Müzikle Birlikte: Anılar ve İncelemeler
مع الموسيقى: ذكريات ودراسات
Türler
ويستطيع القرن العشرون أن يفخر بأن موسيقاه ستظل محفوظة إلى الأبد، بفضل أساليب التسجيل التي ظهرت بدايتها الأولى مع مطلع هذا القرن. كذلك فإن موسيقى القرن التاسع عشر لا تزال حية في أذهاننا لقرب العهد بها. ويصدق هذا الحكم، إلى حد بعيد، على موسيقى القرن الثامن عشر وربما السابع عشر أيضا، وإن تكن بعض قواعد الأداء الموسيقي لأعمال هذين القرنين تحتاج إلى دراسات خاصة؛ فإذا ما رجعنا إلى الوراء أبعد من ذلك؛ أي إلى عصر النهضة، والعصور الوسطى، واليونان القديمة، والحضارة المصرية والهندية والصينية القديمة، وجدنا أنفسنا في مجال مجهول لا يقودنا فيه إلا عالم الآثار الموسيقية. ومع ذلك، فإن طموح العلماء في هذا الميدان قد امتد، في الآونة الأخيرة، لا إلى جمع الوثائق الخاصة بالموسيقى في الحضارات الغابرة فحسب، بل إلى محاولة بعث هذه الموسيقى حية من جديد، وإعادة الحياة إلى الأصوات التي اعتقد الجميع أنها أصبحت خرساء إلى الأبد.
وهكذا فإن علم الآثار الموسيقية، بعد أن كان علما صامتا لا يكاد يتصل بالموسيقى ذاتها في شيء، أصبح يشتمل على عنصر الأداء والاستماع إلى جانب عنصر الدراسة النظرية الخالصة، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يلجأ العلماء إلى أي أثر أو أي دليل يجدونه مفيدا. ولكن لما كان وصف الأصوات الموسيقية بالكلمات اللغوية من أصعب الأمور، فإنهم عادة يفضلون الأدوات الموسيقية المصنوعة على الوثائق المكتوبة، كلما كان هناك تعارض بين شهادتيهما.
ومن الطبيعي أن صعوبة الاهتداء إلى الموسيقى الحقيقية كما كانت تعزف في عصور غابرة تزداد كلما كانت هذه العصور أوغل في القدم. ولكن مما يخفف قليلا من هذه الصعوبة، أن الموسيقى القديمة كانت عادة أقل تعقيدا من الموسيقى الحديثة (وقلة التعقيد لا تعني السطحية بالضرورة؛ إذ إن كثيرا من المؤرخين يعتقدون أن بعض أنواع الموسيقى القديمة كانت عميقة إلى حد بعيد). كذلك كانت الموسيقى القديمة أشد تمسكا بالتقاليد، وهذا يعني أن الأساليب الموسيقية لم تكن تتغير إلا ببطء وبطريقة متدرجة، على عكس ما نشاهده في حالة الموسيقى الحديثة من تغيرات ثورية متلاحقة . ومن العوامل الأخرى التي تساعد عالم الآثار الموسيقية في مهمته، أن الموسيقى هي الفن الوحيد الذي كان في معظم مراحل تاريخه علما وفنا في آن واحد. فقوانين الرياضيات كانت في أحيان كثيرة أساسا للفن الموسيقي، كما أن القواعد الفيزيائية لعلم الصوت كانت ملازمة للموسيقى على الدوام. ونتيجة لهذه العوامل كلها، فإن البحث في موسيقى القدماء، على الرغم من كل ما يكتنفه من المصاعب وما يقتضيه من الجرأة، ليس بحثا عقيما أو ميئوسا منه بأية حال.
