شكر وتقدير
مقدمة المؤلفة
1 - كليوباترا: جميلة سمراء؟
2 - المصادر
3 - ابنة ملك وأخت ملك وزوجة ملك عظيمة
4 - كليوباترا: الحاكمة، الفرعون، الوصية على العرش
5 - عاصمة كليوباترا وبلاطها
6 - كليوباترا الإلهة
7 - كليوباترا ومارك أنطونيو والشرق
8 - وفاة ملكة وميلاد إلهة
Bilinmeyen sayfa
9 - تراث كليوباترا
مراجع
شكر وتقدير
مقدمة المؤلفة
1 - كليوباترا: جميلة سمراء؟
2 - المصادر
3 - ابنة ملك وأخت ملك وزوجة ملك عظيمة
4 - كليوباترا: الحاكمة، الفرعون، الوصية على العرش
5 - عاصمة كليوباترا وبلاطها
6 - كليوباترا الإلهة
Bilinmeyen sayfa
7 - كليوباترا ومارك أنطونيو والشرق
8 - وفاة ملكة وميلاد إلهة
9 - تراث كليوباترا
مراجع
كليوباترا ملكة مصر
كليوباترا ملكة مصر
تأليف
سالي-آن أشتون
ترجمة
زينب عاطف
Bilinmeyen sayfa
مراجعة
نيڤين عبد الرؤوف
إهداء إلى والدي: جاكي وروبن أشتون.
شكر وتقدير
أود أن أتوجه بالشكر إلى روبن أشتون وإيان بلير وسوزان طومسون؛ لقراءتهم المسودة المبدئية للكتاب، ولمحاولتهم فهمها. أشعر بالامتنان أيضا لكل من إيمانويل دي سيلفا الثاني وماري هامر اللذين علقا على المسودات الأولى للفصل الأول. هذا وقد تحسنت النسخة النهائية كثيرا نتيجة لمناقشاتي مع كل منهما. كذلك أوجه جزيل شكري إلى دوروثي طومسون التي علقت على محتوى الكتاب وترتيبه النهائي، وعلى تشجعيها لي أيضا. وأعترف بأن أي أخطاء متبقية هي مني أنا.
أتوجه بالشكر أيضا لأيمن وهبي طاهر؛ لمساعدتي بما لديه من معرفة عن معبد حتحور في دندرة، ولقضائه وقتا في إطلاعي على الكم الهائل من المعلومات الموجود هناك، خلف الحائط الجنوبي. تناقشت كثيرا مع بوب بيانشي حول كليوباترا وأحب أن أعرب ها هنا عن تقديري لتلك المناقشات، إلى جانب ما ورد من إشارات بسيطة إليه داخل النص. وأتوجه له بجزيل الشكر على أفكاره بشأن مخطط البناء في معبد دندرة، التي يظهر بعض منها في النص.
أخيرا، أريد أن أشكر آل برتراند من دار نشر بلاكويل على صبره معي وتشجيعي طوال هذا المشروع.
مقدمة المؤلفة
كان هدفي من هذا المشروع محاولة العثور على كليوباترا «الحقيقية»، بيد أنني أدركت فيما بعد وفهمت أن ما كنت أعنيه بكليوباترا «الحقيقية» هو رؤيتي «الخاصة» لكليوباترا. بالطبع سيظهر أسلوب عرضي لهذه الملكة نقاط ضعفي وقوتي ككاتبة وباحثة . ومع ذلك، آمل أن يقدم هذا الكتاب طريقة مختلفة لدراسة شخصية مألوفة لدى كثير من القراء. أعتقد أن نقاط قوتي تتمثل في كوني مؤرخة وعالمة آثار متخصصة في الفن الكلاسيكي وعالمة مصريات؛ ولذلك اعتمدت بشدة على تفسيرات هذه المصادر لمحاولة فهم الأسلوب الذي عرضت به كليوباترا. عندما بدأت الكتابة نويت ألا أعتمد على السجلات الرومانية كمصدر أساسي للأدلة، كما فعل آخرون في الماضي؛ من أجل تقديم سرد تاريخي منظم لحياة كليوباترا. لكني سرعان ما أدركت أن الإشارة إلى هذه المصادر كانت ضرورية من أجل ملء كثير من الفجوات الموجودة في الأدلة الأثرية والوثائقية الشحيحة من مصر في عهدها. لقد حاولت أن أضع في ذهني دوما حقيقة أن هذه المصادر متحيزة وأن دقتها موضع شك في كثير من الأحيان. حاولت أيضا استخدام المصادر المصرية كإطار عام أبني عليه وأنمقه بدلا من محاولة جعل الأدلة الأثرية تضاهي النصوص الرومانية.
لقد تغير ترتيب الكتاب عدة مرات بناء على مدى تعقيد المصادر الأثرية والشخصيات المختلفة التي تقمصتها كليوباترا في مصر، والتي كانت تتغير مع تغير زوجها، وحسب الجوانب المختلفة لدورها كحاكمة مصرية والجمهور الذي تستهدفه في العالم القديم الواسع. لقد درست كليوباترا لما يقرب من عشر سنوات واكتشفت أنني كلما تعمقت أكثر في تاريخها، زاد تعقيد ما أكتشفه عن شخصيتها. إن شخصية كليوباترا التي سأعرضها ليست بسيطة على الإطلاق ولا يسهل وصفها، لكنها تظل، كما أرجو، امرأة ذات شخصية ملهمة.
