23
وقد كتب أبو شامة
24
في مؤلفه «كتاب الروضتين في أخبار الدولتين» نبذة عن بيع الكتب من الخزانة الفاطمية في بداية عصر صلاح الدين، فنقل عن عماد الدين الأصفهاني أن بيع الكتب في القصر كان له يومان في كل أسبوع، وكانت الكتب تباع بأرخص الأثمان، وبعد أن كانت خزانتها في القصر مرتبة مفهرسة قيل للأمير بهاء الدين قراقوش متولي القصر وصاحب الأمر والنهي فيه: إن هذه الكتب قد عاث فيها العث ولا بد من تهويتها، وإخراجها من الرفوف إلى أرض الخزانة، وكان هذا الوزير «تركيا لا خبرة له بالكتب ولا درية له بأسفار الأدب»، بينما كان هذا الطلب حيلة مدبرة من تجار الكتب، يريدون بها تفريق المؤلفات وتوزيع أجزائها وخلط أنواعها ومزج بعضها ببعض، فتم ذلك واختلطت كتب الأدب بكتب النجوم، وكتب الشرع بكتب المنطق، وكتب الطب بكتب الهندسة، والتاريخ بالتفسير، والكتب المجهولة بالكتب المشهورة. وكان في خزانة الكتب مؤلفات يشتمل كل كتاب على خمسين أو ستين جزءا مجلدا، إذا فقد منها جزء لا يخلف أبدا؛ ففرق الدلالون هذه الأجزاء لتقل قيمة الكتب وتباع بأبخس الأثمان؛ بينما كانوا يعرفون مواضع أجزائها ويستطيعون جمع شملها بعد شرائها، وكان بعضهم يتشاركون في إتمام ذلك ثم يبيعون الكتب بعد ذلك بأضعاف الثمن الذي دفعوه فيها.
25
ومهما يكن من شيء فإن المعروف أن القاضي الفاضل أسس المدرسة الفاضلية سنة (580ه/1184م)، ووقفها على طائفتي الفقهاء الشافعية والمالكية، واشترى لها ألوفا من الكتب التي كانت تباع من خزائن الفاطميين، حتى بلغ ما في هذه المدرسة من الكتب نحو مائة ألف مجلد، كان مصيرها إلى الضياع، وسبب ذلك كما يقول المقريزي: «أن الطلبة التي كانت بها لما وقع الغلاء بمصر في سنة أربع وتسعين وستمائة والسلطان يومئذ الملك العادل كتبغا المنصوري مسهم الضر، فصاروا يبيعون كل مجلد برغيف خبز حتى ذهب معظم ما كان فيها من الكتب.»
26
ولسنا نظن أننا في حاجة إلى أن نكرر أن ما وقع في عصر صلاح الدين لما بقي في خزانة الكتب الفاطمية كان مقصودا به محاربة المذهب الشيعي قبل كل شيء،
27
ولعل أكثر الكتب التي بيعت أو استولى عليها المقربون إلى صلاح الدين، وأمكن إنقاذها كانت من المؤلفات العلمية أو الأدبية التي لا تمت إلى مذهب الشيعة بأدنى صلة.
Bilinmeyen sayfa