66

فالشخصية التاريخية الصادقة هي التي تتوافق عناصرها، وتتجمع ملامحها وتتلاقى أجزاؤها كما تتلاقى أجزاء الهيكل المتفرق بين حفائر الأرض، فيركب كل منها في مكانه وتستوي الأعضاء من هنا وهناك، كما تستوي في الكائن الطبيعي والصورة الحية.

وربما كان هذا الاستواء الذي لا حيلة فيه للرواة الكذبة، ولا للرواة الأمناء أحق بالاعتماد عليه من ورود السيرة في كتب التاريخ من مصادر أخرى بعيدة عن مصادرها العربية، فقد وردت سيرة امرئ القيس في كتب نونوز وكتب بروكوب من مؤرخي الروم، وورودها هنالك دليل وثيق على شخصية تاريخية لم تنفرد بها المصادر العربية، ولكن الصدق الذي تأتي به الأخبار على غير قصد من رواتها ووضاعها أصح في الدلالة من المكتوب المقصود، الذي لا يستحيل عليه ظن التدبير.

الشعر العربي والمذاهب الغربية الحديثة

نظم الشعر في اللغة العربية فن مستقل بذاته بين الفنون التي عرفت في العصر الحديث باسم الفنون الجميلة، وتلك مزية نادرة جدا بين أشعار الأمم الشرقية والغربية، خلافا لما يبدر إلى الخاطر لأول وهلة، فإن كثيرا من أشعار الأمم تكسب صفتها الفنية بمصاحبة فن آخر، كالغناء أو الرقص أو الحركة بهدف الإيقاع، ولكن النظم العربي فن معروف المقاييس والأقسام بعد استقلاله عن الغناء والرقص والحركة الموقعة، فلا يصعب تمييزه، شطرة شطرة بمقياسه الفني من البحور والأعاريض إلى الأوتاد والأساليب.

وليست هذه خاصة من خواص اللغات السامية أخوات العربية، فإننا إذا أخذنا سطرا على حدة من قصيدة عبرية لم نستطع أن ننسبه إلى وزن محدود أو مقياس متفق عليه، ولا بد من اقترانه بسطور أخرى يتم بها الإيقاع، ولا تطرد في قول كل شاعر ولا في سطور كل قصيدة، فهو والفاصلة النثرية التي يمكن أداؤها بالغناء، أو بالإيقاع على حركة الرقص متساويان.

ومن الشعر الغربي ما يعرف كل سطر منه بعدد من المقاطع والنبرات، ولكنه بغير قافية تنتهي إليها هذه السطور.

أما ضروب النظم التي تلتزم فيها القافية، فكلها في نشأتها كانت تغنى أو تنشد إلى إيقاع الرقص، ثم استقلت بأوزانها المحدودة على نحو مشابه للأوزان العربية، وهي الموشحات التي اشتهرت عندهم باسم «استانزا» أو اسم «سونيت»، ويدل كلا الاسمين على أن أصلها من الرقص والغناء ... فإن إستانزا كلمة إيطالية بمعنى الوقوف تقابلها ستاند

Stand

بالإنجليزية، وسونيت

Sonnet

Bilinmeyen sayfa