[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا بإرسال الرسل، وإنزال كتبه العلية، وبين لنا الحلال والحرام، وأوضح السبل المرضية، أشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صاحب الفضائل الجلية والخفية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه صلاة دائمة بعدد السماوات والأرض والمخلوقات السنية.
وبعد:
فيقول الراجي عفو ربه القوي أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي، تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي ابن بحر العلوم مخزن الفهوم(1)، صاحب التحقيقات الشامخة والتدقيقات الراسخة مولانا الحافظ الحاج محمد عبد الحليم أدخله الله دار النعيم.
هذه مجموعة نفيسة جامعة لخطب جمع السنة والأعياد وغيرها، ألفتها لما رأيت أكثر الخطباء يوم الجمعة(2) وغيرها جاهلين غير قادرين على جمع كلمات عربية، ومن ثم ترى:
بعضهم يخطبون باللسان الفارسية والهندية.
وبعضهم يخلطون اللسان العربية باللسان العجمية غافلين عن أنه خلاف السنة والطريقة المرضية، كما أوضحته في رسالتي ((آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان الفارس)).
Sayfa 6
وبعضهم التزموا خطبة واحدة في كل جمعة غالفين عن أن الخطبة إنما شرعت للتذكير، وهو إنما يحصل بتجديد المواعظ والنصائح كل مرة، وقراءة خطبة واحدة لا ينفع في التأثر والتأثير، فأردت تسهيل الأمر عليهم، وصنفت لهم لكل شهر من شهور السنة خمس خطب لخمس جمع، فقد تقع في شهر جمعة خامسة.
وألفت الخطبة الثانية أيضا متعددة، فأن لكل جديد لذة، وقد أكثرت فيها إيراد جمل النصائح والمواعظ ينتفع بها كل سامع وواعظ، والأقتباس من كتاب الله القديم، وأحاديث نبيه الكريم عليه ألف صلوات والتسليم.
من غير تكلف القوافي والأسجاع، وإيراد ألفاظ مستبشعة تتنفر عنها الأسماع، ومن غير أيراد كلمات مستغربة وجمل معضلة يحتاج في فهم معانيها إلى نظر الكتب اللغوية ومهارة الفنون الأدبية، فأن إيراد أمثال ذلك لا يليق بهذه الخطب التي وضعت لأن يتنبه بها كل عالم وجاهل، ويتيقظ كل فاضل وغافل.
وأدرجت في كل خطبة ما يناسب الشهر الذي تقرأ فيه من الأحكام والفضائل، وتجنبت عادة المنفرين والمتبخترين من اختصار مخل أو تطويل بلا طائل، فقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطول الصلاة، وتقصر الخطبة، وجعل تطويل الخطبة إلى حد يفضي إلى حد النفرة من أشراط الساعة.
Sayfa 7
وإلى الله المشتكي من هذا الزمان زمان شر وطغيان، عكس الناس الأمر المشروع وعكفوا على ما لم يثبت شرعا مع غاية الولوع، فصارت السنة فيما بينهم بدعة، والبدعة سنة وظنوا المعروف منكرا والمنكر معروفا، ومن ثم تراهم إذا هداهم أحد إلى الطريقة السنية تنفروا عنه ونسبوه إلى الطريقة القبيحة، وهذه فتنة لعمري عمياء وداهية، وهياء يربو فيها الصغير، ويشيب فيها الكبير، ولئن ساعدني في التوفيق، وفسح الله في عمري، وجعله خير رفيق، لأؤلف رسالة أبحث فيها عن منكراتهم التي أحدثها(1) قراء الخطبة وسامعوها، ومخترعاتهم التي اخترعها(2) مصنفوها وواضعوها.
وليس غرضي من هذا التأليف وسائر تأليفاتي أن يدرج أسمي في المصنفين، أو يشتهر رسمي في العالمين، وإنما المقصود وكفى بالله شهيدا عليه أن يحصل بها النفع والفلاح لكل مطالع ومستفيد، وأن تكون ذريعة لنجاتي بعد مماتي في يوم الحساب الشديد والله أسأل سؤال الضارع الخاشع أن يجعلها مقبولة وخالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها عباده بالنفع العميم، وقد سميت هذه المجموعة ب:
((اللطائف المستحسنة بجمع خطب شهور السنة))
ولقبتها ب:
((إزالة الغفلة والسنه بتأليف خطب السنة))
وأرجو من كل من يقرأ هذه الخطب، ومن يسمعها، ومن يطالعها وينتفع بها أن يدعو لي بالمغفرة وشمول الرحمة وبخير الدنيا والعقبى، وأن لا ينساني في دعواته الخالصة في أوقاته الخاصة.
