لن أنسى يوم أخذناك إلى المستشفى للمرة الثانية، فقعدنا في غرفة الانتظار، فبكيت بكاء مرا.
لن أنسى، وقد لزمت الفراش الشهور الطوال، أنك كنت من وقت إلى آخر تتضاءلين، فتنخرطين في البكاء.
نعم، حاولنا جهدنا أن ننفي مخاوفك، وأن ندخل على نفسك الأمل، ولكن ذلك كله لم يمنع أن تحسي بالخطر، فتبكي على شبابك!
زورت كتب الطب، فكنت أقرأ لك من أدوار المرض أيسرها، فأقرأ على وجهك علائم الاطمئنان، وإن كنت في دخيلة نفسي في خوف مستمر.
كان مرضك شيئا، فأقرأ شيئا آخر، والأعراض تتشابه، لأقيم لك الدليل على أنك ناجية.
بل كنت أفزع إلى تفاؤل الساذجين والساذجات، فأقول لك: إن وقعاتنا كبيرة، ولكننا ننجو منها، أتذكرين مرضة سري الأولى بالحمى التيفويدية، ومرضته الثانية بالحمى القرمزية، وكانت الحميان من أخبث أنواعهما، فمن كان يصدق أنه يعيش؟
انظري هذه الليمونة التي غرسناها أمام الدار، فلم تلبث أن ذوت، وقال لنا العارفون: إنها ماتت، وهممنا أن نقتلعها، ثم عادت إليها الحياة.
انظري إلى هذه الزيتونة التي غرسناها خلف الدار، فمرت السنة الأولى والثانية وهي عود من الحطب، وقال لنا العارفون: إنها ماتت، وقد هممنا أن نقتلعها، ثم عادت إليها الحياة.
يظهر لنا يا أم سري أننا من أهل الحياة، وليس مرضك إلا عرضا زائلا، إن شاء الله.
ولكن ذلك كله لم يمنع أن تنتبهي للخطر فتبكي على شبابك!
Bilinmeyen sayfa