وقد وصفها «كينجزليك» - الكاتب الإنجليزي - حين كان إبراهيم باشا واليا عليها بعد أن قطع دابر اللصوص، فقال: إن نهر الأردن هو الحد الفاصل بين الذين يسكنون تحت السقوف وبين عرب الخيام الجائلين.
وفي 1840م حين اتحدت إنجلترا وروسيا وبروسيا ضد إبراهيم باشا مطالبة إياه بالجلاء عن سوريا وفلسطين، حاول بعضهم إثارة مسألة حماية الأماكن المقدسة كجزء من المسألة الشرقية، غير أن روسيا عارضت في هذا، كما أن الاتحاد لم يتفق على الاقتراح؛ فعادت فلسطين إلى الحكم التركي بما كان عليه من الفوضى والمظالم.
وفي 1838م أنشأت إنجلترا قنصلية في القدس. وكان بين أغراض إنشائها حماية يهود أوروبا، واتفقت إنجلترا مع روسيا على إنشاء كنيسة في القدس، وكان اللذان شغلا منصبي القنصل والديانة مسيحيين يعرفان العبرية، وكان يراد من ذلك العمل على تنصير اليهود. ومن أجل هذا أوفدت كنيسة البريسبيتيريان في اسكتلندا بعثة في 1839م كان بين أعضائها بونارلو الذي كان أحد أجداد مستر بونارلو الوزير البريطاني المشهور. هذا؛ وعلى جدران الكنيسة الإنجليزية الأولى في القدس لا يزال مدونا الأوامر العشرة لمذهب ميمون.
ومما ذكره القنصل الإنجليزي عن يهود فلسطين يومئذ أن قيمة اليهودي لا تزيد على قيمة الكلب، وعلى هذا كان شيئا جديدا أن يطلب له العدالة. وكان بين اليهود 500 شحات تدفع لهم الجالية أسبوعيا 200 بارة. ثم إن القنصل بعد هذا نوه بما لحماية الإنجليز لليهود من الأثر في أصغر قرية أوروبية يسكنها اليهود، وأصبحت اللغة العبرية اللغة الشائعة التي يتخاطب بها يهود أوروبا والشرق، ومن أجل هذا عين القنصل مترجما للعبرية.
ثم إن حرب القرم أثارت عناية أوروبا بالأرض المقدسة، فقد أخذت ممالكها تتسابق إلى بناء المدن المقدسة والأديرة خارج المدن، وأخذت الأراضي تستصلح. وقد وضع القنصل الإنجليزي «جيمس فين» خطة لاستخدام اليهود في الزراعة، ولكنه أخفق في سعيه هذا.
محاولة لصياغة الصهيونية
ذكرنا قبلا أنه كان يسكن شاطئ أرض كنعان قوم يطلق عليهم اسم الفلسطينيين حين دخل أبناء إسرائيل بعد رحيلهم عن مصر، وعرفت عند اليهود منذ يومئذ باسم أرض إسرائيل. وقد وصفت بأنها أصغر الأقطار غير أنها كانت مجتمع الحضارة، والجسر الطبيعي بين نهر النيل والفرات، وبين أفريقيا والعالم الآسيوي الأوروبي.
ومنذ الحرب العالمية الأولى في سنة 1914م، قسمت فلسطين إداريا قسمين: القسم الأول الذي يقع غربي نهر الأردن، وهو الذي يسعى اليهود لكي يقيموا فيه وطنهم القومي. أما القسم الثاني الواقع على الجانب الآخر من الأردن، ويدعى الآن «إمارة شرق الأردن»، فكان يقيم به من الإسرائيليين قبيلتان إسرائيليتان ونصف القبيلة، وأرض هذا القسم صحراوية - وللرعي غالبا - وسكانه 400 ألف.
وفلسطين الحالية تشبه إقليم ويلز في إنجلترا، فمساحة كل منهما 10 آلاف ميل مربع، كما أن كلا منهما يتألف من ساحل وجبل. أما سكان فلسطين هذه فهم مليون ونصف المليون مع الزيادة المطردة عاما بعد عام. أما الجزء الخصب فهو يقع في السهل الساحلي ووادي أسدراليون من البحر إلى حيفا إلى الأردن، ووادي الأردن وسواحل بحيرة الجليل. وليس في الجبل ولا في الجزء الجنوبي المتاخم لشبه جزيرة سينا ما يصلح للزراعة.
قامت فلسطين بمهمة سامية منذ 4000 سنة؛ إذ كانت حلقة الاتصال بين حضارة إيجه والبحر المتوسط وبين حضارة الشرق، فإن فلسطين القديمة كانت معدودة جزءا من بلاد العرب كما كانت في الوقت ذاته جزءا من الشرق الأدنى
Bilinmeyen sayfa