Bilinmeyen sayfa
سالي-آن أشتون
كامبريدج، 2007
الفصل الأول
كليوباترا: جميلة سمراء؟
(1) رؤية القرن الحادي والعشرين
يطرح على أي دارس لتاريخ كليوباترا عادة سؤالان، هما: «أكانت كليوباترا جميلة؟» و«هل كانت سمراء؟» وعادة ما يطرح السؤال الثاني بصيغة تعبر عن تحيز أوروبي واضح؛ نحو: «لم تكن كليوباترا سمراء، أليس كذلك؟» على الرغم من أن هذين السؤالين تسيطر عليهما توقعات حديثة، فإنهما يرتبطان بكليوباترا بوصفها شخصية تاريخية ويستحقان إعطاءهما المزيد من الاهتمام في سياق هذا الكتاب.
يمكن الإجابة ببساطة عن هذين السؤالين عن كليوباترا بأننا لا نعرف هل كانت كليوباترا جميلة وسمراء، أم بيضاء وغير جذابة، أم مزيجا من أي من هذه المفاهيم الحديثة. نحن لا نملك جثمانها حتى نحدد العرق الذي كانت تنتمي إليه عبر تحليل الحمض النووي، ورغم ذلك، يجب ألا تمنعنا هذه الحلقة المفقودة من رؤية هذه الملكة على أنها شخصية أفريقية بارزة، وفي الواقع تؤيد الأدلة الأثرية المتبقية فكرة أن كليوباترا كانت تعتبر نفسها مصرية. كليوباترا بالطبع من أصل يوناني مقدوني، لكنها عندما اعتلت العرش عام 51 قبل الميلاد كانت أسرتها تعيش في مصر منذ 272 سنة. بالإضافة إلى هذه الحقيقة نحن لا نعلم هوية جدة كليوباترا، التي يرجح احتمال أنها كانت محظية أكثر من كونها زوجة رسمية، ومؤخرا بدأ التشكيك في هوية والدة كليوباترا (هس 1990).
إن الهدف من هذا الكتاب هو وضع كليوباترا في سياق حياتها في مصر والنظر إليها باعتبارها أحد حكام مصر، وليس على أنها حاكمة إغريقية. إن إعادة ترتيب الأفكار لتتناسب مع أسلوب التفكير هذا - بعيدا عن المصادر الرومانية المكتوبة التي يعتمد عليها الناس عادة - تطرح قضايا مشابهة للسؤال عن كون كليوباترا ملكة أفريقية. والهدف من هذا الفصل هو دحض وجهات النظر الأوروبية التقليدية عن كليوباترا.
ترسخت هوية كليوباترا بوصفها مصرية، وليست إغريقية، بوضوح في أثناء حياتها، فعقب وفاتها مباشرة وصف المؤرخ سترابو الملكة بأنها «المصرية» («الجغرافيا» 13. 1. 30). في هذا الموضع يصف سترابو إغارة أنطونيو على أحد المعابد من أجل الحصول على تمثال أحد الأبطال الإغريق وتماثيل بعض الآلهة من أجل إرضاء «المصرية». هذا وقد وصف المؤرخ الروماني لوسيوس أنيوس فلورس في القرن الثاني الميلادي كليوباترا بأنها «تلك المصرية» («الحروب» 2. 21. 1-3؛ وجونز 2006: 106). (2) شخصية أفريقية بارزة
يثير موضوع الانتماء العرقي لكليوباترا جدلا واسعا وعادة ما يستبعد من الدوائر الأكاديمية. شهدت بالمصادفة مثالا على إحدى هذه المناقشات بين زوار متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك في صيف عام 2006. أحد أكثر معروضات المتحف فخامة ومهابة هو معبد دندور الصغير، ويحتوي هذا المعبد على نقوش من نصوص وصور تتعلق بالإمبراطور الروماني أغسطس. درست هذا المعبد عدة مرات خلال زياراتي السابقة للمتحف، لكني كنت أولي اهتماما كبيرا بالنقوش المحفورة في ضوء الإعداد لموضوع هذا الكتاب. وبينما كنت أفحص الجزء الخارجي من المعبد وقف أب وأبناؤه بالقرب مني. قال الرجل - الذي اتضح من لكنته أنه أمريكي ومن الحوار الذي جرى أن له أصولا يونانية - لأبنائه إنهم سيخبرونهم في المدرسة أن المصريين هم أجداد الأمريكيين من أصل أفريقي لكن هذا ليس صحيحا. ثم سأل أطفاله إذا كانوا يرون أن صور الأشخاص على جدران المعبد تشبه الأمريكيين من أصل أفريقي، فهز الأطفال رءوسهم معبرين عن اتفاقهم مع ما يقوله والدهم، الذي أضاف إنه يجب عليهم تذكر أن كليوباترا كانت ملكة مصر وأنها كانت إغريقية، تماما مثل أجدادهم. قدم هذا الرجل معلومات خاطئة على صعيدين؛ أولا: يرجع تاريخ هذا المعبد إلى أوائل العصر الروماني؛ لذا كيف يمكن لصور الأشخاص أن تبدو مثل الأفارقة؟ وثانيا: لم تكن كليوباترا إغريقية فقط.
