كان أنفع الدعاء وأعظمه الفاتحة، وهي مفتاح إلى الهدى كل لحظة، ويدخل فيه من أنواع الحاجات ما لا يمكن إحصاؤه؛ ويبينه أن الله سبحانه لم يقص علينا في القرآن قصة إلا لنعتبر، وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا الثاني بالأول، فلولا أن في النفوس ما في نفوس المكذبين للرسل لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه قط، ولكن الأمر كما قال تعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ ١ وقوله: ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ﴾ وقوله: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ ولهذا في الحديث "لتسلكن سنن من كان قبلكم" الحديث.
وقد بين القرآن أن السيئات من النفس، وأعظم السيئات جحود الخالق والشرك به، وطلب النفس أن تكون شريكة له، وكلا هذين وقع، قال بعضهم ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون؛ وذلك أن الإنسان إذا اعتبر وتعرف أحوال الناس رأى من يبغض نظيره وأتباعه حسدا كما فعلت اليهود لما بعث الله من يدعو إلى مثل ما دعا إليه موسى، ولهذا أخبر عنهم بنظير ما أخبر به عن فرعون كما قال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ﴾ ٢ الآية وقال: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ﴾ ٣ الآية.
(٥٣) قوله في الحديث الذي في الترمذي وصحيح الحاكم "للجن أحسن ردا منكم" ٤ إلخ
يذكر تعالى آياته الدالة على قدرته وربوبيته، وآياته
_________
١ سورة فصلت آية: ٤٣.
٢ سورة القصص آية: ٤.
٣ سورة الإسراء آية: ٤.
٤ الترمذي: تفسير القرآن (٣٢٩١) .
1 / 39