ويجدر بنا كي نتفهم هذه التحف ونقدر قيمتها الفنية أن ننتقل إلى الكلام عن الفنون الفرعية في عصر الفواطم، وذلك في إيجاز يتفق والحجم الذي نريده لهذا البحث والغرض الذي نرمي إليه به. (1) النحت والتصوير
إن كون الدولة الفاطمية شيعية المذهب يدعونا إلى إيجاز ما فصلناه في كتاب «التصوير في الإسلام» عن حكم رقم الصور وصناعة التماثيل عند المسلمين،
1
فقد كتب المستشرقون وعلماء الغرب
2
كثيرا عن تحريم التصوير في الديانة الإسلامية، وزعم بعضهم أن القرآن حرم نقش الصور وعمل التماثيل؛ ولكن هذا باطل، لا نصيب له من الصحة. وفطن آخرون إلى أن تحريم التصوير جاء في الحديث الشريف، وهذا صحيح، وقد كان النبي - عليه السلام - يقصد به إبعاد المسلمين عن كل ما من شأنه أن يقربهم من عبادة الأوثان، على أن بعض هؤلاء العلماء والمستشرقين ظن أن حديث تحريم التصوير لا يقره من المسلمين إلا السنيون، بينما الشيعة لا يعتقدون أن التصوير حرام، وبهذا علل أولئك العلماء ازدهار صناعة التصوير في بلاد إيران، حيث يسود المذهب الشيعي، ووجود الصور الآدمية في التحف الفنية، التي ترجع إلى عصر الفواطم في مصر، وقد كانوا - كما نعرف - من أتباع المذهب الشيعي أيضا، ولكن هذا بعيد عن الصواب؛ فإن النحت والتصوير مكروهان عند علماء الشيعة كما هما مكروهان عند علماء أهل السنة. حقا إن الشيعيين لا يعترفون بكتب الحديث التي صنفها علماء أهل السنة؛ ولكن لهم كتبا خاصة جمعت الأحاديث النبوية التي يعترفون بها، والتي تتفق وعقائدهم، ونحن نجد في كتبهم هذه ما نعرفه في كتب أهل السنة من نهي عن التصوير وإنذار للمصورين بأنهم سوف يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا في صورهم الروح، وليسوا بنافخين.
وأكبر الظن أن التفرقة بين المسلمين في موقفهم من النحت والتصوير راجعة إلى أن بلاد إيران - وهي بلا ريب أكبر ميدان ازدهر فيه التصوير الإسلامي - يقترن ذكرها بالمذهب الشيعي؛ ولكن المستشرقين الذين يستنتجون من ذلك أن الشيعة يحلون التصوير، فاتهم أن المذهب الشيعي لم يصبح الدين الرسمي لبلاد إيران إلا منذ أول القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، حين اعتلت العرش الأسرة الصفوية، وهم ينسون أيضا أن العرب لم يكونوا ليخسروا كثيرا بصرفهم عن التصوير؛ لأنهم منذ البداية لم يكن لهم كفاية في هذا الفن، كما كان للفرس؛ الذين كانوا مهرة فيه منذ الزمن القديم، والذين لم يكونوا بفطرتهم يعرضون عنه كالشعوب السامية،
3
فكان طبيعيا أن يسبق الفرس غيرهم في غض الطرف عن كراهية الإسلام له، ولم يكن بد من أن يغض سائر المسلمين الطرف عنها حين يختلطون بالروم أو بالفرس، وحين تسود بلاط ملوكهم روح دنيوية، ومدنية متأثرة ببيزنطة أو إيران، وحين تنمو الثروة وتزدهر الفنون؛ ولكن بالرغم من ذلك كله ظل المصورون مكروهين من رجال الدين، وظل النقش والتصوير بعيدين عن المساجد، وما يدخل فيها، أو في الأدوات المستعملة بها من زينة وزخارف.
4
Bilinmeyen sayfa