وتطورت هذه الصناعة في سبيل التقدم والرقي بعد أن ساد الإسلام في الشرق الأدنى وعلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط. ولعل كثرة العناصر التي قامت عليها صناعة الخزف في الإسلام سبب ما نراه في دراسته من صعوبة، وما يكتنف بعض مسائلها من إبهام وغموض.
وحسبنا أن نشير إلى مسألة الخزف ذي البريق المعدني
Lustre
واختلاف الآراء في نشأته؛ فمن قائل: بأنه نشأ في مصر ومدل بحججه في هذا الميدان، إلى آخر يفند هذه الحجج ويقول بأن الفخاريين العراقيين هم الذين كشفوا سر هذه الصناعة، إلى ثالث يرى في إيران مهدها وموطنها. وقد عرضنا لهذا الموضوع في كتابنا الفن الإسلامي في مصر؛
173
ولاحظنا أننا لا نملك أي دليل على وجود أي خزف ذي بريق معدني في الفسطاط قبل القرن الثالث الهجري، ولا سيما قبل العصر الطولوني، وقلنا: إننا نميل إلى أن ننسب إلى العراق نشأة الخزف المذكور، وإننا نظن أن صناعته نقلت إلى مصر على يد أحمد بن طولون.
ومهما يكن من شيء فإن أنواع الخزف التي سادت صناعتها في العصر الفاطمي لم تكن وليدة هذا العصر؛ بل مهدت لقيامها القرون السابقة، وكان قدوم أحمد بن طولون إلى وادي النيل باعثا على ازدهار الفنون الإسلامية في مصر، وتأثرها بالأساليب الفنية العراقية فنمت صناعة الخزف ذي البريق المعدني،
174
حتى جاء العصر الفاطمي فكانت راسخة القدم، وأتيح للخزفيين الفاطميين أن ينتجوا من الأواني ما ذاعت شهرته، وأعجب به المعاصرون - وعلى رأسهم ناصر خسرو - إعجابنا بما وصلنا منه. وإن يكن مما يؤسف له أن النماذج السليمة التي نعرفها منه نادرة جدا؛ فإن جل ما نعرفه منه وجد في أطلال مدينة الفسطاط التي كانت عامرة في عصر الفاطميين، قبل أن يأمر الوزير شاور سنة (564ه/1168م) بحرقها، حتى لا تقع في يد الصليبيين حين تدخلوا فيما كان بين وزراء الفواطم من نزاع ومنافسات.
175
Bilinmeyen sayfa