Levant .
أما ساحلها فقد كان منذ التاريخ البعيد مقسما بين الفلسطينيين الذين يبدو أنهم قدموا من الشمال أو أوروبا وبين الفينيقيين الذين قدموا من آسيا. وكان لها ثلاث ثغور هي غزة ويافا وآكر، التي كانت آخر ما وطئته أقدام الصليبيين. أما أورشليم «القدس الآن»، فإنها كانت - لجثومها على التلال اليهودية - بعيدة دائما عن طرق الجيوش والتجارة. أما الآن فقد أصبحت حيفا ثغرا لها؛ إذ تقع جنوبي خليج آكر. هذا؛ وإلى جوار يافا العربية، تقع المدينة العصرية ذات الطابع الأوروبي مدينة «تل أبيب»، وهي أحدث وأكبر مدينة فلسطينية، وهناك ميناء العقبة على البحر الأحمر متصلة بالشرق كما كانت على عهد الملك سليمان وفي القرون الوسطى.
ومنذ ألفي سنة حرم اليهود من دولة تحمل اسمهم وطابعهم لا في فلسطين ولا في سواها، غير أنهم لبثوا طوال هذه السنين يمنون النفس بالعودة إلى فلسطين كما يبدو هذا في صلواتهم وطقوسهم وأشعارهم. وكان بين الفينة والفينة يقوم من يدعي أنه المسيح المنقذ زاعما أنه سيقودهم إلى هذه الأرض.
وقد حدثت محاولات طفيفة أو مبهمة قصد منها إلى إحياء نوع من أنواع الحكم اليهودي، غير أن هذه الحركات لم تبلغ مداها إما لضعف القائمين بها أو قوة المناوئين لها، ولبث اليهود منتشرين في بلاد العالم، وكان يخصص لهم حيث يكثر عددهم ويقوى رابطتهم حي يسكنونه.
ولما استولى السلطان صلاح الدين الأيوبي على «فلسطين» سمح لبعض اليهود بالعودة لسكناها فقط دون إنشاء وطن أو دولة، فأقام بها من القرن الخامس عشر جماعات من المهاجرين اليهود المطرودين من إسبانيا وسكنوا في مدن القدس وحبرون وتيبريات وصفد في الجليل، وقد أنشئ بها مدارس. بل إنه في القرن السادس عشر استطاع «يوسف نازي» - من أكبر الأسر اليهودية في إسبانيا ومن الدبلوماسيين المقربين من الباب العالي التركي - ودوق ناكسوس، أن يزرعا قطعا من الأرض «الجليل». وكان على رأس السلطنة التركية يومئذ السلطان سليمان الملقب «بالقانوني» الذي أعاد بناء قلعة القدس وأسوارها وجدد هيكلها «حرمها».
غير أنه كان من أثر تدهور بلاد السلطنة العثمانية أن شمل الضعف فلسطين، فقل عدد يهودها وأصبحوا بضعة آلاف.
وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر، تجددت عناية فئتين دينيتين يهوديتين بأمر مدن فلسطين لا بزراعتها، فقد عمد أحد الحكماء اليهود في فلنا وأكبر رئيس ديني لليهود يومئذ إلى إنشاء نوع من
صهيون للإنفاق على المدارس في المدن المقدسة. كذلك تجمعت ثانية فئة من الأتقياء حول بحر الجليل، عاملين على مضاعفة المعابد، وجمعت الاكتتابات في المعابد اليهودية في أوروبا لإنشاء «مال الهلوكة» لمساعدة الطلبة على الإقامة في أربعة مدن فلسطينية. وكان هؤلاء، إلى صلاتهم وتعلمهم، يصنعون أشياء صغيرة، على أنهم كانوا فقراء جدا، يستندون أكف يهود أوروبا لمعونتهم، ويحرصون على اللغة العبرية. وكان الرحالة الأوروبيون المسيحيون الذين زاروا فلسطين يومئذ، يقولون: إن الله أراد أن يعاقب أبناء إسرائيل الحاليين بما جناه الأولون منهم.
وكانت الثورة الفرنسية وما تقدمها وما تلاها من المناداة بمبادئ الحرية والمساواة، نعمة على يهود أوروبا وبركة، فقد أتاحت لهم أن ينتفعوا بمواهبهم بعد أن لبثوا قرونا وهم في حكم المساجين داخل أحيائهم القذرة ومعابدهم الواهية.
ولم تكن وجهتهم حينئذ التفكير في إنشاء وطن أو دولة، بل كانوا يجاهدون في سبيل التحرير السياسي بأن يكون لهم ما لسائر السكان من الحقوق السياسية، وكانوا إلى هذا يفكرون في استصلاح مراكزهم الدينية في فلسطين بعد أن غمرتها الفوضى واشتدت بيهودها الضنك والذل. ثم امتدت هذه الحركة إلى دعوة اليهود بأن يعودوا إلى فلسطين وأن يستخلصوها.
Bilinmeyen sayfa