وتحقيق. ذلك أني كثيرًا ما رأيت كلامًا في المروءة وأهلها ورجال الهمم والعزائم وثابتي القلوب عند النوازل والمعدمات وما كنت التفت لهذا البحث لتبختري في ثوب الأمن واستغنائي عن الناس باستوائي معهم في الدعة والرخاء حتى وقت في شدتي المعلومة وخرجت من مصر مختفيًا فدرت في البلاد متنكرًا أدخل كل بلد بلباس مخصوص وأتكلم في كل قرية بلسان يوافق دعواي التي ادعيها من قولي إني مغربي أو يمني أو مدني أو فيومي أو شرقاوي أو نجدي. وأصلح لحيتي إصلاحًا يوافق الدعوى أيضًا فأطيلها في مكان عند دعوى المشيخة وأقصرها في آخر عند دعوى السياحة مثلًا وأبيضها في بلد وأحمرها في قرية وأسودها في عزوبة (عزبة) وقد رأيت من رجال المروءة والهمم من لم يكونوا في حسابي ولو حُدثت بما هم عليه من الهمة قبل رؤيتهم في الشدة لوقع الحديث موقع الاستبعاد أو الاستغراب خصوصًا وأن معظم من آووني لم يكن بيني وبينهم نسب ولا قرابة ولا سابقة صحبة ولم أدخل بلادهم قبل الاختفاء لغرض من الأغراض وكان يعز علي بل يستحيل ذكر أحدهم قبل صدور العفو العام أما الآن فقد حفظ لهم كتابي (الاختفاء) تخليط ذكرهم الجميل ومجدهم الأثيل. وعند ما دُلّت الحكومة علي لم تبعث رجلًا فظًا للقبض علي بل بعثت رجلًا مهذبًا هو محمد أفندي فريد وكيل حكمدارية الغربية إذ ذاك فاشتد في أول الأمر وأراد أن يكتفني فلما ذكرته باني مذنب سياسي لا مجرم جنائي انصاع لأفكاري وتلطف بي وتساهل معي ومكنني من دخول البيت لألبس ثيابي وأوصي أهل البيت بما يفعلونه بعد توجهي وعندما
1 / 7