذ شوقي في خمس من مسرحياته الشعر أداة للتعبير، على نحو ما فعل الكلاسيكيون، ومن الغريب أن نراه يستخدم النثر في إحدى مسرحياته، مع أنها وثيقة الصلة بالشعر الأندلسي، ومع أن المعتمد بن عباد أحد أبطالها البارزين، كان شاعرا على نحو ما كان عنترة ومجنون ليلى، حتى لنراه يضمن مسرحيته بعض أشعار ذلك الشاعر الملك، بينما يكتب شعرا الكوميديا الوحيدة التي ألفها وهي «الست هدى» التي تجري حوادثها المعاصرة في حي الحنفي بالسيدة زينب، والنثر بطبيعته أكثر ملاءمة للكوميديا، وأقرب إلى الواقعية في تصوير بيئة شعبية معاصرة، بينما الشعر ألصق بمأساة تاريخية غنائية كمأساة المعتمد بن عباد، ومع ذلك نستطيع أن نغلب حكمنا، فنقول بأن شوقي قد استند إلى الكلاسيكيين، في استخدام الشعر كأداة للأدب المسرحي؛ وذلك لأن الرومانتيكيين مثلا، وإن كانوا قد استخدموا الشعر أحيانا - كما فعل هيجو وفيني - فإنهم قد استخدموا أيضا النثر على نحو ما فعل ألفريد دي موسيه، بحيث لا يمكن القول بأنهم كانوا يفضلون الشعر على النثر، بينما كان الكلاسيكيون يؤثرون الشعر في أدبهم المسرحي. (3)
من المعلوم أن الكلاسيكية تقسم الأدب المسرحي إلى تراجيديا وكوميديا؛ أي مأساة وملهاة، وتختص المأساة بتصوير حياة الملوك والأمراء والأبطال، على نحو ما كانت تفعل المسرحيات الإغريقية القديمة، في تصوير الآلهة وأنصاف الآلهة، فضلا عن الملوك والأبطال، بينما تختص الكوميديا بتصوير حياة الشعب بل ودهمائه، وكذلك فعل شوقي؛ فمآسيه كلها تدور حول حياة الملوك والأمراء والأبطال، مع أن الزمن كان قد سار بالأدب المسرحي شوطا بعيدا، فظهرت الدراما البرجوازية التي تتناول حياة الطبقة الوسطى، التي نهضت بالثورة الفرنسية، وازدادت أهميتها الاجتماعية بعد تلك الثورة العاتية، بل وظهرت الدراما الحديثة على يد إبسن وبرنارد شو، وتناولت تصوير حياة عامة الناس ومشكلاتهم الاجتماعية والإنسانية المختلفة، والظاهر أن شوقي كان أكثر اتصالا بالمسرح الكلاسيكي؛ حيث تنفرد التراجيديا بتصوير حياة الملوك والأبطال، بينما تنصرف الكوميديا إلى تصوير حياة عامة الشعب، ولعل في تاريخ حياة شوقي ما عزز هذا الاتجاه في نفسه؛ فقد كان حريصا دائما على أن يكون شاعر الأمراء كما أصبح أمير الشعراء، وذلك بالرغم من أن تصويره لحياة الشعب في «الست هدى»، ربما كان أكثر صدقا ونجاحا من تصويره لحياة الملوك والأمراء. (4)
ولقد زعم بعض النقاد أن شوقي قد تأثر بالكلاسيكية في ناحية فنية دقيقة، وهي إيثاره للوصف على المشاهد في بعض أحداث مسرحياته؛ فهو مثلا لا يحاول أن يعرض على المسرح حرب أنطونيو مع أوكتاف، أو حرب علي بك الكبير مع محمد علي أبي الذهب، ولكننا في الحق لا نستطيع أن نجزم بصحة هذا التأثر؛ وذلك لأن شوقي ربما حمل نفسه هذا المحمل خوفا من صعوبة إخراج مثل هذه المشاهد الواسعة على المسرح العربي، كما نلاحظ من جهة أخرى أن شوقي لم يحجم عن عرض كثير من المآسي العنيفة على المسرح على نحو ما فعل شكسبير والرومانتيكيون من بعده، إن لم يكن قد بذهم جميعا أحيانا، فكم من الضحايا والانتحارات! وكم من الموتى لم يحجم عن عرض مشاهد موتهم على خشبة المسرح أمام النظارة! فأنطونيو لا ينتحر وحده، بل يسبقه أوروس خادمه، وكليوباترة لا تنتحر وحدها بل تصاحبها وصيفتاها، وإذا كانت هيلانة قد أنقذت، فإن شرميون قد ولت إلى العالم الآخر، وفي عنترة لا يجندل البطل الرجال بسيفه فحسب، بل ويخرون أحيانا لمجرد سماع صيحته، وبوجه عام لا يحجم شوقي عن إراقة الدماء، ونثر الأشلاء على خشبة المسرح، وبذلك لا يمكن القول بأنه قد قصد إلى تنحية مشاهد العنف عن مآسيه، مؤثرا الوصف والرواية على نحو ما فعل الكلاسيكيون. (5)
من المقرر في المسرح الكلاسيكي أن تبنى المسرحية في أساسها، على أزمة تتصارع فيها قوى نفسية وأخلاقية متعارضة، ومن البين أن شوقي قد بنى مآسيه في جملتها على هذا الصراع، وإن ظل أحيانا سطحيا وشلالا يتعمق أغوار النفس البشرية، ولا يشق الحجب عن خفايا العقل الباطن، وعمل الغرائز وشهوات النفس ونزواتها الدفينة، فالصراع قائم في كليوباترة بين حبها ومجدها السياسي، وفي ليلي بين غرامها وتقاليد قومها، وفي عنترة بين القيمة الشخصية للفرد وتقاليد المجتمع، وإن يكن هذا الصراع لا يجري في الغالب بين نزعات النفس المختلفة، بقدر ما يجري بينها وبين التقاليد أو مبادئ الأخلاق، ولكن مسرحه على أية حال، يعتمد في أساسه على الصراع، لا على التصوير والتحليل، كما تعتمد الدراما الحديثة.
ومع أن شوقي قد استمد كل هذه الأصول العامة من الكلاسيكية، إلا أنه لم يتقيد بها في كثير من الأصول الأخرى التي نذكر منها: (1)
Bilinmeyen sayfa