قالوا إنه لا يزال من الضروري التحدث جديا بشأن المنزل؛ أي بشأن الأرض التي سيقتطعها المنزل منهم، فكان قوله إن هذا صحيح، وإنه سيدفع مبلغا لا بأس به في مقابلها.
من أين كان سيأتي بالمال؟
كان المقابل الذي سيقدمه هو قيمة العمل الذي قام به بالفعل في المزرعة، مع خصم نفقات المعيشة، إلى جانب تنازله عن نصيبه في الميراث، وهما معا كانا من المفترض أن يمثلا مقابلا لحفرة في الحقل.
وعرض أن يتوقف عن العمل في المزرعة على أن يحصل على وظيفة في مشغل سجح الألواح الخشبية.
لم يستطيعوا أن يصدقوا آذانهم، مثلما لم يستطيعوا أن يصدقوا أعينهم، إلى أن نسق تلك الأحجار الضخمة والمشذبة معا، فما كان منهم إلا أن قالوا: حسنا إذن، إذا أردت أن تجعل من نفسك أضحوكة، فعليك إذن أن تفعل ما تريد.
ذهب للعمل في مشغل سجح الألواح الخشبية، وفي الأمسيات الطويلة كان يباشر نصب هيكل منزله. كان يفترض أن يكون المنزل بارتفاع طابقين، ويضم أربع غرف للنوم، ومطبخا أماميا وخلفيا، وحجرة للمؤن، وأدوات المائدة، وغرفتي معيشة. كان من المزمع أن تكسى الجدران بألواح من الخشب مطعمة بطبقة خارجية من الطوب. بالطبع كان سيضطر لشراء الطوب، أما الخشب الذي كان يخطط لاستخدامه في الجدران أسفل الطوب، فكان من تلك الأخشاب المكدسة في الحظيرة، المتبقية من السقيفة الخارجية القديمة التي هدمها هو وأشقاؤه حين بنوا الحظيرة الجديدة ذات الطابقين. هل كانت هذه الأخشاب ملكا له كي يستغلها؟ قطعا لم تكن ملكا له، ولكن لم يكن من المزمع استخدامها بأي نحو آخر. وكان ثمة بعض القلق داخل العائلة من نظرة الناس لهم إذا ما دب بينهم الشجار والتشاحن حول تلك الأشياء. فقد كان فوريست بالفعل يتناول عشاءه في أحد الفنادق ببليث بسبب ملاحظات أبدتها ساندي حول تناوله للطعام على مائدة الأسرة قائلة إنه يأكل من عمل الآخرين وكدحهم. لقد تركوه يأخذ الأرض اللازمة لبناء المنزل حين طالب بها باعتبارها حقه؛ لأنهم لم يشاءوا أن يدينهم الناس لرفضهم إعطاءه إياها، ومن نفس المنطلق تركوه الآن يأخذ الأخشاب.
في خريف ذلك العام، بنى السقف على الرغم من أنه لم يكسه بالخشب، وركب موقدا. وقد استعان في كلتا المهمتين بمساعدة رجل يعمل معه في المشغل. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يؤدي فيها أي شخص من خارج العائلة أي عمل في الأماكن التابعة لها، فيما عدا عند تشييد الحظيرة في حياة الأب. فقد غضب والدهم من بناته في ذلك اليوم؛ لأنهن وضعن كل الطعام على الطاولات ذات الحاملين في الفناء ثم اختفين، بدلا من مواجهة خدمة الغرباء.
لم ينجح الزمن في أن يجعلهن أكثر سلاسة في التعامل، فبينما كان الرجل الذي يعاونه في البناء هناك - ولم يكن غريبا بحق، بل كان مجرد رجل من البلدة لم يسبق له أن ذهب إلى كنيستهم - لم تخرج ليزي وماجي إلى الحظيرة قط، على الرغم من أنه كان دورهما في حلب الأبقار، واضطرت سوزان للذهاب. كانت دائما من تتولى الحديث حين يضطررن لدخول متجر وشراء شيء ما. وكانت هي من تقود أشقاءها حين يكونون بالمنزل. وكانت هي من سن قاعدة ضرورة عدم مساءلة فوريست خلال المراحل الأولى من مشروعه. واتضح أنها كانت تعتقد أنه سيتخلى عنه لو لم يلق اهتماما أو محاولة لرده. كانت تقول إنه يفعل ذلك فقط من أجل لفت الأنظار إليه.
وبالتأكيد كان كذلك، لم يلفت أنظار أشقائه وشقيقاته - الذين كانوا يتجنبون النظر من النوافذ على ذلك الجانب من منزلهم - بقدر ما لفت أنظار الجيران، بل وأهل البلدة الذين كانوا يمرون بعرباتهم خصوصا لمشاهدته في أيام الأحد. لقد كانت حقيقة أنه قد حصل على وظيفة بعيدا عن نطاق المنزل، وأنه كان يتناول طعامه في الفندق على الرغم من أنه لم يقدم قط على تناول شراب هناك، وأنه قد انفصل فعليا عن عائلته؛ مثار حديث واسع النطاق؛ فقد كان مثل هذا الانفصال عن كل ما كان معروفا عن بقية العائلة بمنزلة فضيحة (كان رحيل دنكان عن المنزل حينئذ قد طواه النسيان بطريقة أو بأخرى). كان الناس يتساءلون عما حدث، من وراء ظهر فوريست في البداية، ثم صاروا يسألونه مباشرة.
هل تشاجرتم؟ كلا.
Bilinmeyen sayfa