البيان ظبي الحمى، هو من باب الاستعارة التصريحية، وضابطها عند السكاكي "أن يكون الطرف المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه به(¬1)[20]". فاستعار الظبي للمحبوب بجامع الجمال الذاتي، والحسن الخلقي، فحذف المشبه وأثبت لفظ المستعار تشبيها بليغا. ورشح بذكر الكناس. والترشيح، أن يذكر ما يلائم المستعار منه. والقرينة لهذه الاستعارة قوله: "هل درى"؟ كما لا يخفى. والتعبير عما يجده الواله في روعه من الوجد بالحمية مجاز في المسند، ولكونه مجازا عقليا اغتنى عن التصريح معه بقرينة. وكذلك التعبير عن انتقاشه في مرآة العقل، وتخييل الذهن لصورته، وارتسامه فيه، بالحلول مجاز كالسالف. ونسبة الحماية له مجاز أيضا. إلا إن حمل على أنه السبب فيها حقيقة. وهذه الألفاظ صارت عند الشعراء حقائق عرفية، وإن كانت في الأصل مجازا. قال الصلاح الصفدي: لكثرة دورانها في [ص 158] كلامهم وتعاطيهم استعمالها، فألفوا ذلك من تداولها على مسامعهم، كالورد إذا أطلقوه، فهموا منه الوجنة. والكتيب الردف، والريحان العذار، والراح الريق، إلى غير ذلك. والشعر إنما يستطاب بهذه اللطائف، ويستطرف لأمثال هذه المجازات. فلولا أنه جعل سكنى الحبيب في خاطره، وأن قلبه ممتلئ نارا وهو ساكنه، ما هز للبراعة عطفا، ولا هصر من غصن البلاغة قطفا. وعلى قدر التفاوت في التخيلات تتفاوت رتب الكلام. وقد بالغ الشعراء في احتراق الجوانح والتهابها، حتى إن أنفاسه(¬2)[21] تحرق ما سامتها(¬3)[22].
Sayfa 58