عقب عامين عصيبين من الحملات على فرثيا ثم أرمينيا، انتصر أنطونيو في النهاية، وأحضر ملك أرمينيا المهزوم معه إلى الإسكندرية وقدمه إلى كليوباترا (يوسيفوس، «آثار اليهود القديمة» 15، 4. 3. 104). ارتدى أنطونيو لهذا الموكب زي ديونيسوس، في إشارة واضحة إلى بطليموس الثاني عشر الذي أظهر نفسه على أنه ديونيسوس الجديد. يشير عدد من الكتاب إلى هذا الحدث، الذي وقع في معبد سيرابيس. استقبلت كليوباترا ضيوفها وهي تجلس على عرش من الذهب (بلوتارخ، «حياة أنطونيو» 50؛ ديو
XLIX 41. 1 ). ثم أقيم احتفال آخر، وهو حدث أصبح يعرف باسم عطايا الإسكندرية . أقيم هذا الاحتفال في ساحة عامة أكبر وهي ملعب الألعاب الرياضية. في وصف بلوتارخ («حياة أنطونيو» 50) يقول للقارئ إن ملك أرمينيا المهزوم أرسل إلى الإسكندرية من أجل كليوباترا ومصر؛ مما يشير إلى أن نفوذ كليوباترا كان له تأثير أوسع نطاقا بكثير.
ذكرنا بالفعل عطايا الإسكندرية عند الحديث عن تشبه كليوباترا بالإلهة إيزيس. توجد روايتان لهذا الحدث في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» 54. 5-9، وكتاب ديو «التاريخ الروماني» 49. 40. 2-41. 4 (جونز 2006: 115-117). أقيم هذا الاحتفال عقب انتصار أنطونيو في حملته على أرمينيا واستخدمه المؤلفون الرومان بهدف إظهار زيادة تطبع مارك أنطونيو بالطبع «الشرقي»؛ إذ لم يكن أسلوب الاحتفال هو الأسلوب الروماني المعتاد في الاحتفال بالانتصار العسكري. الأهم من هذا أن هذه الفقرات التي تصف الحدث في هذه الكتب تثبت عدم ارتباط أنطونيو بروما؛ حتى إن بلوتارخ يقول الأمر نفسه في تعليقه على الاحتفال.
يقول بلوتارخ إن الاحتفال الرئيسي أقيم في ملعب الألعاب الرياضية، حيث وضعت منصة من الفضة عليها عرشان من الذهب لكليوباترا وأنطونيو، وعروش أصغر حجما للأطفال. قدم أنطونيو كليوباترا بوصفها ملكة مصر وقبرص وليبيا ووسط سوريا، وبطليموس الخامس عشر على أنه شريكها في الحكم. حصل ألكسندر هيليوس على أرمينيا وميديا وفرثيا. وحصل بطليموس فيلاديلفوس على فينيقيا وسوريا وقيليقية. يقول بلوتارخ أيضا إن ابني أنطونيو حصلا على لقب ملك الملوك. كان البطالمة يرتدون زيا مناسبا لهذه المناسبة؛ فقد كانت كليوباترا ترتدي زي إيزيس وتحمل لقب إيزيس الجديدة، وكان ألكسندر هيليوس يرتدي غطاء الرأس المميز لأهالي منطقة ميديا، وبطليموس فيلاديلفوس يرتدي حذاء الجندي طويل الرقبة، وعباءة وقبعة من الصوف وتاجا إشارة إلى أسلافه المقدونيين. لم تذكر كليوباترا سيليني في هذا الموضع، ونص الفقرة كالتالي (53):
بعدما امتلأ الملعب بحشد من الناس ووضع على منصة من الفضة عرشان من الذهب، أحدهما لأنطونيو والآخر لكليوباترا، وعروش أخرى أصغر حجما لأبنائه، أعلن أنطونيو أولا: أن كليوباترا هي ملكة مصر وقبرص وليبيا وسوريا الجوفاء، وتتشارك في حكمها مع بطليموس قيصر. هذا ويوجد اعتقاد بأن بطليموس قيصر هو ابن قيصر الراحل، الذي ترك كليوباترا حاملا به. وثانيا: أعطى لأبنائه من كليوباترا لقب ملوك الملوك، وخصص لألكسندر أرمينيا وميديا وفرثيا (حين يتم إخضاعها)، وأعطي لبطليموس فينيقيا وسوريا وقيليقية، وفي الوقت نفسه قدم ولديه؛ ألكسندر مرتديا زي ميديا، الذي يشمل تاجا وغطاء رأس عموديا، في حين ارتدى بطليموس حذاء طويل الرقبة وعباءة قصيرة وقبعة واسعة الحافة محاطة بإكليل؛ فقد كان هذا الزي هو زي الملوك الذين جاءوا بعد الإسكندر، بينما كان الزي الأول زي أهالي ميديا وأرمينيا. وبعدما احتضن الولدان والديهما حصل أحدهما على حارس شخصي أرمني وحصل الآخر على حارس مقدوني. (ترجمة ثاكري، طبعة لوب)
في رواية ديو نجد أن الملك الأرمني وأسرته أحضروا إلى كليوباترا، التي كانت تجلس على عرش من الذهب فوق منصة من الفضة. وعقب هذا العرض أقام أنطونيو مأدبة لأهالي الإسكندرية وكليوباترا وأطفالها وجلس معهم. وفي خطابه أعلن كليوباترا ملكة الملوك، وبطليموس الخامس عشر ملك الملوك. وأعطى لكليوباترا وابنها حكم مصر وقبرص. وأعطى إلى أصغر أبنائه، بطليموس فيلاديلفوس، حكم سوريا وكافة أراضي وادي نهر الفرات حتى مضيق الدردنيل. حصلت كليوباترا سيليني على ليبيا وبرقة، وأخيرا حصل ألكسندر هيليوس، توأمها، على أرمينيا والأراضي الموجودة على طول نهر الفرات حتى الهند.