Bilinmeyen sayfa
أنا لست من أصول أفريقية؛ لذا لا يمكنني فعليا أن أفهم فهما كاملا أهمية ادعاء أن كليوباترا كانت ملكة أفريقية. لقد حظيت بفرصة العمل مع عدد كبير من أعضاء مجتمعات البريطانيين من أصل أفريقي كاريبي، الذين يشتركون في وجهات نظهرهم عن علاقة كليوباترا بأفريقيا وبالتراث الثقافي الأفريقي. لا يمكننا إنكار أن كليوباترا كانت ملكة لإحدى الدول الأفريقية. تقع مصر في قارة أفريقيا ويعتقد كثير من الأفارقة من جميع أنحاء القارة أن مصر هي جزء من تراثهم الثقافي (أوكونور وريد 2003: 1-23).
لا يعتبر كثير من المصريين في عصرنا الحالي أنفسهم جزءا من أفريقيا، وإنما ينظرون إلى كليوباترا على أنها أحد الملوك المصريين، وتظهر بوصفها مصرية على العديد من المنتجات المتنوعة بداية من العلامة التجارية المحلية للسجائر والخمر، وحتى محطات الترام والقطار المحلية (ووكر وأشتون 2006: 23-27).
بصرف النظر عن درجة لون بشرة كليوباترا، فإن أدلة قوية من حياتها في مصر تشير إلى رغبتها في أن ينظر إليها على أنها مواطنة مصرية في موطنها الأصلي وأنها أهملت تراثها الإغريقي لصالح تقاليدها (المصرية) الأصلية. وقد تعرض الباحثون الذين شككوا في انتماء كليوباترا الثقافي لليونان ودعموا تراثها المصري (والأفريقي بالتبعية) إلى الازدراء في أفضل الحالات، وفي أسوأ الحالات اتهموا بأن حجتهم غير علمية نتيجة لتأثرهم بهويتهم الثقافية. ويرجع ذلك إلى أن قلة من الباحثين البيض اهتموا بالنظر إلى أهمية كليوباترا باعتبارها نموذجا أسمر وشخصية سمراء بارزة. كتبت باحثة أمريكية سمراء في مجال الأدب الكلاسيكي ما يلي: «إنها [كليوباترا] تعبر عن التاريخ المزدوج للنساء السمر المعاصرات من القمع والكفاح للبقاء على قيد الحياة» (هيلي 1993: 29). تحكي هيلي، بصفتها امرأة أمريكية سمراء، عن تشكيكها في التراث الثقافي الشفهي الأمريكي الأفريقي الذي يعتبر كليوباترا امرأة سمراء (1993: 28-29 والنقطة رقم 4). فعادة ما يشكك في دوافع الأكاديميين السمر الذين يستقون من هويتهم الثقافية من قبل من لا ينطبق عليهم مثل هذا الوضع. فيبدو أن ثمة شكا متأصلا في أولئك الذين يعتقد في وجود دوافع خفية لديهم تتعلق بالأقليات، حتى إن بعض النقاد حاولوا العثور على مبررات لما يمكن اعتباره وجهة نظر فردية متطرفة (بيرنال 2001: 206-208).
تظهر حقيقة أن علينا الدفاع عن مجرد احتمال ارتباط كليوباترا بأفريقيا في حد ذاتها مدى تغلغل المركزية الأوروبية في المفاهيم الأساسية للدراسات الكلاسيكية وعلم المصريات. ومع ذلك علي أن أتساءل هل نحن الأوروبيين حريصون على ضم حكام الأسرة 26 المصرية ضمن سياق التاريخ الكلاسيكي، وذلك عندما استقر الإغريق في ناوكراتيس؟ بالطبع لا؛ فإن هذا أمر مناف للعقل. لا توجد حاجة بوجه عام للدفاع عن تراث كليوباترا الأوروبي، حتى إن لم تهتم الملكة كثيرا بإظهار هذا الجانب في شخصيتها (أشتون 2003د: 25-30).
