ماذا أصنع بكل أولئك، إذا لم يكن معي إنسان أطارحه القول، وأساجله الحديث، وأساقيه صهباء هذا الوجود؟!
وهذا الإنسان أليس لي الحق في اختياره، قبل اصطفائه؟ وكيف أختاره إن لم أحكم الذوق، في تمييز جسمه وروحه، وعقله وشعوره، وحسه ووجدانه؟
وما قيمة الليل إن لم تظلني في الحب ظلماؤه؟ وما جمال الأغصان إن لم تهزني إلى ضم القدود، وما حسن الأزهار إن لم تشقني إلى لثم الخدود؟ وكيف أميل إلى الظباء، لو لم تشبه بعيونها وأجيادها، ما للحسان من أعناق وعيون؟ وكيف أصبو إلى غنة الغزال، لولا ذكرى تلك النبرات العذاب، التي يسمونها السحر الحلال؟
وأنك لتعلم أيها القمر، كيف كنت أصدف عنك، وأنا أطالع ذلك الوجه، الذي نعمت معي بثغره المفلج، وأنفه الأقنى، وطرفه الأحور، وجبينه الوضاح، وإنك لتعلم أيها القمر، كيف هجرتك حين غاب، وتعلم أني لا أنظر إليك إلا حين السرار، لأرى كيف يفعل الشحوب بك، وكيف تنسال منك الليالي! وإنها لشماتة طفيفة، أحزن من بعدها على خلود متعتك بصباح الوجوه وعلى عودتك لشبابك، في حين أودع كل يوم جزءا من شبابي، ووا حسرتاه على ما أودع من أجزاء الشباب!
لأصبحت نهب الأسى والحزن
لجسم أقام وقلب ظعن
فيا ويحهم يزمعون الرحيل
وما زودوني غير الشجن
دموع تحدر فوق الخدود
كصوب الغمام إذا ما هتن
Bilinmeyen sayfa