كانت المشكلة، كما يشير ديو، أن هذه الأراضي لم تكن ملك مارك أنطونيو ليهبها. أشار بعض الباحثين إلى أن عطايا الإسكندرية كانت مجرد عرض وأنه فعليا لم يحصل أي فرد على أية أراض (شوفو 2002: 60). ومع ذلك توجد في النص التاريخي بعض السمات التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة؛ فقد غضب مجلس الشيوخ الروماني عند سماع أخبار هذه العطايا (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 55)، ويبدو أن تفاصيل محتوى هذا الاحتفال استخدمت في هذا السياق من أجل التأكيد على طبيعته التي اتسمت بالتباهي.
في رواية بلوتارخ جلس الأطفال، بما فيهم بطليموس الخامس عشر، على عروش أصغر حجما تحت عرشي كليوباترا وأنطونيو. أما في رواية ديو تتميز كليوباترا عن الآخرين بجلوسها على عرش. إذا كانت الروايات دقيقة فإن كليوباترا تلعب دورا مختلفا تماما عن ذلك الذي يظهر على نقوش المعابد المصرية البارزة التي يظهر فيها بطليموس الخامس عشر؛ ففي دندرة يسيطر الحاكم الشاب على المشاهد التي تظهره في موقعه عندما تكون معه والدته بالإضافة إلى ظهوره وحده عادة على الجدران الداخلية. يقول ديو إن ألقاب ملكة الملوك وملك الملوك منحت إلى الملكة وابنها، وهو ما يتفق أكثر مع الصور التي عثر عليها في المعابد. ومع ذلك، يقول بلوتارخ إن لقب ملك الملوك لم يمنح إلا لأبناء مارك أنطونيو. ويمكنني توقع أن كليوباترا سيليني حصلت على بعض الأراضي، كما جاء في رواية ديو، لكن كان هذا أمرا غير مسبوق حتى بمعايير البطالمة؛ ففي المجتمعات القديمة كان بالطبع يفترض بالنساء الزواج والانتقال إلى دولة أزواجهن. ربما كانت الأمور ستختلف إذا كان بطليموس قيصر بنتا، وربما كانت كليوباترا عندها ستحكم مع ابنتها. كانت تلك ستصبح مشكلة مثيرة للاهتمام تحتاج إلى حل. لعب أنطونيو طوال العرض دور حاكم دولة أجنبية. لا يرد في أي موضع في المصادر التاريخية أي ذكر لحكمه لمصر، وفي الواقع كان يتصرف، على حد قول ديو، باسم يوليوس قيصر.
يقال إنه تمثالين لألكسندر هيليوس بالرداء الشرقي ما زالا موجودين (ووكر وهيجز 2001: 250-251، رقم 270). يظهر التمثالان شابا يتمتع بوجه ممتلئ مستدير شبهه البعض بالوجه الذي يظهر في صور الإمبراطور نيرو (هيرمان 1988: 288-293)، لكنه لا يختلف كثيرا عن صور بطليموس الثامن، خاصة فيما يتعلق بوجود الوجه الممتلئ والذقن الممتلئ المستدير والعينين القريبتين إحداهما من الأخرى. يعتبر التمثالان كبيرين حجما بالنسبة للتماثيل المصنوعة من سبيكة نحاسية؛ أحدهما يوجد حاليا في متحف متروبوليتان ويصل ارتفاعه إلى 64 سنتيمترا. يرتدي الطفل نوعين مميزين من الملابس؛ غطاء رأس على شكل هرم وبنطالا طويلا على الطراز الذي يرتديه الفرس عادة في الفن الإغريقي. ومع ذلك، لا يوجد شيء محدد يمكن من خلاله تحديد هوية هذا التمثال على أنه تمثيل لألكسندر هيليوس في زيه الشرقي في أثناء الحفل.
يقول يوسيفوس («آثار اليهود القديمة» 15. 4. 1. 88-95) إن أنطونيو أعطى كليوباترا المدن التي تقع بين النهر الكبير الجنوبي (إليوثروس) ومصر باستثناء مدينتي صور وصيدا، اللتين تعرفان أنهما كانتا حرتين منذ عهد أسلافه، رغم «أنها طالبت بشدة بالحصول عليهما» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). في 4. 4. 106 يرد ذكر هيرودس مرة أخرى وهو يمدح كليوباترا التي كان عليه استئجار أرضه منها. وعند ذكر أن هيردوس كان سيعرض نفسه لخطر إذا لم يفعل ذلك فإن هذا لا يشير إلى سلطة الملكة فحسب وإنما إلى تأييد أنطونيو لها وبالتالي الرومان. (6) عملات كليوباترا وأنطونيو في الخارج
Bilinmeyen sayfa