فتناوله فؤاد بيده متأملا وقال: أرجو سماحا وعفوا يا سيدتي، فقد أسأت بك الظن، ولم يخطر في بالي أن تكون العلبة متضمنة رسم والدك، وما شككت في طيبة قلبك وكرم أخلاقك.
ثم إنها ارتعدت وانخطف لونها واشتد عليها الاضطراب فأومأت إلى فؤاد بيدها ليسكت، وقالت: هذا عمي خارج، فاسترنا يسترك الله.
قال لها فؤاد: كيف علمت أنه عمك؟
فلم تجبه عفيفة بكلمة، بل أطبقت فمه بكفها كالجليد من شدة الخوف، وبعد برهة سكن خفق الأقدام، فقالت: قد خرج عمي، فهيا بنا إلى فوق نشاهد والدتي، ثم عرض لها فكر فرجعت إلى الخلف، وقالت لفؤاد: تمهل قليلا فربما يرجع.
قال فؤاد: لا تخافي واصرفي عنك الأفكار، ثم إنه أجلسها على كرسي وقال لها: أخبرتيني في الحين عن بيت كنتم تسكنونه فتممي حديثك عنه.
قالت: كان هذا المنزل لخالتي في الأصل فورثته لابنتها خطيبتك، والمنزل يشتمل على أربع حجرات وحديقة صغيرة كنت أسميها جنة الفردوس، وفي ذلك البيت ولدت وربيت، وكل شهوتي في الدنيا ومرام والدتي أن نصرف بقية العمر فيه لو تتكرم علينا بذلك حضرة خطيبتك، فهي - بحمد الله - واسعة الغنى وفي سعادة تامة، فإن فعلت فلها الفضل علينا والجميل الذي لا ينسى مدى الدهر.
قال: أهذا كل مطلوبك؟
قالت: هذا كله، وهو تفضل نلتمسه من حضرة خطيبتك لا واجب عليها تقضيه، وإن أحبت جعلته إحسانا لتذكار عهد الصبا والصداقة القديمة.
قال: كم بينك وبينها فرقا من السنين؟
قالت: الفرق قليل، هي تكبرني بأربع سنوات، على أننا لم نأتلف في الطباع لتكبرها ومحبتها الرئاسة، فكانت تجور علي أحيانا ونحن في المدرسة، وأنا بالطبيعة أنوفة كنت أحقد عليها.
Bilinmeyen sayfa