Sayfa 8
[خطب محرم]
[الخطبة الأولى للجمعة الخامسة من المحرم]
والمرجو من الناظرين الكرام أن لا يتتبعوا عوراتي، وأن يستروا على زلاتي، فرحم الله امرءا نظر فيها بنظر اللطف والكرم وعفا عن زلة القدم، أو طغيان القلم، فأني لست ممن يدعي العصمة من كل خطأ وزلة، ولا ممن ينسب إلى نفسه الفصاحة والبراعة، أو البلاغة والمهارة، {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}(1)، وهذا أوان الشروع في الجمع والترصيف متوكلا على من منه الهداية، وإليه النهاية، وبه الاعتماد في كل تصنيف .
الخطبة الأولى للجمعة الأولى من المحرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تصل إلى درك حقيقته الأفهام، ولا تدرك كنهه العقول والأوهام، نحمده حمدا كثيرا على حلمه بعد علمه، وهو العليم العلام، ونشكره على عفوه بعد قدرته، وهو شديد الانتقام، فسبحانه ما أعظم شأنه نشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له يدبر الأمر يين السماوات والأرضين، وهو متفرد في تدبيره لا نظير له في العالمين، ينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام.
ونشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله الذي بين لنا الحلال والحرام، وأوضح مشتبهات الأحكام.
أما بعد:
Sayfa 9
أخواني وخلاني أشكروا الله على نعمائه واحمدوه على آلائه، فأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إلى يوم القيام، أحسن إليكم حيث أخرجكم من العدم إلى الوجو، وهو صاحب الكرم والجود، ورباكم حين كنتم أجنة في الأرحام، خلقكم من نطفة ثم جعلكم علقة ومضغة، وصوركم بأحسن صورة، وكساكم اللحم والعظام، وأدار عليكم زمانا وقسمه على السنين والشهور والأيام، ووضع لكم فيه شهورا متبركة، وأياما متشرقه، بدأ بالمحرم وختم بذي الحجة الحرام، فمالكم لا تتذكرون ومالكم لا تتفكرون، ترغبون عن الحسنات وتنهمكون في اللذات، وترتكبون الخطايا الجسام، ولا تعتبرون بمن مضى من أبائكم واجدادكم!
أين أحبابكم وأقرانكم؟
أين جلساؤكم وأحباؤكم؟
أين سلاطينكم وخواقينكم؟
أفناهم كر الليالي ومر الأيام، وسيمر عليكم زمان تكونون فيه كما كانوا، وتتحسرون كما تحسروا، وما تفيدكم الحسرة عند ذلك إلا الآلآم.
فعليكم بتقوى الله في السر والعلانية، واجتناب كل خطيئة ومعصية لاسيما في الأيام العظام.
وهذه سنة جديدة قد استقبلتكم، فطو بي لمن ودع السنة الماضية بحسن الأعمال، واستقبل هذه السنة بكرآئم الأفعال، وتجنب المعاصي والأثام.
وعليكم بهذا الشهر الحرام شهر المحرم ذي العز والاحترام شهر نجى الله تعالى فيه سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وأغرق فرعون في البحر، وألقاه في الظلام.
Sayfa 10
فيه يوم عاشوراء وما أدراكم ما يوم عاشوراء، يوم فضيل فضله جميل، من وسع فيه على عياله وسع الله عليه تمام السنة، كذا أخبر به سيد الأنام، يوم صام فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر أصحابه بالصيام يوم اهتم الصحابة بصيامه وأمروا الناس بصيامه حتى الأطفال، واهتموا فيه غاية الاهتمام.
يوم رزق فيه سيدنا الحسين بن علي ابن بنت رسول الله ومتبناه، غاية متمناه، وظلم ظلما تقشعر منه الأسماع، ويتنفر عنه الطباع، حبس الماء عنه أياما عديدة، وحصر في كربة شديدة، وذلك في موضع يسمى بكربلاء، موضع كرب وبلاء صب فيه على أهل بيت رسول الله كل هم وغم وبلاء حتى شرب شراب الشهادة مع إخوانه وأنصاره وصار من الشهداء الكرام، فرحم الله عليه وعلى ناصريه، ونقم على ظالميه وما كربه، فمن ذكر هذه المصيبة العظمى واسترجع فاز بالمرتبة العظمى وعد من الصابرين يوم القيام.