زعم دارسو التاريخ الكلاسيكي أن انتماء كليوباترا للإغريق يمكن أن يتضح من اسمها، وأن لها أصولا مقدونية، وأن أسرتها فرضت نفسها على مصر، وأن تحدثها اللغة المصرية كان بطلاقة، كما يرد في الروايات، لم يجعلها مصرية (ليفكوويتز 1996: 4). يبدو أن جزءا من المشكلة يكمن في عدم قدرة كثير من هؤلاء الدارسين على فهم أو تفسير الجانب المصري من شخصية كليوباترا؛ فهم لا يستطيعون قراءة النصوص، وكل الصور تبدو متشابهة في أعينهم التي تدربت على النموذج الأوروبي التوجه، وحتى عند شرح الاختلافات لهم، تستبعد الأدلة التي تشير إلى مصريتها وتفسر على أن كليوباترا كانت تعبر عن ولائها المصطنع للدولة التي كانت تحكمها. لا تقتصر هذه المشكلة على كليوباترا فحسب؛ ففي الواقع، تجاهل دارسو التاريخ الكلاسيكي لسنوات طويلة الجوانب المصرية لحكم البطالمة في مصر، وقدموا شرحا خاطئا بالغ التحيز لتلك الفترة بوجه عام. أدرك كثيرون أن هؤلاء الدارسين أقل كفاءة عند دراستهم لموضوع منقسم فعليا بين ثقافتين مختلفتين تماما، وأدركوا وجود تحيز هلنستي/يوناني (على سبيل المثال، رولاندسون 2003، وطومسون 1988). أسهم هؤلاء الدارسون بمعرفة علمية مهمة في هذا الموضوع وأنا لا أشير للحظة إلى ضرورة إغفال التقليد اليوناني، لكن من الضروري إعادة النظر في توازن هذه المعرفة العلمية. أنا لا ألوم زملائي على هذه المشكلة، وأشعر أن لدي مبررا قويا لإثارة الموضوع بسبب ما تلقيته من تعليم، في البداية كدارسة للتاريخ الكلاسيكي. ترجع هذه الصعوبة بالكامل إلى طريقة تدريس هذا الموضوع في الجامعات، التي تسهل على المرء خداع نفسه باعتقاد أن طريقة تفكيره صائبة. بعد ثلاث سنوات من دراسة الثقافة المادية المصرية واللغات المصرية، اضطررت إلى إعادة كتابة أول فصلين من رسالة الدكتوراه. في البداية، لم آخذ بعين الاعتبار سوى رؤية الإغريق للثقافة المادية وفسرت التمثال الذي كنت أدرسه من منظور يوناني. وبجانب التحيز المعتاد، تتجلى حقيقة أن كل شخص يرى الثقافة من خلال ما تعلمه ومن تجاربه الشخصية، رغم ما قد يبذله من جهد لمنع نفسه من فعل ذلك.
إذن، فإن وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا تمتد أيضا إلى دراسة الباحثين الكلاسيكيين لها، الذين أنكر كثير منهم شخصيتها المصرية؛ فحتى وقت قريب كان كثير من الناس يرون أن الصورة الإغريقية لكليوباترا هي السائدة (كلاينر 2005: 138-139). يبدو من غير اللائق إذن أن تغفل رويستر (2003)، التي تنتقد وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا، الهدف من المعرض الذي أقيم في شيكاجو عام 2002 والذي يحاكي المعرض الخاص الذي أقامه المتحف البريطاني تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة». فقد خصص جزء كبير من هذا المعرض لعرض الجانب المصري من شخصية كليوباترا وقدم عددا من الصور المكتشفة حديثا التي تظهر هذه الملكة في صورة مصرية بدلا من صورها الكلاسيكية فقط التي كانت موجودة حتى هذا الحين (أشتون 2001ب). وقد تعرف الباحثون على كليوباترا في هذه الصور من خلال تتبع التغييرات الأسلوبية والتصويرية بدلا من مقارنتها مع «صورها الشخصية» الكلاسيكية التي تظهر على العملات. تشكو رويستر من غياب صورة كليوباترا كشخصية أمريكية أفريقية بارزة من المعرض إلى حد كبير (207-210)، ولها الحق في ذلك، إلا أن شكواها من أن الصور ذات الطابع المصري تعتبر أسلوبية وتتبع المذهب الطبيعي الإغريقي (203)، تكشف عن عدم فهم للتقاليد الفنية القديمة؛ فكليوباترا التي عبر عنها شكسبير أو التي ظهرت في الأفلام الحديثة لا تعبر عن الشخصية الحقيقية لكليوباترا.
بعيدا عن الرأي الزاعم بأن كليوباترا ذات أصل أفريقي جزئي على الأقل وعليه يمكن اعتبارها جزءا من ثقافة أصحاب البشرة السمراء وتاريخهم، يوجد بعد آخر يتجاهله عادة أصحاب التوجه الأفريقي يمكنه، في رأيي، أن يدعم قضيتهم، خاصة إذا اعتبرنا مصر جزءا من الحضارة الأفريقية الأكثر اتساعا. فقد ظهرت كليوباترا على أنها مصرية في مصر، وفي روما في مناسبة واحدة على الأقل. وكما ذكرنا، كثيرا ما أشار المؤرخون الرومان إلى أن كليوباترا مصرية، ولم تكن تلقى ترحيبا على الإطلاق في الثقافة الأوروبية التي تمثلها روما؛ في الواقع كانت منبوذة.
