[4] فأما الطبقة السوداء المحيطة بالرطوبة البيضية ، وهي التي تسمى العنبية، فهي سوداء وهي صفيقة وفيها بعض المتانة. وهي كرية وفي مقدمها ثقب مستدير كما وصفنا ذلك في هيئة البصر. فأما سوادها فلتظلم به الرطوبة البيضية والرطوبة الجليدية، فتظهر فيها لظلمتها صور الألوان الضعيفة الخفية، فإن الأضواء الضعيفة جدا إذا كانت في مواضع مظلمة ظهرت للبصر، وإذا كانت في مواضع مضيئة لم تظهر للبصر. فسواد العنبية إنما هو ليظلم به داخل البصر فتحس الجليدية بما يصل إلى تجويف البصر من صور الأضواء وإن كانت ضعيفة يسيرة. وكانت هذه الطبقة صفيقة وفيها بعض المتانة لتضبط الرطوبة البيضية وتحفظها فلا يرشح منها شي ء إلى خارج ولا تتناقص، وليظلم بصفاقتها داخلها، لأنها لو كانت صفيقة اشتدت ظلمة داخلها. وكونها كرية لأن الكرة أعدل الأشكال المجسمة وأحماها مع ذلك من التغيير، فإن ذا الزوايا يسرع التغير إلى زواياه، وليس يكون ذلك في الكرة. فأما الثقب الذي في مقدمها فلتنفذ فيه الصور إلى داخل تجويف البصر. وكونه مستديرا لاعتدال الاستدارة، ولأن المستدير أوسع الأشكال التي إحاطتها متساوية.
[5] فأما الرطوبة الجليدية فقد جمعت صفات بها يتم الإحساس. وذلك أنها رطبة وهع ذلك ترفة وفيها بعض الشفيف وفيها بعض الغلظ، وعليها غشاء وغشاؤها قي غاية الخفة. وشكل سطحها مركب من سطحين كريين مختلفين، والمقدم منهما أعظم كرية من كرية الباقي. فأما كونها رطبة فليسهل انفعالها بالأضواء لرطوبتها، فيسرع فيها تأثير الصور التي ترد إليها. وكونها ترفة فليلطف حسها فتحس باللطيف الضعيف من الصور، لأن الأجسام الترفة تكون لطيفة الحس. وكان فيها شفيف لتقبل صور الأضواء والألوان وتنفذ الأضواء والألوان فيها. وكان فيها غلظ ولم تكن في غاية الشفيف لتدافع صور الأضواء والألوان التي ترد إليها وتمنعها من النفوذ فيها بما فيها من الغلظ. فيتم للصور مدافعتها وثبوت الضوء تأثيرها فيها، وتظهر للقوة الحساسة صورة الضوء واللون التي تثبت فيها. ولو كانت في غاية الشفيف لنفذت الصور فيها ولم تثبت فيها. ولو لم تثبت الصورة في هذه الرطوبة لم تحس هذه الرطوبة في سطحها ولا في جسمها بشيء من الصور، ولم تنفعل بالصور الانفعال الذي هو من جنس الألم، ولم تظهر الصورة لها ولم تدركها.
Sayfa 185