أما علمت أنه ما دخلها أحد من باب إلا وقد عزم السفر، تذكر مبدأك، وانظر ما يمضي عليك وتفكر، كنت نطفة قذر فجعلك ربك علقة، ثم جعلك مضغة فسواك خلقا كما شاء وقدر، وكتب ما كان وما يكون في كتاب، فلا يقع إلا ما هو المقدر، وجعل عليك ملكين كاتبين ومعقبات من بين يديك ومن خلفك يحفظونك من أمر الله إذا أمسى وبكر، وبين طريق الهداية والضلال وهداك إلى طريق النجاة ونحاك عن سبيل السقر.
أيها المسكين أنت بما كسبت رهين، ما تفعل يكتب في رق منشور، كل صغير وكبير مستطر، أتعصى المولى وتترك ما هو أولى، أيحسب الإنسان أن يترك سدى؟ كلا والله إن هذا ما كان منذ كان الزمان ولا يكون إلى يوم المحشر، ألا تتدبر في أحوال الساعة الواقعة.
الحاقة، وما أدراك ما الحاقة، هي أدهى وأمر، تذكر إذا جمعت الخلائق صفا صفا، ودكت الأرض دكا دكا، ونفخ في الصور، وبعث من في القبور عند مليك مقتدر، فوقعت في أنواع الحسرات، فهل لك عليها مصطبر؟ فإن ناقشك ربك، ومن نوقش عذب، خذلت بحضرة الأكياس والمحشر مزدحم بالعوام والخواص، فقلت: يا ليتني كنت ترابا أو تقول يا ليتني كنت حبابا، فهل أنت عليه مصطبر؟
خلق الله نارا لها زفير وشهيق للعصاة والمجرمين، لها طبقات متراكمة، وفيها ظلمات متطابقة، {ترمي بشرر كالقصر ، كأنه جمالة صفر}(1)، يسحبون في النار على وجوههم، ويقال لهم ذوقوا مس سقر، فما هذه الجرأة على المعاصي؟ وما هذه الغفلة؟
Sayfa 56