Sayfa 11
فلازموا عليكم استقبال هذا اليوم بالحسنات والتوبة عن الخطيئات وترك الآثام؛ لعل الله يرحمكم وتشملكم رحمة ربكم ويدخلكم دار السلام، وقولوا من صميم الفؤاد باسطين أكف السؤال إلى من به الاعتصام، اللهم يا حنان يا منان أنت السلام ومنك السلام، نحن عبادك العصاة المذنبون اعترفنا بذنوبنا فأرحمنا رحمة تغنينا عما سواك، وادخلنا بغير حساب دار السلام، والحمد لله الرب الكريم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام}(1).
الخطبة الأولى للجمعة الثانية من المحرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بسط الأرض بلا مدد، ورفع السماء بغير عمد ودوره، وخلق الخلق بلطفه وكرمه، وبأحسن الصور صوره، هو الذي كرم ولد آدم على ما سواه، وفضل نبينا محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم على سائر المخلوقات، وجعل آدم ومن دونه تحت لوائه وكمله.
نحمد حمدا كثيرا على أن جعلنا من أمة النبي المختار الذي عظمه وبجله لم يترك كمالا إلا أعطاه إلا القتل في المعركة، فخص به سيدنا الحسين بن علي وهو ابن بنته ومتبناه، فكمله به وسجله.
ونشكره على أن جعلنا من سالك الدين القويم، والطريق المستقيم، رد ما سواه وتقبله.
Sayfa 12
ونشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ولا ضد له، ولا ند له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى كافة الخلق فما أحسنه وما أكمله.
أما بعد:
عباد الله إن الدنيا دار فناء لا تبقى فيها بقية، دار المحن والفتن، دار الأ كدار والحزن، دار غدرت بالحسين والحسن، دار زينها الله تعالى لامتحان عباده فمن تركها كرمه ومن طلبها ذلله، سبحانه ما أعظم شأنه من أي شيء خلق الخلق من نطفه، {خلقه فقدره، ثم السبيل يسره}(1) وهداه إلى سبيل الهداية وسهله، ووكل من الأناسي من عباده الكرام البررة، يفعلون ما يؤمرون، ويكتبون ما يفعلون {في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة}(2)، وأرسل على خلقه مبشرين ومنذرين، وجعل من ساداتهم خاتم الرسل، ختم به الرسالة وسجله، وبين الحرام والحلال، وزجر عن المعاصي وعن صحبة العاصي نهره(3).
فيا أيها العاقل عليك بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، وصرف عمرك في العبادة والإنزجار عن المعصية، والزم عليك طاعة المولى، وأفعل ما تؤمر، وانته عما تنهى عنه، وأسكن قلبك محبته، وعليك بالتزام بأداء الصلوات مع الجماعات فمن شذ عن الجماعة شذ في الضلالة.
Sayfa 13
وإياك ثم إياك أن تطيع الأقران؛ فإنهم أفسدوا الزمان يضحكون من المسلمين بالسر والإعلان، ويأكلون لحوم الأخوة بالأسنان، يتركون الصلوات، ويفرون من الجماعات يحقرون المسلمين، ولا يصلحون بين المؤمنين، يتكلمون بأمور الدنيا في المساجد، ويطعنون على المهاجر والمجاهد، يكثرون الطعام والمنام، ويبالغون في فضول الكلام، اتخذوا جهالهم علماء وسفهاءهم فقهاء، فاستفتوا منهم، وهم أفتوا، فضلوا وأضلوا، ولم يخشوا اتخذوا البدعة سنة فعليهم وزرهم ووزر من اقتدى بهم والسنة بدعة فعليهم وبالهم ووبال من تأسى بهم، تباغضوا بالقلوب وتحابوا بالألسن، وأفشوا النفاق بينهم فإن اقتديت بهم في هذه الخصائل فقد أفسدت عليك، وإن خالفتهم نلت الدرجات العلى والغرفات العلية في الجنة.
