وأريد أن أعمل محاميا.
والحكاية الأخرى، الألعن، والأدهى؛ يوم اشترك عبد المطلب ابن مربيتي دادة رئيفة في جريمة قتل، وجاءني أخوه فوزي لأترافع عنه مقدرا طبعا أنني لن أتقاضى أتعابا، وكانت قضية شهيرة، وكان من شأنها أن تعطيني فرصة ليذيع اسمي. وقرأتها ووجدت القرائن جميعا ضد المتهم ووجدته معترفا في محضر الشرطة وإن كان رجع عن اعترافه في محضر النيابة. وكان إسماعيل العدوي يقول لي دائما أنت لا شأن لك بالمتهم. إن صلتك بالدوسيه، هو الذي يتكلم معك. إياك أن تسأل متهما إن كان ارتكب الجريمة أم لا؛ فهو إما سيكذب عليك وحينئذ لن تستفيد شيئا، وإما أن يقول لك إنه ارتكب الجريمة وحينئذ سيصبح العبء عليك في المرافعة أكبر من أن تطيقه، وخصوصا مع ضميرك اليقظ هذا. ولم أكن مقتنعا بهذه النصيحة. فأنا لا أتصور نفسي أترافع عن باطل أبدا، وحين جاء فوزي ليسألني رأيي سألته: لماذا لم تعط القضية للأستاذ إسماعيل العدوي نفسه؟ - ومن أين لنا بأتعابه؟
وفكرت قليلا، وكنت أتمنى أن أترافع في هذه القضية. وقد قبل الأستاذ إسماعيل أن تكون القضية لي، بل كان سعيدا أن تكون أول قضية أترافع فيها في محكمة الجنايات، جناية قتل مع سبق الإصرار، ووعدني أن يعاونني في القضية.
لو كنت أتغاضى عن ضميري قليلا لقلبت القضية، ومن يدري ربما كنت بها اليوم واحدا من كبار المحامين. فقد كنت محاميا موفقا في المحكمة دائما. أما في التعامل مع الزبائن وجدت نفسي أسأل فوزي: هل ارتكب أخوك الجريمة؟
وتردد قليلا ثم قال: نعم.
ودون تفكير قلت له: إننا أقسمنا اليمين ألا نكذب، فأنا مستعد أن أترافع في قضية أخيك وأطلب تخفيف الحكم، لا البراءة، فإذا قبلت هذا أنت ووالدتك فأنا مستعد. - أرد عليك.
ولم يرتد إلي بعد ذلك قط.
أي محام أريد أن أكون؟ إنني حين قلت إنني لا أريد أن أفتح مكتبا لم أكن خائفا من عدم الشهرة أو من بطء البداية، وإنما كنت خائفا من نفسي. واليوم وأنا أفكر في الاستقالة من النيابة لا بد لي أن أواجه نفسي. لا أستطيع مخادعة نفسي. أنا لا أصلح محاميا. وما كنت لأترك النيابة حتى ولو لم أوفق فيها هذا التوفيق.
أستقيل من النيابة؟!
ماذا أعمل؟ أجلس في البيت؟ أبحث لي عن مقهى؟
Bilinmeyen sayfa