يضعف الباحثون ذوو التوجه الأفريقي قضيتهم من خلال استخدامهم حججا ضعيفة من أجل دعم قضية ظهور كليوباترا في صورة مصرية رغم كونها قضية قوية بالفعل. أحد الأمثلة على هذه الحجج أن شكسبير وصف كليوباترا بأن بشرتها «سمراء مائلة إلى الصفار»؛ إذن فقد كانت سمراء (كلارك 1984: 126-127). في الواقع لا يهمنا وصف شكسبير لكليوباترا؛ لأنه لم يكن معاصرا لها. ومع ذلك، فإن مجرد إلقاء نظرة على تماثيل الملكة وصورها يثبت أن اليونان لم يكن لها أي دور فعلي في أسلوب تصويرها في وطنها مصر.
قد لا نجد الكتاب الرومان يشيرون إلى لون بشرة كليوباترا، وهل كانوا سيلاحظون حتى أنها كانت ربع أفريقية ؟ ربما لا. ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لا تقلل من جاذبية كليوباترا للجمهور الأسمر المعاصر، ويجب ألا تقلل. نظرا لمدى قوة الفكرة الزاعمة بأن كليوباترا كانت بيضاء وذات مظهر أوروبي كامل، كثيرا ما تستخدم حجة أخرى ضعيفة من أجل التصدي للتوجه الأفريقي وهي أنه ما دام لم يذكر أي مؤلف أن كليوباترا كانت سمراء، فلا بد إذن أنها كانت بيضاء. على سبيل المثال، كتب ليفكوويتز (1996: 22 رقم 2): «من كانت عشيقة [بطليموس التاسع]؟ نظرا لعدم وجود مصادر تخبرنا بعكس ذلك، فإن الافتراض الطبيعي أنها إغريقية، مثل البطالمة. هذا بالطبع لا يثبت أنها لم تكن أفريقية، لكن لا يوجد دليل على الإطلاق يثبت أنها كانت أفريقية.»
إن التصور الزاعم بأن كليوباترا كانت سمراء تعرض للهجوم على أساس تقبل التراث الشفهي الأمريكي الأفريقي له، وهو ما يطرح مرة أخرى التساؤل حول ما إذا كان في وسعنا النظر إلى التقاليد الرومانية المكتوبة على أنها صالحة وأكثر موثوقية أم لا (بالتر 1996: 352). على الرغم من استشهاد كثير من الدارسين بقلة الأدلة المكتوبة التي تثبت أن كليوباترا كانت سمراء كدليل على نقاء أصلها الأوروبي، فإن ثمة جوانب أخرى غير واضحة بالمثل عن حياتها وشخصيتها ولكنها مقبولة بوجه عام. لقد كان جزء من كليوباترا إغريقيا بالتأكيد، لكن تجدر بنا الإشارة أيضا إلى أن افتراض وجود جزء أفريقي لديها لا يعتمد على محض الخيال وإنما على حقيقة أننا لا نعرف هوية والدة بطليموس الثاني عشر، ومن ثم هوية جدة كليوباترا لوالدها.
Bilinmeyen sayfa
لم يتسبب إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية في مثل هذا الصراع بين أناس يدعون نسبهم إليهم. ربما تكون أكثر النقاط جاذبية في شخصية كليوباترا جمعها بين الثقافتين الأوروبية والأفريقية؛ فقد كانت سيدة من أصل إغريقي، ربما كان لديها جانب مصري في أصولها، اختارت أن تربط نفسها بالثقافة المصرية؛ لذا ربما تمثل لنا نموذجا استثنائيا يحتذى به في مجتمعنا المعاصر. (3) مصر وأفريقيا
ترتبط قضية الهوية الأفريقية لكليوباترا بشدة بقضية كون مصر جزءا من أفريقيا. يعبر هذا عن التناقض بين التاريخ/الهوية السمراء والهوية الكلاسيكية/الأوروبية ويعكس الاستيلاء الأوروبي على الثقافة الأفريقية. تظهر قضية لون بشرة كليوباترا وهويتها العرقية في عدد من الإصدارات التي تتحدث عن تأثير مصر على اليونان وكون مصر جزءا من التراث الثقافي الأفريقي. يميل الباحثون إلى الجدل بشدة لصالح فكرة كون مصر دولة أفريقية أو ضدها (انظر على سبيل المثال العمل الذي حرره ليفكوويتز وماكلين روجرز 1996). وعلى الرغم من سعي كثيرين إلى إنكار هذه العلاقة في حالة كليوباترا، يستخدم آخرون أصولها المختلطة كدليل على أن تلوث هذه الأسرة الحاكمة المقدونية أدى إلى انهيارها (بيانشي 2003: 13).