أما تعلم أن الله تعالى يطلع على معاصي عباده ولا يخفى عليه مثقال ذره، ثم لا يفضحهم ويستر عيوبهم، وإن تابوا يغفر ذنوبهم فما أجهل الخلق! وما أغفل!
أما تعلم أن الله تعالى يبعث من في القبور ومن خلق الخلق قادر على الحشر والنشور، ويحضر في المحضر العام، ويناقش كلا من الخواص والعوام، ويسأله عن مال فيما اكتسبه، وعن عمر فيما أفناه، وعن وقت فيما ضيعه، فهل تقدر عند ذلك على الجواب؟ أو تنفعك الرسالة والكتاب، أو تنفعك شفاعة الشافعين إلا أن يرحمك ربك فينظر إليك بنظر المغفرة أقول قولي هذا وافوض أمري إلى الله، إنه بصير بما نفعله، هذا تذكرة لمن أراد أن يتذكر، فمن شاء ذكره.
اللهم إنا عبادك العصاة المجرمون ظلمنا أنفسنا، فلا تجعلنا من الخاسرين واجعلنا مع الكرام البررة، آمين.
Sayfa 14
والحمد لله رب العالمين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قتل الإنسان ما أكفره، من أي شيء خلقه، من نطفة خلقه فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره}(1).
الخطبة الأولى للجمعة الثالثة من المحرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نزل علينا الكتاب، وجعل لنا طرق الهداية والأسباب، نحمده على أن جعل النطفة علقة، فخلق العلقة مضغة، فخلق المضغة عظاما، وجعل أصلها التراب، سبحانه ما أعظم شأنه خلق من ذكر وانثى، وجعله شعوبا وقبائل ... فمنهم العصاة، ومنهم أولوا الألباب.
نشكره على أن أرسل إلينا نبيا وجيها في الدنيا والآخرة، شفيعا لأهل الكبائر في الآخرة، وانتخبه حق الانتخاب.
ونشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له العزيز الوهاب، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المؤيد بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة، وفصل الخطاب.
أما بعد:
أيها الناس انظروا إلى بدائع صنعة ربكم، وعجائب حكمة مولاكم، كيف خلقكم من ذكر وانثى، ثم جعل شعوبا وقبائل شتى، وبعث عليكم رسلا وأنبياء واجتبى منكم الأصفياء والأحباب، وسهل لكم طريق النجاة والفلاح، ويسر سبيل الهداية للنفوس والأرواح، وبين الحلال والحرام، وأوضح مشتبهات الأحكام، وحد لكم حدود فمن تعدى حدود الله فأولئك من أهل العذاب.
Sayfa 15
فيا أيها الشيوخ سيأتيكم هادم اللذات ومفرق الجماعات، فقد ذهب الشباب، فاتركوا اللهو واللعب وانحرفوا عن المسرة والطرب لتنالوا حسن مآب، ما هذه الغفلة وقد أتاكم الزاجر؟ وما هذه الغشاوة؟ وقد نهركم الناهر وهو الشيب بعد الشباب، اتركوا الدنيا الدنية فإنها جيفة وطلابها كلاب، زين لكم حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب.
ويا أهل الشباب؛ ذهب أوان الصبا، وفات زمان المسامحة والغنا، وجاء وقت التكليف وامتثال أوامر الملك الوهاب، فإن كنتم تقصرون عن الطاعة في هذا الوقت، ففي أي زمان تطيعون! وإن تصرفوا هذا الوقت في اللهو واللعب ففي أي وقت تتيقظون!
اغتنموا أربعا قبل أربع: الحياة قبل الموت، والصحة قبل المرض، والغنا قبل الفقر، وقبل المشيب الشباب؛ لئلا تقولوا حين الشيب ليت الشباب يعود وهو لا يعود إلى أن يقوم يوم الحساب، عليكم بقلة الطعام، وقلة المنام، وقلة الكلام، وهجران المعاصي والأثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، واحتمال الجفاء من الأنام، وترك مجالسة السفهاء والعوام، وصحبة الصالحين والكرام، وافشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، وحاسبوا أنفسكم(1) قبل أن تحاسبوا، فأن الله تعالى سريع الحساب، يحاسبكم على كل ذرة ويناقشكم على كل خصلة، وهو أعلم بحالكم وعنده علم الكتاب.
Sayfa 16
اتركوا الذنوب بأسرها، وتوبوا من الصغائر والكبائر بكلها، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه، والمهاجر من هاجر ما نهى الله ورسوله، وتذكر حساب يوم الحساب.
