وقد أحاط بطه حسين في عمله الصحفي الجديد عدد من تلاميذه الشباب مصممين على بذل أقصى الجهد في معاونته، يتحدث إليهم فيما سبق أن أعلنه من قديم من أن الصحافة تتحمل في وقتنا الحالي نصيبا ضخما من مسئولية قيادة الفكر، ويكرر أنه لا بد لمن يتصدى للمشاركة في حمل مثل هذه المسئولية من إخلاص القصد وصدق العزيمة والقدرة على تحمل المكروه، كما أنه لا بد له من تأهيل نفسه لعمله الصحفي أحسن تأهيل مستطاع، ولا شك أن من ضروريات ذلك إتقان لغة أجنبية واحدة على الأقل من جهة، والحرص الشديد على سلامة التعبير باللغة العربية من جهة أخرى.
وتظهر في جريدة كوكب الشرق توقيعات عدد من الشباب المثقف بعضهم يكتب في الصحف لأول مرة، منهم عبده حسن الزيات المحامي، الذي يرأس تحرير الجريدة بعد قليل، وعزيز أحمد فهمي وكامل الشناوي ومحمد كامل حسين ومحمد عبد العزيز ويحيى الخشاب وجلال الدين الحمامصي، الذي يحرر صفحة الرياضة، وحسن محمود وعبد القادر عرابي وسيد قطب.
وطه حسين يريد أن تعنى صحيفة «كوكب الشرق» بالعالم وأحداثه، وبالرجال الذين يحركون تلك الأحداث أو يتحركون تحت ضغطها، كما أنه يريد أن تعنى الصحيفة عناية خاصة بالعالم العربي، الذي تشاركه مصر أمجاد التراث كما تشاركه آلام الاحتلال والاستبداد، وطه حسين يوجه بعد ذلك جل اهتمامه لمصر، لا لشئونها السياسية فقط، بل لشئونها الاجتماعية والاقتصادية والفنية، وكذلك لشئونها الثقافية بطبيعة الحال.
يكتب طه حسين مقالاته السياسية تحت عنوان «حديث المساء»، مطالبا بعودة دستور الأمة، دستور عام 1923، ليستمتع الشعب بحرياته وبسلطاته التي يقرر ذلك الدستور أنه مصدرها، يقول في أحد أحاديث المساء: «أما بعد، فيجب أن يتنبه الحاكمون جميعا إلى أن نصوص الدستور لم توضع لتكون زينة أو حلية، وإنما وضعت لتكون أساسا للحياة المصرية وقواما للصلة بين الشعب والسلطان، وأن أظهر هذه النصوص وأحقها بالفهم والاحترام إنما هو النص الذي يسجل أن الأمة مصدر السلطات ... ويتبين بهذا أن رجال الحكم ليسوا سادة الشعب وإنما هم خدامه.»
وطه حسين يعرف أن العدو الذي يريد إخضاع مصر سيحاول جهده أن يهدم وحدتها وأن يفرق بين بنيها، ولذلك فإنه وهو يرثي عضو الوفد المصري المرحوم الفقيد الأستاذ سينوت حنا يشير إلى هذه الوحدة مبرزا أهميتها، يقول: «كان سينوت حنا قبطيا مسيحيا، وكان المصريون أول أمس يودعون فقيدهم العظيم، لا لأنه قبطي مسيحي، ولا لأنه مسلم، بل لأنه مصري فحسب، وقد كان المصريون يحتشدون أمس في الكنيسة القبطية ومن حولها ويشرفون عليها من أعلى الدور، وهم لا يذكرون إلا مصر وأنها محزونة لفقده، وإذن فقد فازت الوحدة الوطنية فوزا مبينا، وكان راحل أمس مؤسس هذه الوحدة، والداعي إليها، والملح فيها ...»
وتراقب صحيفة «كوكب الشرق» تصرفات الحكم، لا تتردد في الكشف عما تراه في أعماله من تقصير وإفساد، تنشر مقالا قصيرا بغير إمضاء تتهم فيه وزير الداخلية محمود فهمي القيسي باشا بتضليل مجلس النواب وتزوير محضر جلسة المجلس، فتستدعي النيابة رئيس التحرير عبده حسن الزيات المحامي تسأله عن كاتب المقال فيقرر أنه هو كاتبه، ولكن طه حسين يتقدم إلى النيابة ليقرر أن عبده تلميذه وأنه إنما يريد أن يحميه ويتحمل عنه مسئولية كتابة المقال، ويستشهد بسكرتيره الأستاذ فريد شحاتة على أنه هو الذي أملاه، كما يستشهد بأسلوبه الذي يقول إنه لا يحتاج إلى إمضاء.
1
أما شئون الاقتصاد والاجتماع والمسرح والسينما والموسيقى والمرأة والرياضة، فإن «كوكب الشرق» تنشر ما يمدها به المتخصصون في هذه الموضوعات من فصول. وأما صفحة الثقافة فإن طه حسين يساعده عدد من زملائه وتلاميذه، يواصل العمل فيها مستهدفا دائما هدفين: أولهما أن يصل المعاصرين بتراثهم العربي القديم؛ يجلوه لهم، ويحببه إليهم، ويدفعهم إلى العناية به، يحدثهم عن البحتري وعن ابن الرومي وعن ابن المعتز وغيرهم، والهدف الثاني أن يصل قراءة هؤلاء بأدب أوروبا وحضارتها الحديثة، فهو ينشر في نفس الصفحة فصولا عن حرية الرأي ونشأتها وتطورها، وعن فولتير، وعن جان جاك روسو، وعن تين، وعن رينان.
وصفحة الثقافة لا تهمل ما ينتجه المعاصرون، يعرض طه حسين فيها وينقد الكتب التي يصدرها أمثال الدكتور محمد عوض محمد والأستاذ توفيق الحكيم والأستاذ فكري أباظة، وإذا تحدث عن ابن الرومي أشاد بما سبق أن كتبه عنه كاتبان ممتازان هما الأستاذ عباس محمود العقاد والأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني. ويموت الشاعران الكبيران أحمد شوقي أمير الشعراء، وحافظ إبراهيم شاعر النيل، في هذا العام، فتعنى الصحيفة عناية كبيرة بآثارهما، مبرزة ما لهما من فضل وأثر في نهضة الشعر في مصر وكل بلاد العرب. •••
وفي أول الصيف تظهر نتيجة امتحان الليسانس في كلية الآداب بالجامعة وبين الناجحين أربع من الآنسات، وتوفد جريدة «كوكب الشرق» أحد محرريها ليهنئ المتخرجات الأربع بنجاحهن، ويوجه إلى كل منهن سؤالين؛ الأول: عند أي حد يحسن أن تتوقف ثقافة الفتاة؟ والثاني: ماذا يمكن أن تقدم الفتاة المتعلمة من خدمات للبلاد؟
Bilinmeyen sayfa