في أمريكا الشمالية يعتبر بعض الأفراد ممن يحملون أثرا من التراث الأفريقي أنفسهم من السود، ويستخدم مصطلح السود على نطاق واسع في بريطانيا في عصرنا الحالي للإشارة إلى مجتمعات (جنوبية، كما ورد في المصدر) آسيوية (بيرنال 2001: 209). هذا وقد ضم معرض حديث عن الشخصيات السمراء من العصر الفيكتوري (مارش 2006) صورا لأفراد لهم أصول إسلامية. أشار بيرنال إلى أن كلمة أسود تعني للأوروبيين في العصر الحديث «نموذجا لسكان غرب أفريقيا»، في حين تتسم قارة أفريقيا بتنوع شديد، بما في ذلك شمال أفريقيا. أنا أستفيض في الحديث عن هذه النقطة حتى أوضح طريقة تعاملنا مع معاني الكلمات. ومع ذلك من الظلم أن يقول الباحثون إن قضية الهوية الأفريقية في مقابل الهوية الكلاسيكية (الأوروبية) لم تكن موجودة في العصور القديمة؛ فعند تصوير صانع الخزف الأثيني إكسيكياس لأحمس، الخادم المصري لممنون، في القرن الخامس قبل الميلاد، أظهر شكله على أنه أفريقي أسود، بشعر أفريقي الشكل وملامح «أفريقية» مبالغ فيها. وقيل أيضا إن هذا كان إشارة إلى أحد صناع الخزف المنافسين له الذي كان يعمل في أثينا في ذلك الوقت. إذن كان الإغريق يرون المصري على أنه أفريقي. وفي الأدب الإغريقي كان يشار إلى المصريين دوما على أنهم إثيوبيين.
من المهم أيضا إدراك أن الانتماء العرقي لا يتعلق فقط بدرجة لون البشرة أو الثقافة، وإنما أيضا بالاختيار؛ ومن ثم فإن الأطفال ذوي الأصل العرقي المختلط عادة ما يقررون اتباع إحدى الثقافات السائدة، وعادة ما يصبح الأفراد المنحدرون من العرقين الأبيض والأسمر سمرا، ويرجع هذا جزئيا إلى أن المظهر الخارجي (لون الجلد ونوع الشعر) لأبناء الوالدين اللذين يكون أحدهما أبيض اللون والآخر أسمر يكون أقرب عادة إلى مظهر الوالد صاحب اللون الأسمر؛ ولذلك يتعامل معهم المجتمع بأكمله على هذا الأساس. توجد جاذبية كبيرة أيضا لثقافة السمر؛ فيتبع كثير من الناس في بريطانيا في عصرنا الحالي ثقافة السمر أو يقلدونها (في الموسيقى والأفلام)، لكنهم ليسوا من السمر. توجد صورتان مختلفتان تماما لكليوباترا؛ الأولى والسائدة: هي صورتها المصرية، هذا وقد اعتنقت كليوباترا ثقافتها الأصلية بوصفها حاكمة لمصر (فيجب أن نتذكر أنه في وقت اعتلائها للعرش كانت أسرتها قد عاشت في مصر نحو 300 عام). لم تظهر كليوباترا على أنها أوروبية إلا عند إصرار جمهورها على ذلك فقط، ورغم هذا ما زالت أوروبا تنسبها إلى نفسها متجاهلة علاقتها بأفريقيا. (4) كليوباترا كنموذج يحتذى به
قلة قليلة من النساء يضاهين شهرة كليوباترا، أو حصلن على ما حصلت عليه من سلطة؛ ونتيجة لهذا، ينظر كثير من الكتاب المعاصرين إلى كليوباترا على أنها شخصية نسائية بارزة، بينما يبذل آخرون قصارى جهدهم من أجل التقليل من شأن هذا الدور.
إن دور كليوباترا كمثال يحتذى به للنساء يطرح إشكالية مثل كونها رمزا أسمر اللون. يوجد تفسير بسيط لهذه المشكلة، تفسير قد يقدم فهما عميقا لضرورة التعليق على مظهرها الخارجي على حد زعم البعض؛ فقد كانت الغالبية العظمى من كتاب سيرة كليوباترا وبالتأكيد الغالبية العظمى من المؤرخين القدامى الذين تحدثوا عنها في أعمالهم رجالا من أصل أوروبي. سنتحدث في الفصل الثاني عن هذه المشكلة من خلال مقارنة كتاب شمال أفريقيا بنظرائهم الأوروبيين.
إن المؤرخين المعاصرين الذين يدرسون التاريخ الأفريقي والهوية الأفريقية، أو الذين لهم أصول أفريقية، أكثر تعاطفا مع فكرة كون كليوباترا شخصية سمراء بارزة، ربما بسبب معرفتهم بالتراث الشفهي الأمريكي الأفريقي. لا عجب إذن أن تتعامل المؤرخات السيدات بتعاطف أكثر مع الملكة، لا سيما المتخصصات في «أسطورة» كليوباترا، وقد يرجع هذا ببساطة إلى إدراكهن مدى ما حدث لشخصيتها من تشوه بمرور الزمن (هامر 1993 و2003؛ هيوز-هالت 1990).