وإياكم ثم إياكم أن تقعوا في الغيبة، فإنها أشد من الزنا، وانصروا إخوانكم، فإن الساكت شريك المغتاب، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من ذب عن لحم أخيه كان حقا على الله أن يعتقه من النار)(1)، فمن اغتاب أو سمعها بعث يوم القيامة مهانا مخذولا محاطا مسؤولا، وكان مآبه شر مآب.
اللهم يا مالك الرقاب، ويا مفتح الأبواب، نحن العصاة المجرمون ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فلا تناقشنا في الحساب.
والحمد لله العلي العظيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب}(2).
الخطبة الأولى للجمعة الرابعة من المحرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين، وجعله نطفة في قرار مكين، وجعل النطفة علقة، فخلق العلقة مضغة، فجعل المضغة عظاما، وشكلها بالشكل الحسين، وفضله على سائر مخلوقاته، وشرفه بكريم خطابه، فتبارك الله أحسن الخالقين.
نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا جميلا، ونستغفره، ونتوب إليه توبة تنجينا من العذاب المهين.
Sayfa 17
أشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
Sayfa 18
إخواني وخلاني اشكروا الله على نعمائه، واحمدوا على آلائه، ولا تشركوا به شيئا فليس كمثله شيء في السموات والأرضين، وتوكلوا عليه في كل الأمور، ولا تضيعوا الأعمار في طلب الارزاق، فانه هو الرزاق ذوالقوة المتين، أما قرع سمعكم قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}(1). ولازموا الطاعة، واتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم من المسلمين، فمن اتقى نجا ومن خالفه طغى، قال الله: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}(2)، وقال الله تعالى: {إن الله لمع المحسنين}(3)، واعلموا أن التقوى ملاك الحسنات، ورأس الطاعات، وهو المنجي من البليات في الدنيا والدين، وقال الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(4)، وعليكم بالتزام عمد الإسلام وأركان(5) الدين، لاسيما الصلاة التي هي أربح البضاعات وأفضل الطاعات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاة عماد الدين، فمن أقامها أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين) (6) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (بين الكفر والإيمان ترك الصلاة)(1).
Sayfa 19
وقال (من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر)(1)، ولازموا أداءها بالجماعة، فأنها سنة نبيكم فلو أنكم صليتم في بيوتكم لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، واستحققتم العتاب المهين، وإياكم ثم إياكم أن تتكاسلوا فيها، فمن تكاسل فيها ولم يحافظ عليها حشر مع فرعون وهامان وقارون ورؤساء الشياطين، وتذكروا يوم الساعة: الحاقه وما أدرئك ما الحاقة، يوم عظيم، كربه شديد، هوله يفتضح فيه العصاة والمجرمون، ويندم فيه الباعدون المتخلفون، يوم يحاسب فيه على كل نقير وقطمير، ويناقش فيه كل صغير وكبير، فكم من شاب ينادي واشباباه، وكم من امرأة تنادي وافضيحتاه، وكم من ذي شيب ينادي وامشيختاه، يوم الذلة والمسكنة، يوم الفضيحة والغربة، يوم ازدحام الخلائق في صعيد واحد أجمعين، فما حالك إذا حضرت عند الملك المقتدر، وعرض عليك كل صغير وكبير مستطر في دفاتر الكرام الكاتبين، فإذا نظرت فيها رأيتها سودا من ذنوبك، وقلت: ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فنكست رأسك وندمت وعلمت أنك من الهالكين، ثم سألك ربك عن مالك من أين اكتسبت؟ وعن عمرك فيما ضيعت؟ فعند ذلك أيقنت بالهلاك إلا أن يرحمك ربك ويغفر ذنوبك أغفر الغافرين، فالله الله عباد الله اتقوا الله ولا تكونوا من الغافلين، ما هذه الجرأة على المعاصي! وما هذه الغفلة بارتكاب المناهي! ألكم براءة من النار! أم أنتم في الدنيا من الخالدين!
وقولوا من صميم الفؤاد: اللهم يا رحمن يا جواد نحن عبادك العصاة المجرمون، بذنوبنا معترفون، وعما اكتسبنا نادمون، فاصفح عنا وارحمنا، واعف عنا، ولا تجعلنا مع الظالمين وأدخلنا الجنة برحمتك، وأنت أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين}(1).
