ولا شكّ في أنّ ابن الفوطيّ درس اللّغة العربيّة، وحفظ المقامات الحريريّة، كما ادّعى، إلاّ أنّه لم يدرس اللّغة دراسة حقّة، دلّ على ذلك اسلوبه القصير النفس، المكرور السجع، الخالي من كلّ أناقة، الضيّق الدائرة؛ ودلّ على ذلك ارتكابه أحيانا الغلط النحوي، أعني اللّحن، والخطأ الكتابي، كما هو ظاهر للعالم القارئ لما بقي من أجزاء كتابه «تلخيص معجم الألقاب»، ثمّ إنّ إقباله على تعلّم اللغة الفارسيّة بالتحقيق واللّغة المغولية على الراجح أوهن قدرته على اللّغة العربية، فظهرت العجمة في تركيب كلامه أحيانا، كتذكير المؤنّث وغيره؛ وربّما كان يكتب بالفارسيّة أحسن من كتابته بالعربيّة؛ إلاّ أنّنا لم نعثر على كتابة له بالفارسيّة غير ما نسخه منها في الكتب العربيّة ناقلا النصوص، وإن نعثر يوما ما ينبغ أن نعرضها على محسن متقن لتلك اللّغة ليحكم في أمرها.
إنّ ابن الفوطيّ قد تيسّر له أن يقضي من عمره أكثر من ست وخمسين سنة في خزانتي الرصد التي قيل: إنّها احتوت على أربعمائة ألف مجلّد، كما ذكرنا سابقا، وخزانة المدرسة المستنصريّة التي كان فيها ثمانون ألف مجلّد، فقرأ منها ما شاء، ونقل منها ما أراد، ونسخ منها ما شاء وكان من كتب نفيسة، ومخطوطات اخرى نادرة، وتواريخ عزيزة، وجوامع كتب التراجم والألقاب، والسّير والأنساب ما يعدّ بعشرات بل مئات، فضلا عن كتب الحديث ورجاله، وكتب المحاضرات والأخبار، ودواوين النثر والشعر، وكتب الرقائق والتصوّف والحكمة والطبّ والهيئة وما وراء الطبيعة، وغير ذلك كالحساب والهندسة.
وقد لهج ابن الفوطيّ بالتاريخ على اختلاف أنواعه المعروفة يومئذ، لأنّ العيش الصوفي يميل الى التاريخ، وفيه كثير من المواعظ والعبر، والحوادث والتجارب والغير، ولأنّه خير ما تقضى به الأوقات، وتستمتع به النفوس الحكيمة، ولأنّه يحتاج الى إمعان في إنعام الفكر وإضناء للدّماغ في الاستيعاب والإدراك، ولأنّ موادّه مهيّأة وافرة متكاثرة، ولأنّ ابن الفوطيّ كان يدّعي العروبة، ويحتج للانتماء الى الأمير معن بن زائدة الشيباني؛ ألا تقرأ قوله في آخر
1 / 41