قال : روي عن السيد علي المشرعي وكان في رواية الأخبار وحفظ الأشعار كالأصمعي قال سئمت من ملازمة البيت ، ومللت عن مصاحبة لعل وليت ، وضاقت نفسي واستوحشت من أبناء جنسي ، فلما حصلت لي من الشواغل رخصة ، انتهزت الفرصة ، وعلمت أن لي في الهوى الذي تستنشقه أنفاس الخلايق حصة ، فخرجت على حين غفلة ، الى المزق الذي بين إب وجبلة ، فحمدت عقبى ذلك الخروج وأخذت اسرح طرفي في تلك المروج. وهي أرض خضراء شبه العروس العذراء ، بالسندس الأخضر مفروشة جنات معروشات وغير معروشة ، ووجه الأفق طلق ، ولم يكن بين السماء والأرض فرق ، ووقفت على شاطىء الوادي ، انظر الى الرايح والغادي ، فهو مجتمع أهل هذه المدينة وتلك المدينة ، وحيث كان يتلو لسان اللهو (كل نفس بما كسبت رهينة) فبينا أنا مستمع سجع الحمايم واستنشق النسايم وأساجل بمدمعي فيض الغمايم وأتلفت يسرة ويمنة وأتذكر أيام آل جفنة ، إذ سمعت راعي غنم وهو يتغنى على رأس علم :
ما الروضة الغناء غب الحيا
مزهرة مثل سجاياهم
فكدت أخرج من الوجود الى العدم وأعارض سيل الوادي بمثله إلا أنه ممزوج بدم ، وأمزق ثيابي وأود أن أخرج من إهابي. وما زلت أعاني الأشجان ، وأتعجب من صنع الزمان لقلب الأعيان ، وتمكنه من عمل الطلاسم والأوفاق التي يخيل للانسان وهو مستيقظ انه نايم وإذا ذلك الراعي قد قال مناديا ، ورفع صوته تاليا : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ) فهذه شيمة الدهر فخذوا حذركم منه خذوا. فعجبت لمقتضى الحال وتمكن مثله من مثل هذا السحر الحلال ، ثم أخذتني فكرة ، أين جاءت تلك الجموع التي كانت من جموع الكثرة ، ثم استعنت بالصبر وانما ساعدتني العبرة ، وعرضت مدة إقامتي هنالك وطالت ، وكثرت مسائل إعتباري حتى عالت وإذا أنا بفتى من تلقاء جبلة قد أتى كأنما صاغه الله من طينة الملك وهو في
Sayfa 38