ماذا كان اعتقاد جدي بشأن حقيقة أن جدتي في شبابها كانت تحب ابن عمه ليو؟ هل كان يحبها آنذاك؟ هل كان يأمل أن تحبه، وهل تحطمت آماله على صخرة الحب المتقد الدائر أمام عينيه؟ تحطمت لكونه متقدا؛ فقد كانت قصة حب ظاهرة للأبصار استمرت ما بين المشاحنات والمصالحات التي كان مضطرا هو وجميع من حولهما أن يكونوا على وعي بها. فكيف كان لقصة حب أن تستمر في تلك الأيام إلا على نحو علني إذا كانت الفتاة محترمة؟ لم تكن التمشية إلى الغابة واردة، وكذلك التسلل من الرقصات. وكانت الزيارات لمنزل الفتاة تشمل جميع أفراد العائلة، على الأقل حتى تتم خطبة الحبيبين. وكانت النزهات في عربة مفتوحة ترصد من كل نافذة مطبخ عبر الطريق، وإذا تم التخطيط لنزهة بعد حلول الظلام، كانت تصبح في نطاق زمني محدود جدا.
غير أن الممارسات الحميمية كانت ممكنة؛ فقد كانت شقيقتا جدتي الصغريان، تشارلي وماريان، ترسلان معها رقيبتبن عليها، ولكن أحيانا ما كانتا تخدعان وترشيان.
قالت الخالة تشارلي حين تحدثت إلي حول هذا الأمر: «لقد كانا مغرمين كل منهما بالآخر مثلما يمكن لأي حبيبين أن يكونا. لقد كانا شيطانين.»
دار ذلك الحديث خلال الخريف الذي سبق زواجي، وقت تحزيم الأمتعة. كانت جدتي قد أجبرت على أخذ إجازة من العمل، وكانت في الطابق العلوي في الفراش تعاني من الالتهاب الوريدي. كانت منذ سنوات ترتدي ضمادات مرنة لدعم أوردتها المنتفخة المصابة بالدوالي، كانت الضمادات والأوردة غاية في القبح في رأيها، حتى إنها كانت تكره أن يراها أي شخص. وقد أسرت لي الخالة تشارلي أن الأوردة كانت ملتفة حول ساقيها كأفاع سوداء كبيرة. فبعد كل اثني عشر عاما أو نحو ذلك يلتهب أحد الأوردة، بعدها تضطر لملازمة الفراش خشية أن تتحرك إحدى الجلطات الدموية وتشق طريقها نحو قلبها.
على مدار الأيام الثلاثة أو الأربعة التي لازمت فيها جدتي الفراش، لم تكن الأمور تسير على نحو جيد مع الخالة تشارلي فيما يخص حزم الأمتعة ؛ فقد اعتادت أن تكون جدتي هي من يتخذ القرارات.
قالت دون استياء: «سيلينا هي القائد. لا أعرف ماذا أفعل من دون سيلينا.» (وقد ثبت بالدليل صحة ذلك؛ فبعد وفاة جدتي سرعان ما ضعفت قدرة الخالة تشارلي على السيطرة على مجريات الحياة اليومية، وصار لزاما أن تنقل إلى دار المسنين، حيث توفيت عن عمر يناهز الثامنة والتسعين، بعد فترة صمت طويلة.)
بدلا من القيام بالعمل معا، كنت أنا وهي نجلس إلى طاولة المطبخ ونتناول القهوة ونتحدث، أو بالأحرى نتهامس؛ فقد كان للخالة تشارلي طريقة في الهمس، وفي هذه الحالة ربما كان ثمة سبب - فقد كانت جدتي بسمعها السليم موجودة في الطابق العلوي فوقنا مباشرة - ولكن غالبا ما لا يكون ثمة سببا محددا. يبدو أن همسها كان فقط من أجل ممارسة سحرها وجاذبيتها - فالجميع تقريبا يرونها جذابة - لكي تستدرجك إلى نوع أكثر دفئا وأهمية من الحديث، حتى لو كانت الكلمات التي تتفوه بها مجرد شيء عن الطقس، وليس - كالآن - حياة جدتي العاصفة في شبابها.
ماذا حدث؟ كنت أتأرجح ما بين الأمل والخوف من أن أكتشف أن جدتي، في تلك الأيام التي لم تحلم فيها قط بأن كانت ستصبح جدة لي، قد وجدت نفسها حبلى.
ولكن بقدر جموحها وبقدر ما يجعل الحب المرء ماكرا، لم يحدث ذلك.
ولكن فتاة أخرى كانت حبلى، أو بالأحرى امرأة أخرى، مثلما قد تقول؛ لأنها كانت أكبر بثماني سنوات من الأب المتهم.
Bilinmeyen sayfa