ولم يفت على فريزن ملاحظته بدقة وهو يخبره بما حدث، وسكت قليلا بعد أن أتم قصته، وظل سيرل صامتا هو الآخر، فاستأنف فريزن قائلا: إن صحة أخيك ضعيفة كما تعلم، وإن بقاءه في ذلك السجن يعني موته المؤكد، وإلى جانب هذا فإن وجوده هناك يعطل أحداثا سياسية عظيمة تسعى إليها أسرته، ويسعى إليها أيضا إمبراطوري، ولقد أتيت هنا لأستعين بالبرنس مترنيخ في حل هذا المشكل ولكني علمت أنه سافر في إجازة طويلة.
وسكت فريزن ثانية؛ فقد كان يعلم أن كلماته التالية ستكون نقطة الفصل في الموضوع؛ فقد كان كل شيء يتوقف على الكيفية التي يلاقيها بها سيرل، وعلى هذا فقد أتم بعد لحظة بصوت هادئ: ولذلك فقد أتيت إليك.
وعند هذا انفجر سيرل في ضحكة عالية، وقال في تعجب: إلي؟! إن هذه أبدع نكتة قد سمعتها من زمن طويل!
وأتم بشيء من الجد: ولنفرض أنني كنت أهتم بما جرى لأخي غير الشقيق، أو بما يقع على أسرة البوربون نتيجة لما حدث، فما الذي أستطيع أنا أن أفعله؟
ونظر إليه فريزن بإمعان، إذ سرعان ما تحول انفجاره بالطرب إلى مرارة قاسية، وعلى كل فإن المرارة خير من أن يكون غير مهتم بالموضوع بتاتا.
ولم يكن في كل هذا ما يشجع فريزن، ورغم ذلك فقد قال: إنك إنجليزي أكثر منك فرنسيا يا عزيزي برتراند، وأنا واثق من أنك تميل كثيرا إلى الأدب الإنجليزي أدب بلاد أبيك، خبرني ألم تقرأ كتابا ألفه أشهر كتاب العصر شارلس ديكنز، كتابا نشره في العام الماضي واسمه «قصة المدينتين»؟
فقال سيرل وقد بدا عليه شيء من الدهشة: فعلا، لقد قرأته!
فقال سيرل في بطء: إنه كتاب عجيب، وفيه حوادث مثيرة فعلا، ألا تعرف لم سألتك هذا السؤال؟
وبدا على سيرل في البدء أنه لم يفهم قصده، ولكن الفكرة خامرت ذهنه واتضحت فيه شيئا فشيئا، فنظر إلى صديقه نظرة مشدوهة متسائلة كأنما يقول فيها: «هل أنا المجنون أم أنت؟!»
وأسرع فريزن فقال في هدوء: أرجوك ألا تظن - ولو إلى لحظة قصيرة - أنني أطلب منك أن تضحي بحياتك من أجل شخص أو موضوع لا يهمك، وكل ما فعلته هو أنني اقترحت عليك ما أسميه مخاطرة من الدرجة الأولى، وأنا واثق من أنها ستثير اهتمامك وتجتذبك إليها، وهذا لأنك أولا ستكون سببا في إنقاذ شخص تعتبر حياته ثمينة في نظر كثيرين، ثم لأنك - كما قلت لك - إنجليزي أكثر منك فرنسيا، وإن المخاطرات من الدرجة الأولى لها تأثير كبير في اجتذاب أبناء جلدتك إليها.
Bilinmeyen sayfa