المعنى هل علم محبوبي الذي هو كالغزالة في حسن الخلقة، وكمال الرونق، وجمال المحيا، بما فعل بقلبي الذي أحرقه بتجنيه علي، وأضرمه نارا تلظى، وهو مع ذلك اتخذه مسكنا وجعله له قرارا؟ وهذا استفهام على أصله من طلب حصول العلم، أو على سبيل التوبيخ، قصد به إنكار فعله عليه، وتقبيحه لديه ليقلع عما هو عليه، ويرجع إلى الوصال. وإيضاح محل الإنكار منه أنه لما ألف فؤاده، وصيره مهاده، فاللائق له أن يقصر من إحمائه، لأنه مسكنه، ويبرد حرارته بوصله لنزوله فيه، كما قال الشاعر :
يا محرقا بالنار وجه محبه
مهلا فإن مدامعي تطفيه
أحرق بها جسدي وكل جوارحي،
واحذر على قلبي لأنك فيه
وللبيت حكاية مساقها من مراتع الغزلان للشمس النواجي(¬1)[13]، أن مجير الدين الخياط الدمشقي كان يتعشق غلاما تركيا، فسكر في بعض الليالي، وخرج فوقع في الطريق، فمر به محبوبه فرآه مطروحا فعرفه، ونزل على فرسه، وأوقد شمعة وأقعده ومسح وجهه، فنقطت الشمعة على خده، وأحس بالحرارة ففتح عينيه فرأى محبوبه على رأسه، فاستيقظ من سكرته، وأنشد في الحال، البيتين، انتهى. وأنه لا يحسن أن يجازيه، وهو يدين بحبه ويقاسي من لواعج هواه ما [ص 156] يقاسي، بإحراق أحشائه، وتأجيجها نارا، فإن هذا فعل العدو بالعدو.
Sayfa 55