كانت ممارساتهن الدينية نابعة من إحساس بالواجب، ولكن لم يكن للعاطفة دور فيها على الإطلاق.
كان الرجال مضطرين للتحدث أكثر من النساء عند ممارسة أعمالهم في الطاحونة أو مصنع الجبن، ولكنهم كانوا لا يهدرون كلمات ولا وقتا. كانوا أمناء ولكن صارمين في كل معاملاتهم. وإذا ما اكتسبوا مالا، فلم يكونوا أبدا يهدفون إلى شراء آلات حديثة أو تقليل تعبهم أو إضافة رفاهيات لأسلوب معيشتهم. وكانوا لا يقسون على حيواناتهم، ولكن لم يكونوا يكنون أي مشاعر عاطفية نحوها.
كان الطعام المقدم في المنزل بسيطا جدا، وكان الماء هو شرابهم في الوجبات بدلا من الشاي.
وهكذا ودون ضغط من المجتمع أو من عقيدتهم الدينية (كانت العقيدة المشيخية لا تزال جدلية ومتشددة، ولكنها لم تكن تفرض حصارا على الروح بالعنف والشراسة التي كانت عليهما في أيام القس بوستون)، خلقوا لأنفسهم حياة تشبه حياة الرهبنة دون أي ثواب إلهي أو لحظات من التسامي. •••
في عصر يوم أحد في الخريف طلت سوزان من إحدى النوافذ لترى فوريست يسير جيئة وذهابا في الحقل الأمامي الكبير، حيث لم يكن هناك سوى بقايا حصاد القمح. كان يمشي بتثاقل، ثم يتوقف وينظر فيما كان يفعله.
ولكن ماذا كان ذلك الشيء الذي يفعله؟ لم تكن لتمنحه نشوة السؤال.
وتبين لها أنه قبل هطول الصقيع كان قد شرع في حفر حفرة كبيرة. كان يحفر بالنهار، ويحفر في الليل على ضوء المصباح، إلى أن حفر لعمق ستة أقدام، ولكن الحفرة كانت أكبر من أن تكون قبرا. لقد كانت معدة في الحقيقة لكي تكون قبوا لمنزل. كان ينقل التراب في عربة صغيرة تجر باليد، مستفيدا من ممر منحدر كان قد بناه.
سحب بعض الأحجار الكبيرة من كومة الأحجار الموجودة في الحظيرة، وهناك، وبعد أن انتهى فصل الشتاء، عكف على تشذيب تلك الأحجار بواسطة أزميل الحجارة لكي يصنع بها جدران قبوه. لم يتوقف عن أداء نصيبه من أعمال الحقل، ولكنه كان يعمل على هذا المشروع المنفرد في جوف الليل.
في الربيع التالي، وما إن جفت الحفرة حتى قام بتمليط الحجارة وتثبيتها ليصنع جدران القبو. وركب الماسورة من أجل الصرف، وبنى الخزان، ثم وضع على نحو واضح للعيان الأساس الحجري لمنزله. كان من الممكن إدراك أن ما يخطط له ليس كوخا من غرفتين، بل كان منزلا حقيقيا وفسيحا، وكان سيحتاج إلى طريق للدخول، وقناة للصرف، إلى جانب أنه كان سيشغل أرضا زراعية.
وأخيرا تحدث إليه أشقاؤه، فقال إنه لم يكن سيحفر قناة الصرف حتى مجيء الخريف، حين يتم حصاد المحصول. أما بالنسبة إلى الطريق، فلم يفكر قط في إنشاء طريق، وكان يعتقد أن بإمكانه السير من المنزل الأساسي على طريق ضيق، بحيث لا يحرمهم من أي قدر من الحبوب أكثر من اللازم.
Bilinmeyen sayfa