والخطوة الأولى في منهج علم الآثار الموسيقية، هي عادة تحديد المبادئ الصوتية لموسيقى الفترة موضوع البحث. والدليل الأول الذي يستخدم في تحديد هذه المبادئ، هو الآلات الموسيقية التي يكشف عنها التنقيب، فإن كانت هذه الآلات في حالة تسمح بالعزف عليها، قيست الأصوات والمسافات التي يمكن استخلاصها منها، أما إذا كانت محطمة أو مهمشة، فإن عالم الآثار الموسيقية يصنع آلات مطابقة لها، ويحاول أن يجري عليها تجاربه لكي يستخلص خصائصها الصوتية. وهناك وثائق تاريخية ترجع إلى عهود معينة، تكشف عن النسب أو المبادئ المستخدمة في السلالم الموسيقية الشائعة في تلك العهود، وقد توجد في عهود أخرى وثائق عن كيفية ضبط آلة موسيقية وترية، فيتيح لنا ذلك إدراك حدود هذه الآلة وإمكانياتها الصوتية.
وبعد تحديد المادة الصوتية لفترة معينة من تاريخ الموسيقى بقدر معقول من الدقة، ينتقل العالم إلى البحث عن أمثلة فعلية للموسيقى التي كانت تؤلف في هذه الفترة، وتصبح مهمته في هذا الصدد هينة إلى حد بعيد لو أمكنه العثور على وثائق تتضمن أي نوع من التدوين الموسيقي، حتى لو كان ذلك التدوين من نوع غير مألوف يتعين عليه أن يفك طلاسمه. وبعد الوصول إلى هذه الأمثلة أو النماذج وتطبيها على النظام الصوتي الذي سبق كشفه، تعزف بسرعات معقولة على آلات حديثة أو آلات قديمة أعيد ترميمها. وبهذه الطريقة نحصل على صورة يعتمد عليها للحن موسيقي ينتمي إلى عهد تاريخي قديم.
على أن بعض الحضارات القديمة لم تبتدع نظاما للتدوين الموسيقي، أو لم يعثر على أنموذج لطريقتها في التدوين حتى الآن، ويظهر ذلك بوجه خاص في الحضارات التي يقوم التراث الموسيقي لديها على الارتجال، وتنتقل فيها الألحان بطريقة سماعية فحسب، لا بالكتابة على طريقة الغربيين. ولدينا في بلادنا مثال واضح لذلك في الموسيقى الشعبية الريفية، بل في موسيقى المحترفين ذاتهم، الذين لم يعرفوا التدوين إلا منذ عهد قريب. ولا شك أن الرجوع إلى فترات تاريخية قديمة لإدراك طبيعة الألحان التي كانت تشيع فيها، يغدو في هذه الحالة أمرا عظيم الصعوبة، لا سيما إذا كان التراث السماعي قد انقطع، وكل ما يمكن عمله في هذه الحالة هو الاسترشاد بنصوص الأغنيات الشعبية ودراسة إيقاعاتها وأوزانها، من أجل استخدامها أداة للوصول إلى بعض النتائج التقريبية عن الموسيقى التي كانت تلحن بها هذه الأغنيات. أما إذا وجد تراث شعبي باق من العصور القديمة، أو كان من الممكن تتبع التراث الحالي إلى أصول سابقة في الماضي، فإن مهمة المؤرخ الموسيقي تغدو في هذه الحالة أيسر بكثير.
ولقد استخدم بعض علماء الآثار الموسيقية منهجهم هذا في حل كثير من المشكلات المتعلقة بالموسيقى الأوروبية في العصر الوسيط وعصر النهضة. وكان هؤلاء العلماء يجوبون المتاحف الأوروبية بحثا عن صور تمثل موسيقيين قدماء أو آلات موسيقية قديمة، فإذا وجدوا إحدى هذه الصور، قاموا بأقيسة دقيقة للآلات المصورة، واتخذوا هذه الأقيسة مادة لأبحاثهم التالية. ولا شك أن بعض الصور لم تكن دقيقة؛ لأن الرسامين قد يهملون أحيانا التفاصيل المتعلقة بفن غريب عنهم كالموسيقى. ولكن ثبت في أحيان كثيرة أن الرسام كان دقيقا إلى أبعد حد، حتى في رسم التفاصيل البسيطة، حتى إن المدونات الموسيقية في بعض الصور كانت تمثل أغنيات شعبية شاعت في وقتها بالفعل، ولم تغفل الصورة أي جزء من تفاصيل التدوين. كذلك بلغت صور الآلات الموسيقية من الدقة في التفاصيل ما أتاح لعلماء الآثار الموسيقية تكوين فكرة لا بأس بها عن نطاق هذه الآلات وطريقة عزفها.
