ومما يدل على ازدهار صناعة الفخار عامة في العصر الفاطمي ما كتبه هذا الرحالة الفارسي عن استخدام التجار والبقالين الأواني الخزفية، فيما يستخدم فيه التجار الورق في العصر الحاضر؛ فقد كانوا يضعون فيها ما يبيعونه، ويأخذها المشترون بالمجان.
وعلى الرغم من ازدهار تلك الصناعة، فإن من الصعب أن نجزم بأن نماذج الخزف ذي البريق المعدني التي نجدها في أطلال الفسطاط، أصلها كلها من صناعة الفخاريين المصريين؛ إذ قد يكون من المحتمل أن بعضها صنع في سورية، أو استورد من العراق. وعلى كل حال فإننا نميز طينة فخار الفسطاط بأنها ناعمة وهشة وسميكة ومائلة إلى الاحمرار، وفضلا عن ذلك فإننا نرى أن الخزف ذي البريق المعدني في سورية أحدث عهدا منه في مصر، ونعتقد أن الفنانين المصريين هم الذين أدخلوا صناعته في سورية، وأن هذه الصناعة ازدهرت فيها كما ازدهرت في إسبانيا، بينما كان حريق الفسطاط سنة (564ه/1068) وسقوط الدولة الفاطمية إيذانا باندثار هذه الصناعة في وادي النيل، ولعل أخلاق صلاح الدين وبعده عن الترف واشتغاله بالحروب الصليبية، نقول لعل ذلك كله يفسر بعض التفسير ما نذكره من اندثار صناعة الخزف ذي البريق المعدني بعد سقوط الفواطم.
ومهما يكن من شيء فإن عصر الفاطميين في مصر شاهد تطور صناعة الخزف ذي البريق المعدني تطورا يكاد يؤدي بها إلى غاية في الجمال والإتقان، ولولا ما نعرفه من وجوه الآنية والفضة والذهب عند الفاطميين لقلنا إنهم كانوا يكتفون بتلك الآنية المذهبة ويتجنبون استخدام الآنية الفضية والذهبية التي كانت مكروهة في الإسلام كما كان الأمر في بعض أنحاء العالم الإسلامي.
ومهما يكن من شيء فقد كانت الأواني الفاطمية تدهن بطلاء أبيض أو أبيض مائل إلى الزرقة أو الاخضرار، وتعلو هذا الدهان الرسوم ذات البريق المعدني الذي كان في الأغلب ذهبي اللون، وكان أحيانا أحمر أو أسمر، أما الزخارف فكانت من الحيوانات والطيور والفروع النباتية.
وعلى الرغم من أن المعروف في الفنون الشرقية أن الفنانين لم تنم شخصياتهم ولم يفطنوا إلى حقهم في الافتخار بما تصنع أيديهم، وذلك بالتوقيع على منتجاتهم،
179
نقول: على الرغم من ذلك فقد وصل إلينا أسماء بعض الفنانين ممن شذوا عن هذه القاعدة، وكان ذلك على الخصوص في صناعة التصوير بإيران، وفي صناعة بعض أنواع الخزف في عصر المماليك.
180
وكان لعصر الفاطميين نصيب في هذا الميدان؛ فقد وصلت إلينا إمضاءات على قطع من الخزف الفاطمي، يظهر منها أسماء بعض أعلام هذه الصناعة في ذلك الوقت، مثل: مسلم، وسعد، وطبيب علي، وإبراهيم المصري، وساجي، وأبو الفرج، وابن نظيف، والدهان، ويوسف، ولطفي، والحسين، ممن أنقذوا صناعة الخزف المصري من الركود الذي حل بها في عصر الإخشيديين، حين قضي على دقة الصنعة وجمال الزخرفة المعروفين عن الخزف الطولوني، حل محلهما كبر في حجم الأواني، وفي نسبة زخرفتها، التي كان أكثرها من الفروع النباتية وأوراق الشجر المدببة، والتي لم يكن بينها في أكثر الأحيان التناسق والتناسب اللذان نراهما في الخزف الطولوني أو في الخزف الفاطمي.
وعلى كل حال فإننا لا نستطيع أن نعرف في شيء من الثقة متى عاش أولئك الخزفيون الفاطميون، ومن الذي كان منهم أقدم من غيره. وقد قام بين فئة من المشتغلين بالآثار بعض الجدل بهذا الشأن، دون أن يستطيع أحد أن يثبت ببراهين قاطعة ما يراه فيه.
Bilinmeyen sayfa