لا يمكن للمعرفة العلمية التشكيك في كون كليوباترا امرأة مثلما شككت في هويتها الثقافية، لكن بعض العلماء شككوا في مكانة كليوباترا كقدوة للنساء. فيجب ألا تكون كليوباترا شخصية تاريخية معصومة من الخطأ حتى تؤدي هذا الدور، تماما مثلما لا يرتبط مفهومها الشخصي أو المفهوم المعاصر للون بشرتها بتقبلها كشخصية بارزة سمراء اللون. فإذا استطاع بعض أعضاء مجموعتي «أقلية» (ومن بينهما النساء) النظر إلى كليوباترا، إحدى الشخصيات التاريخية الملهمة، على أنها قدوة يحتذى بها، فلم يضايق هذا من لا توجد صلة حقيقية لهم بها؟ أنا لا أقول إن كليوباترا كانت معصومة من الخطأ، بل إنه من الخطأ إنكار الانجذاب المعاصر إليها، والقائم على كونها امرأة أو سمراء أو حتى مصرية. (5) المواقف تجاه الحكام النساء
يذكر بعض الباحثين المعاصرين، عند حديثهم عن سجل إنجازات كليوباترا السابعة كحاكمة، بعض الكوارث الطبيعية مثل انخفاض عدد الفيضانات في الجزء الأول من حكمها على أنها أمثلة على إدارتها السيئة لمصر؛ فقد كتب أحدهم (هازارد 2000: 159) في استنتاج مذهل: «لا تقدم ملكات البطالمة أي أمثلة مضيئة للمؤمنين بالمساواة بين الجنسين إذا حكموا عليهن بقيمتهن للشعوب؛ إذ لم يحسن ظهور تلك الملكات جودة الحكم ووضع بنات جنسهن إلا في أضيق الحدود. وينطبق هذا على وجه الخصوص على الملكة كليوباترا الأخيرة، التي أصبحت حاليا أسطورة أكثر من كونها شخصية تاريخية؛ فقد كان تجاهل كليوباترا الأخيرة لحق أخيها (في الحكم) عام 51، وخدمتها لمصالح رعاتها في روما طوال فترة حكمها، وقتلها لثلاثة من المطالبين بالعرش وتحصيلها لضريبة ضخمة من شعبها؛ من العوامل التي جعلتها أعظم من رفاقها الرجال، لكنها حكمت بقسوة تضاهي أي ملك آخر.»
على الرغم مما يبدو من معاناة بعض المؤرخين المعاصرين مع مفهوم الرمز النسائي القوي، فقد لعبت النساء دورا رئيسيا في مصر منذ عهد الأسرة الأولى، وكانت تشغل بوضوح دورا خاصا قريب الصلة بدور الآلهة ذات النفوذ. تولى حكم مصر حاكمات من النساء، لكن هذا الوضع لم يكن إلا استثناء. في مقال عن نماذج السلطة (النسائية) وفيما يتعلق باعتلاء حتشبسوت للحكم، تحدثت روث عن الظروف التي أحاطت بارتقاء النساء إلى منصب الحاكم الرئيسي (2005: 9-14). فقد وصل كثير من النساء إلى السلطة عقب وفاة زوجها المفاجئة. بينما كانت تتولى أخريات السلطة، لكن دون الحصول على لقب الملك، كوصيات على العرش أو في دور والدة الملك (روث 2005: 10-12). من الواضح أن المصريين كانوا يتقبلون الحاكمات النساء ويتأقلمون معهن، وكان ينظر إلى النساء على أنهن قادرات على حماية مصر، وربما كن يدفن بصحبة أشياء تتعلق بالشجاعة العسكرية (روث 2005: 11). لا يعتبر هذا أمرا مفاجئا إذا نظرنا إلى ربات مثل سخمت، التي تتضمن شخصيتها جانبا خاصا بتقديم الحماية وآخر لشن الحروب.
Bilinmeyen sayfa
يوجد لدى الإغريق إلهة تشبه سخمت ذات رأس اللبؤة؛ وهي أثينا. كان وجود المحاربات في اليونان القديمة مقتصرا على عالم الأساطير؛ فلم يكن يوجد نظير إغريقي للمنصب الذي تقلدته نساء الأسرة الملكية المصريات. ومع ذلك، نرى في مقدونيا في عصر الإسكندر الأكبر ظهور نوع مختلف تماما من النساء، فكما كان يحدث في مصر كانت النساء تستخدم في توطيد الولاء السياسي؛ فكانت لدى فيليب الثاني المقدوني، والد الإسكندر الأكبر، سبع زوجات ولم يطلق أيا منهن. كانت زوجات فيليب وبناته محاربات يذهبن إلى المعارك، ورتبن زواج بناتهن وعملن على ترقية أبنائهن (أشتون 2003أ: 14). كانت والدة الإسكندر سيدة بالغة القوة وواسعة السلطة، وعقب وفاته بذلت كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على مكانتها، حتى إنها وضعت تمثالا لها بجوار تمثال ولدها المؤله في ضريح للأسرة في مدينة أولمبيا باليونان (ستيوارت 1993: 386-387). واتباعا لهذا النموذج المقدوني على وجه الخصوص سعت ملكات البطالمة الأوليات إلى زيادة سلطتهن؛ فقد سعين بنشاط في القرن الثاني قبل الميلاد إلى تعزيز مكانتهن، وهو ما كان يحدث عادة على حساب أزواجهن.
