وأيضا فإن المتضادات، إن كان القابل موجودا، فقد يمكن أن يكون تغير من كل واحد من الأمرين إلى الآخر ما لم يكن الواحد موجودا لشىء بالطبع مثل ما للنار الحرارة. فإن الصحيح قد يمكن أن يمرض، والأبيض قد يمكن أن يصير أسود، والبارد قد يمكن أن يصير حارا، والصالح قد يمكن أن يصير طالحا، والطالح قد يمكن أن يصير صالحا. فإن الصالح إذا نقل إلى معاشرة من هو على مذاهب وأقاويل أجمل، فإنه قد يأخذ فى طريق الفضيلة ولو يسيرا؛ وإن هو أخذ فى هذه الطريق مرة واحدة فمن البين أنه إما أن ينتقل عما كان عليه على التمام، وإما أن يمعن فى ذلك إمعانا كثيرا، وذلك أنه كلما مر ازدادت سهولة الحركة عليه إلى الفضيلة. وإذا أخذ فى هذا الطريق ولو أخذ اليسير منذ أول الأمر حتى يكون وشيكا بأن يمعن فيه ثم تمادى فى ذلك ودام عليه انتقل على التمام إلى الملكة المضادة لها إن لم يقصر به الزمان. — فأما العدم والملكة فليس يمكن أن يكون فيهما التغير من البعض إلى البعض، فإن التغير من الملكة إلى العدم قد يقع؛ وأما من العدم إلى الملكة فلا يمكن أن يقع، فإنه لا من صار أعمى يعود فيبصر، ولا من صار أصلع يعود ذا جمة، ولا من كان أدرد تنبت له الأسنان.
ومن البين أن التى تتقابل على طريق الموجبة والسالبة فليس تقابلها ولا على واحد من هذه الأنحاء التى ذكرت، فإن فى هذه وحدها يجب ضرورة أن يكون أبدا أحدها صادقا والآخر كاذبا، وذلك أنه لا فى المتضادات يجب ضرورة أن يكون أبدا أحدهما صادقا والآخر كاذبا، ولا فى المضاف، ولا فى العدم الملكة: مثال ذلك الصحة والمرض متضادان، وليس واحدة منهما لا صادقا ولا كاذبا؛ وكذلك الضعف والنصف يتقابلان على طريق المضاف وليس واحد منهما لا صادقا ولا كاذبا. ولا أيضا التى على جهة العدم والملكة مثل البصر والعمى. وبالجملة، فإن التى تقال بغير تأليف أصلا فليس شىء منها لا صادقا ولا كاذبا، وهذه التى ذكرت كلها إنما تقال بغير تأليف.
Sayfa 45