فلماذا حرمت هذا الحظ؟!
يقولون إن الراديوم والأشعة الكهربائية تفعل العجائب، فلماذا بطلت عجائبها معنا دون الناس؟!
أعرف كثيرات قد بلغن أقصى العمر، ومنهن من رأين أولادهن وأحفادهن إلى الجيل الرابع.
فلماذا لم يكن حظك مثل حظهن؟!
أعرف كثيرين وكثيرات يتأففون من الحياة، ويئنون من أعبائها وآلامها، ولا يملكون من أسبابها شيئا، فلو سألناهم لفضلوا أن يموتوا فيستريحوا، ولم يكن يؤلمنا ويكدر صفونا مثل أن نرى بؤس هؤلاء الناس. وكم وددنا لو نستطيع أن ندفع عنهم البؤس، وأما نحن فقد كانت حياتنا مستوفية الشروط: لم يرث كثيرون أجساما سليمة لا عيب فيها كما ورثنا، ولم يعن أحد بالنظافة والرياضة والغذاء عنايتنا بها، ولم تطبق حياة على الأصول الصحية كما طبقنا حياتنا عليها، ولم يسد في بيت من السرور والفكاهة والانبساط ما ساد في بيتنا، ولم يطوف أحد في طول البلاد وعرضها كما طوفنا. فأي ماء لم نرده، وأي جبل لم نتسلقه، وأي مدينة أو قرية لم نزرها، توالت زياراتنا.
في زي القرية.
لربوع لبنان، عشنا في مصر، كأن حياتنا كلها كانت شهر عسل، لقد كنا على قلة وسائلنا من أسعد خلق الله، وكم قلت لك: تعالي نجرب معيشة المقت، حتى إذا مات الواحد منا كان الخطب على الآخر هينا، فلماذا قدر لك أن تكون حياتك قصيرة؟
لست أحسد أحدا، ولكنني أندب سوء حظي. (3) لن أنسى
لن أنسى يوم فحصك الطبيب لأول مرة، فأحس بذلك الورم اليسير الذي خرج بصدرك تحت الجلد، فاهتم به، وأشار عليك بلزوم المبادرة إلى استئصاله قبل فوات الوقت، فوجمت، وإن تكلفت الشجاعة تكلفا؛ لأنك تعرفين كثيرات في مثل حالتك لم ينفعهن علاج. والتفت إلي كأنك أردت أن تعرفي رأيي، فشجعتك، وقلبي يكاد يذوب حنانا عليك، وقلت لك: إن كثيرات استأصلن هذه الأورام، فعشن ولا يزلن عائشات، وأما أولئك اللواتي لم تنفعهن العمليات فلأنهن تأخرن أو تهاون؛ فلا بأس عليك.
وقبل أن نذهب إلى المستشفى، وكان موعد ذهاب دمية وهالة إلى المدرسة قريبا، أخذتهما إلى جانب فودعتهما وداع من تخاف أن تموت تحت العملية. ولما خرجتا، وقفت على شرفة المنزل تتبعينهما نظراتك، وتلوحين لهما بيدك.
Bilinmeyen sayfa