الخطبة الأولى للجمعة الخامسة من المحرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع السماء بغير عماد، وبسط الأرض فراشا، وخلق لها الأوتاد، سبحانه ما أعظم شأنه، خلق الخلق في ستة أيام، واحكم العالم بغاية الإحكام، ثم استوى على العرش استواء يليق بشأنه، وهو الكريم الجواد، أحمده حمدا على إنعامه وأشكره شكرا على إحسانه خلق الخلق، واصطفى منه بني آدم، واختار منهم العباد.
نشهد أنه لا إله إلا هو وحده المنزه عن الشركاء والأنداد، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، رحمة للعالمين، خاتم المرسلين، سيد كل حاضر وباد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة إلى يوم التناد.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تقاته، وحاسبوا أنفسكم في صباحه ومسائه، وتيقظوا من الغفلة والرقاد إلى متى هذه الجرأة؟ إلى متى هذه الغفلة؟ إلى متى هذا الرقاد؟ تنبهوا من نوم الغفلة، لا تلهكم عن ذكر الله الأموال والأولاد والأحفاد.
أما تعلمون أن الدنيا دار فناء وعبور كل شيء فيه فان بمرور الدهور إلا وجه خالق العباد.
Sayfa 21
أما تعتبرون بمن مضى قبلكم أين فرعون وهامان؟ أين شداد ونوشيروان؟ أين ثمود وعاد؟ أين سلاطين الدوراني وجبابرة الزمان؟ أين الذين جابوا الصخر بالواد؟ أين رؤساء البلد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ أين أحبابكم وأقرانكم؟ أين أصحابكم وأمثالكم؟ أين الأباء والأجداد؟
أما تعلمون أن الدنيا خلقت لكم، وأنتم خلقتم للآخرة، ستموتون كما مات من قبلكم، وتفوتون كما فات من كان معكم، الدنيا فانية والآخرة باقية.
أما تعلمون أن الله يعلم سركم ونجواكم، لا تخفى عليه خافية، وأن ربكم لبالمرصاد.
أما علمتم أنكم تحضرون عند ربكم، فيسألكم ربكم عن كل ما فعلتم، ويحاسبكم على ما اكتسبتم، ويناقشكم على ما جرحتم، فإن أنكرتم شهدت عليكم أعضاؤكم على رؤوس الأشهاد، فيالها من حسرة وندامة، تقولون عند ذلك: لئن رجعنا إلى الدنيا لنكونن من الشاكرين. فيناديكم مناد: هذا رجع بعيد الآن وقد عصيتم من قبل وكنتم من أرباب الفساد.
فالله الله عباد الله اتقوا الله وامتثلوا بأوامره، وانتهوا عن مناهيه، وتوبوا مما مضى لعل الله يرحمكم، ويتجاوز عن ذنوبكم، وينجيكم من الحسرات يوم الميعاد، واستغفروه في كل وقت وادعوه وانتم موقنون بالإجابة، فأن الدعاء العبادة وبه يرحم العباد.
وقولوا من صميم الفؤاد: يا الله يا رحمن نشكوا إليك قسوة قلوبنا، وكثرة ذنوبنا، وتكاسلنا عن الطاعات، وهجومنا على المخالفات، فاعف عنا واصفح، وارحمنا يوم التناد.
Sayfa 22
[خطب صفر]
[الخطبة الأولى للجمعة الأولى من صفر]
والحمد لله الرب الحليم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد}(1).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الجليل الأكبر، لا راد لما قضاه، ولا دافع لما قدر، نحمده على أن كملنا خلقا، وفضلنا خلقا، من نطفة خلقنا فقدرنا، ثم السبيل يسرنا، وبأحسن الصور صور.
نشكره على أن بعث علينا نبينا، هو سيد الأنبياء والمرسلين، فأخرجنا من حفرة الهالكين وطهر، نشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، صاحب القوى والقدر، ونشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، صاحب الجاه والقدر الأبهر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت السماوات والأرض، ودارت الشمس والقمر.
