كانت جدتي تعتقد أن البناطيل للسيدات أمر مستقبح، وأن النظارات الشمسية نوع من التكلف والحذلقة. وكانت هنرياتا ترتدي الاثنتين.
كانت جدتي تلعب اليوكر، إلا أنها كانت تعتقد أنه من التكبر أن تلعب البريدج، وكانت هنرياتا تلعب البريدج.
والقائمة تطول؛ فلم تكن هنرياتا امرأة غير عادية في زمانها، ولكنها كانت امرأة غير عادية في تلك البلدة.
كانت هي وجدتي تجلسان أمام نيران المدفأة في غرفة المعيشة الخلفية وتتحدثان وتضحكان طيلة فترة ما بعد الظهيرة، بينما كنت أنا أجوب المنزل، أتمتع بمطلق الحرية لتفحص المرحاض المنقوش بالأزهار الزرقاء في دورة المياه، أو النظر عبر الزجاج الأحمر الداكن لباب خزانة الصيني. كان صوت هنرياتا عاليا، وكان حديثها هو ما كنت أستطيع سماعه في معظم الوقت، وكان تتخلله نوبات من الضحك الساخر، يشبه إلى حد كبير ذلك النوع من الضحك الذي يصاحب اعتراف امرأة بارتكاب حماقة كبيرة أو قصة من قصص الخيانة التي تفوق حد التصديق.
فيما بعد سمعت حكايات عن هنرياتا، وعن الرجل الذي هجرته، والرجل الذي وقعت في حبه - وكان رجلا متزوجا ظلت تقابله طوال حياتها - ولا أشك في أنها كانت تتحدث عن ذلك، وعن أشياء أخرى لا أعرفها، ولعل جدتي كانت تتحدث عن حياتها الخاصة، ربما ليس بهذه الصراحة، أو بصوت أجش، ولكن ظلت تتبع نفس الأسلوب، فكانت تحكيها كقصة تذهلها، وبالكاد تستطيع أن تصدق أنها تخصها. كان يبدو لي أن جدتي كانت تتحدث في ذلك المنزل مثلما لم تكن تفعل - أو لم تعد تفعل - في أي مكان آخر، ولكنني لم يتسن لي مطلقا أن أسأل هنرياتا عما كان يسر به وعما يقال بينهما لأنها ماتت في حادث سيارة - فطالما كانت متهورة في قيادتها - قبل وفاة جدتي بفترة، ومن غير المحتمل أنها كانت ستخبرني على أي حال. •••
هذه هي القصة، أو ما أعرفه منها.
كانت جدتي، والرجل الذي أحبته - ليو - والرجل الذي تزوجته - جدي - يعيشون جميعا على بعد أميال قليلة بعضهم من بعض. كانت تذهب إلى المدرسة مع ليو الذي كان يكبرها بثلاث أو أربع سنوات فقط. ولكن لم تكن تذهب مع جدي الذي كان يكبرها بعشر سنوات. كان الرجلان أبناء عمومة ويحملان نفس اللقب، لم يكن بينهما أي تشابه في الشكل، وإن كان كل منهما وسيما حسبما أستطيع أن أجزم. كان جدي في صورة زفافه يقف منتصبا؛ فقد كان أطول قليلا من جدتي التي أنقصت حجم خصرها إلى أربع وعشرين بوصة من أجل المناسبة، وكانت تبدو محتشمة ورزينة في ردائها الأبيض ذي الكشكشة. كان جدي عريض المنكبين، قوي البنية، غير مبتسم، وذا هيئة توحي بالذكاء والاعتداد بالنفس والالتزام الجاد بأي شيء يطلب منه. ولم يتغير كثيرا في اللقطة المكبرة التي لدي له، والتي التقطت له حين كان في الخمسينيات أو أوائل الستينيات من عمره. كان في هذه الصورة رجلا لا يزال يحتفظ بقوته وقدراته، إلى جانب قدر ضروري من اللطف وقدر كبير من التحفظ، رجلا يحترم، وليس لديه من الإحباط أكثر مما يمكن أن يتوقع أن يكون لدى أي شخص في سنه.
تعود ذكرياتي عنه إلى العام الذي قضاه ملازما الفراش، العام السابق على وفاته أو، كما قد تقول، العام الذي كان يحتضر فيه. كان في الخامسة والسبعين، وكان قلبه يزداد ضعفا شيئا فشيئا. كان والدي في نفس السن وفي نفس الحالة واختار أن يخضع لعملية جراحية، ومات بعدها ببضعة أيام دون أن يسترد وعيه. أما جدي، فلم يكن لديه هذا الخيار.
أذكر أن سريره كان في الطابق السفلي، في غرفة الطعام، وكان يحتفظ بكيس من النعناع أسفل وسادته، ربما كان يخفيه عن جدتي، ويعطيني بعضا منه حين تكون مشغولة في مكان آخر. كانت له رائحة طيبة من رغوة الحلاقة والتبغ (كنت أقلق من رائحة كبار السن، وأشعر بارتياح حين لا تكون كريهة)، وكان أسلوبه معي رقيقا وعطوفا، ولكن لم يكن به أي تطفل.
بعد ذلك مات، وذهبت لحضور جنازته مع أبي وأمي. لم أشأ النظر إليه؛ ومن ثم لم أكن مضطرة لذلك. كانت عينا جدتي حمراوين من البكاء، وكان الجلد حولهما مجعدا. كان الاهتمام الذي توليه لي قليلا؛ ما دفعني للخروج والتدحرج على التل العشبي فيما بين المنزل والرصيف، كان ذلك من الأشياء المفضلة لدي عند الإقامة هناك، ولم يكن أحد يبدي أي اعتراض على ذلك قط. ولكن في هذه المرة نادتني أمي للدخول، وراحت تنفض بعض الحشائش عن ردائي. كانت في حالة من السخط تعني أنني كنت أسلك سلوكا سوف تلام عليه.
Bilinmeyen sayfa