ومن النماذج الأخرى لتطبيق مناهج علم الآثار الموسيقية في بعث الموسيقى القديمة من صمتها الطويل، ما قام به العالم «فريتز كوتنر» منذ سنوات قليلة من أجل تحديد طبيعة الألحان التي كانت تعزف بالفعل في العصر اليوناني القديم؛ ذلك لأن كثيرا من الكتب العلمية التي خلفها اليونانيون القدماء كانت تصف السلالم الموسيقية المتعددة التي ابتكرها الموسيقيون في ذلك العصر، ولا سيما فيما بين القرن الخامس والقرن الأول قبل الميلاد. وما زالت مؤلفات «أرخوطاس» و«أرسطو كسينوس»، و«ديوديموس» تقوم دليلا على وجود هذا النوع من العلم النظري الموسيقي عند اليونانيين. ولقد كان الباحثون المحدثون، حتى عهد قريب، يناقشون هذه الموضوعات على أسس نظرية خالصة، ولكن لم يحاول أحد منهم أن يعيد إحياء الأصوات الفعلية التي نحصل عليها من هذه السلالم القديمة، حتى جاء «كوتنر» وضبط آلات حديثة تبعا للمبادئ الرياضية التي حددتها المراجع القديمة، وعزفها على هذه الآلات.
وكانت النتيجة التي أدهشت «كوتنر» هي أن الموسيقى الناتجة شرقية بكل معاني الكلمة؛ أي أنها تنتمي إلى النمط السائد في الشرق الأوسط والأجزاء الغربية من قارة آسيا. ومما ساعد على تأييد هذه النتيجة، أن عددا كبيرا من الموسيقيين والعلماء اليونانيين كانوا يعيشون في مدن تقع على سواحل آسيا الصغرى. كذلك كانت هذه النتيجة متمشية مع نتائج سبق أن توصل إليها العلماء بشأن فنون وعلوم أخرى، كان اليونانيون فيها مدينين بقدر غير قليل من كشوفهم للمصادر الشرقية القديمة، ولكن لم يكن في وسع العلماء حتى الوقت الذي نتحدث عنه، أن يثبتوا هذه الحقيقة في ميدان الموسيقى بدورها؛ نظرا إلى خمود صوتها، وإلى ما بدا من تشابه ظاهري بين النظريات اليونانية وبين بعض التطورات اللاحقة في الأسس النظرية للموسيقى الأوروبية. وهكذا انتهى «كوتنر» إلى تأكيد هذه الحقيقة الهامة، وهي أن الموسيقى اليونانية بدورها قد خضعت خضوعا واضحا لمؤثرات قوية امتدت من غربي آسيا والشرق الأوسط إلى كل الأقاليم اليونانية.
وباتباع نفس هذا المنهج اتضح للعالم نفسه أن الصينيين القدماء قد عرفوا السلم «الفيثاغوري» معرفة كاملة منذ القرن السادس قبل الميلاد. وكان الاعتقاد الشائع بين العلماء هو أن هذا السلم قد انتقل مع الجيوش اليونانية الغازية في فتوحاتها التي توغلت شرقا في عهد الإسكندر الأكبر. ولكن هذا الاعتقاد لو كان صحيحا لما انتقلت تلك المعرفة الموسيقية إلا في أواخر القرن الرابع أو في القرن الثالث قبل الميلاد، على حين أن الكشف أثبت أنها انتقلت إلى الصين قبل عهد الغزو اليوناني لآسيا بكثير، بل قبل ظهور المدرسة الفيثاغورية ذاتها في اليونان. وكان الاستنتاج الذي انتهى إليه، بناء على هذا الكشف، هو أن هذا النوع من السلالم الموسيقية قد ظهر أولا في إحدى مناطق الشرق الأوسط، يرجح أنها منطقة ما بين النهرين، ومنها انتقل شرقا إلى الصين وغربا إلى اليونان.
Bilinmeyen sayfa