نعمة الاختلاط وتبادل التجارة والسياحة والاستيطان بين الأمم شرقية وغربية فإن وجود العدد الكثير من أمة بين أفراد أمة أخرى يجرون أمورهم على عاداتهم في الصناعة والفلاحة والملاحة واستخدام الأفكار في مواردها من إنشاء وخطب وتدريس وتهذيب وتأديب يقوم مقام أساتذة منتشرين في أنحاء البلاد فتستنكر النفس بادئ بدء ما تراه مما يخالف عادتها وتفر من رؤية من يخالفها ثم لا تزال تتأخر في الفرار والاستمرار يستدنيها ويتألفها وهي تميل شيئًا فشيئًا حتى يحلو في عينها ما تراه ثم تهجس بتقليد الغير وعادتها تمانعها إلى أن يبعثها التقليد على الهجوم مرة فتفعل أو تقول وهي تخاف الرقباء ولا تزال تأخذ بالتقليد يومًا فيومًا حتى يحسن عندها التظاهر بما أخذته من عادة الغير ثم يترقى عندها الاستحسان فترى قبح ما كانت عليه مما جرب عليه الآباء في عصور متتالية.
ولا نستطيع أن نحكم بسوء عادات القدماء بالمرة فإن حاجتهم التي دعتهم لاتخاذها هي حاجتنا التي تدعونا لتغييرها أو تحسينها، ولكن ينبغي لمن يغير عادته بعادة الغير أن ينظر في أصل عادته وفوائدها ومضارها ثم في عادة الغير كذلك فإن رأى حسن عادته وأنها من لوازم حفظ المظهر أو الثروة أو الوطنية أو الجنسية أو اللغة أو الدين لزمه البقاء عليها وإن لم تحسن في عين الخليط وإن رآها مضرة بذاته أو وطنه أو الهيئة الاجتماعية غير منها ما لا يفقده الاعتقاد الديني والشعور الجنسي والغيرة الوطنية، فإن انتقل من عادته بلا رؤية ولا نظر للعواقب فقد سلم ذاته لمن انتقل لعادته بلا حرب ويعز عليه الرجوع لجنسيته ووطنيته وخصائص
1 / 12