أما بعد:
معاشر الحاضرين تيقظوا من سنة الغفلة، واعتبروا بمجيء الشهر بعد الشهر، قد انقضي شهر الله المحرم، وجاء شهر صفر، وهل هذا إلا علامات الرحيل والسفر؟ أفلا تتدبرون أن الدنيا زائلة، والأخرى دائمةن والحياة فانية، والقيامة قائمة، وكل من فيها على جناح السفر، فطوبى لمن تزود من دنياه لآخرته، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن صحته لسقمه، وبشرى له يوم المحشر.
Sayfa 23
الخطبة الأولى للجمعة الأولى من صفرأيها الشباب هذا آوان تحصيل الحسنات، واكتساب الطاعات، وإطاعة العلي الأكبر، فإذا ذهب شبابكم تحسرتم على ما فاتكم، وتمنيتم ليت الشباب يعود، وهو لا يعود إلى الوقت المقدر، وأحذروا من فتنة شبابكم فإنه من مصائد الشيطان ومكائده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي اثنين أضمن له الجنة: ما بين رجليه، وما بين لحييه)(1). فإياكم ثم إياكم أن تنهملوا في اللذات، وتتبعوا الشهوات، وترتكبوا الفحشاء والمنكر.
ويا أيها الشيوخ ذهب الشباب وجاء المشيب المخبر بقرب الأجل المقرر، فتوجهوا بطيب نفوسكم إلى مولاكم، واستغفروه بالصباح والمساء والسحر، وعليكم بتقوى الله في السر والعلانية، واطلبوا رضاءه في كل ساعة، فرضوان من الله أكبر، وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وصوموا رمضان وحجوا قبل أن لا يحج البيت، وقبل أن تفاجئكم الدواهي هي أدهى وأمر، وطهروا قلوبكم من الرذائل الخبيثة والأوصاف الدنية من الحسد والكبر والبغض والفخر، فمن صلح قلبه صلح الجسد كله ، ومن فسد قلبه فسد جسده كله واستحق السقر، وعليكم بالتوكل في كل الأمور على الله تبارك وتعالى، فعنده أم الكتاب مكتوب فيه ما كان وما يكون إلى الأجل المقدر، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تصيب مصيبة إلا بأمره، خلق كل شيء بقدر.
Sayfa 24
وإياكم من الشرك والطيرة، وما منكم من أحد إلا وهو مبتلى بها، ولكن الله يذهبه بالتوكل على القضاء والقدر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفال الحسن يكره التطير، وقال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)(1).
فاقتدوا بسيرة نبيكم واسلكوا سبيل من سلك من خياركم، لتنالوا الحظ الأوفر، فمن اقتدى بنبيه وصحبه اهتدى، ومن خالفهم طغى، من اتبعهم نجا، ومن خالفهم غوى، وصار سيئ المقر، حفظنا الله وإياكم من الطيرة والشرك الأكبر والأصغر، وتجاوز عن ذنوبنا وذنوبكم ورحمنا ورحمكم يوم العرض الأكبر.
والحمد لله العلي العظيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر}(2).
الخطبة الأولى للجمعة الثانية من صفر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الجليل الذي بعث علينا رسلا وأنبياء، وأوضح لنا السبيل، نحمده حمدا كثيرا ونشكره شكرا جميلا على أن جعلنا من أمة حبيبه وصفيه وخير خلقه الموصوف بالكرامة والتبجيل، أشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له تفرد بوحدانيته وتنزه عن الشريك والمثيل، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المختص بفضل الخطاب وفضل التنزيل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سواء السبيل.
أما بعد:
Sayfa 25
يا ابن آدم يا غريب الدنيا يا عابر سبيل كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل، إلى متى هذا التواني! إلى متى هذا التعليل! ما يمضي زمان إلا وينقص فيه عمرك ويقرب منك أجلك، وما بقي من العمر إلا قليل.
أما تعلم أن الدنيا كأحلام نوم، أو ظل زائل، أو سناد مائل، أو سم قاتل، كم قتلت من قتيل؟
أما تعلم ما سيمر عليك من الآفات والسكرات عند الرحيل، كيف بك إذا أحاطت بك سكرات الموت؟ ووصلت إليك شدائد الفوت؟ وحضرتك الملائكة المنادون بالرحيل، فإذا ارتحلت عجل في تكفينك وتدفينك كل حبيب وخليل، وأنت تناديهم: أين تذهبون بي إلى دار الوحشة، دار الغربة؟ أين تتركونني في بيت الحسرة والظلمة؟ وهم لا يسمعون ويهتمون بالتعجيل.
Sayfa 26