انظروا إلى مبدئكم وأصلكم كيف خلقكم من قطرة نجسة، وغير في أطواركم مرة بعد مرة إلى أن ألبس خلعة الوجود، وهو الحكيم المنان، خلقكم من ذكر وأنثى وجعلكم شعوبا وقبائل شتى؛ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وإن كل ما على الإرض فان، {فبأي ءالاء ربكما تكذبان}(1)، {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}(2)والإتقان، فعليكم أن تذكروه ذكرا كثيرا، وتشكروه شكرا كبيرا بالسر والإعلان، فقد قال الله تبارك وتعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}(3)، وقال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}(4)، وورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن ربه الملك الديان: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وهو ملأ ملائكة الرحمن)(5) .
واعلموا أن في الذكر شفاء من كل داء، وحرزا من وساوس الشيطان، فمن ذكر ربه فر منه عدوه، ومن غفل عن ربه تقرب إليه عدوه بالطغيان، وعليكم بالإكثار من تلاوة القرآن والصلاة على حبيب الرحمن، فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا، ومن صلى عليه عشرا صلى عليه مئة، ومن صلى عليه مئة صلى الله عليه ألفا، ومن صلى عليه ألفا صلى الله عليه مئة ألف، ومن صلى عليه مئة ألف كتب الله له براءة، واعتق رقبته من النيران.
وتذكروا يوم تشقق السماء وتصير كالدهان، وتنكدر النجوم ويكور القمران، وتحشر الوحوش والطيور وسائر أنواع الحيوان، ويجمع الخلائق في صعيد واحد، وتخشع الأصوات للرحمن {وترى كل أمة جاثية}(1)، خائفة من الخيبة والحرمان، وينادي فيه المقربون: نفسي نفسي، لا أطلب غيري خشية من غضب الرحمن. يوم تدك الأرض والآكام(2)، ويجيء الرب في ظلل من الغمام، وتصف الملائكة حول الإنس والجان ويحاط بالنار حولهم، وينادي مناد: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان، فبأي ءالاء ربكما تكذبان}(3).
فالله الله إخواني؛ استعدوا لمثل هذا اليوم، وتيقظوا من النوم، فمن نام في الدنيا لم يجد إلا الحسرة والخسران.
Sayfa 79