على الرغم من هذا، شهد العصر البطلمي حكما مباشرا لأم وابنتها؛ فقد حكمت كليوباترا الخامسة (ترايفينا)، زوجة بطليموس الثاني عشر (والد كليوباترا السابعة )، مع ابنتهما كليوباترا برنيكي الرابعة من عام 58 إلى 55 قبل الميلاد. في الواقع يحدث هنا الارتباك بشأن عدد اللاتي أطلق عليهن اسم كليوباترا. يشير فرفوريوس إلى أن كليوباترا برنيكي الرابعة كانت أخت كليوباترا الخامسة وليست ابنتها، وهو ما يشير إلى وجود كليوباترا خامسة أخرى وإلى وجود كليوباترا سادسة (أشتون 2003أ: 67-68). لا توجد أدلة كثيرة تدعم وجود سيدة أخرى باسم كليوباترا الخامسة ويحتمل أن يكون فرفوريوس قد أخطأ (وايتهورن 1994: 182-183). كذلك فإن الملكة التي نعرفها باسم كليوباترا السابعة هي في الواقع كليوباترا السادسة. ومن أجل تجنب المزيد من الحيرة سنشير إليها في هذا الكتاب ببساطة باسم كليوباترا أو برقمها المألوف.
لم يكن الرومان سعداء بفكرة الحاكمات النساء، وفي كثير من الأحيان كانوا يتدخلون من أجل وضع حاكم رجل على العرش بدلا من المرأة. وكان أكثر هذه التدخلات تدميرا زواج كليوباترا برنيكي التي حكمت مع عمها بطليموس العاشر ووالدها بطليموس التاسع، ثم تسلمت حكم مصر وحدها بعد وفاة والدها. حكمت كليوباترا برنيكي لمدة ستة أشهر قبل اختيار الرومان ابن أخيها ليحكم معها، وفي غضون أسابيع قتلها زوجها. فأخذ أهالي الإسكندرية بثأرهم وقتلوا ملكهم الجديد. (6) جمال كليوباترا
في 14 من فبراير عام 2007، نشرت الصحف الشعبية في بريطانيا العظمى مقالات تحمل عناوين مثل «كليوباترا الدميمة». وحتى الصحف كبيرة الحجم احتوت على مقالات تتساءل عن جمال كليوباترا. كان الدافع وراء هذا متحف جامعة نيوكاسل، الذي عثر على عملة من نوع شائع نسبيا وعرضها في يوم عيد الحب.
شكل 1-1: عملة تظهر صورة لكليوباترا السابعة على أحد وجهيها ومارك أنطونيو على الوجه الآخر. ضربت هذه العملة في أنطاكية عام 36 قبل الميلاد. متحف فيتزويليام في كامبريدج.
من السهل تجاهل التساؤلات المتعلقة بجمال كليوباترا (هامر 2003: 126)، ومع ذلك، فإن هذا الموضوع يستحق مزيدا من الدراسة. تستخدم الصور الظاهرة على العملة (شكل
1-1 ) كدليل ضد جمال الملكة المزعوم لمجرد أنها لا تتماشى مع المفهوم الغربي المعاصر عن الشكل الجذاب المقبول. لم يضطر إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الذكورية إلى التعرض لمثل هذا النوع من الإهانة الناتجة عن الحكم عليهم بناء على صورة لا تظهر محاسنهم. وعند إلقاء نظرة خاطفة على صور كليوباترا الأخرى يظهر لنا نوع من الصور مختلف تماما عن «صورها» اللاحقة المطبوعة على العملات، وفي الواقع بناء على الروايات الكلاسيكية، نجد أن تلك الصور الأخرى تتماشى بسهولة أكبر مع الصورة المثالية الغربية القياسية، رغم أنني لا أشير للحظة إلى أن هذه الصور أكثر جمالا من صورها الأخرى. لماذا إذن أصبحت الصور المطبوعة على العملات، التي تظهر ملامح ذكورية واضحة لكليوباترا، هي الدليل الأكثر شيوعا لإثبات قبح كليوباترا؟ يبدو الأمر كما لو أنه من الأفضل ألا تكون كليوباترا فائقة الجمال. يشير ذلك أيضا على نحو محزن إلى النمط الغربي المعاصر لمفهوم الشكل الجذاب وغير الجذاب.
عادة ما يربط الناس جمال كليوباترا بواقعة سقوط هذه الملكة ومعجبيها كما ذكر لوكان في قصيدته «فرساليا» (السطر 164). لم يكن جميع الكتاب الرومان بمثل قدر سطحية نظرائهم المعاصرين، فيشير بلوتارخ إلى جمال الملكة الداخلي وجاذبية شخصيتها في أجزاء عدة من كتابه «حياة أنطونيو»، ويقول في الفصل 73 أن كليوباترا كانت «تعي جمالها الشخصي وتفخر به بشدة». تعرض إنكار جمال كليوباترا الخارجي - وبالتالي سلطتها الملحوظة على الرجال - إلى التشكيك، تماما مثل التراث الأفريقي لكليوباترا. القضيتان كلتاهما أكثر تعقيدا بمراحل مما تبدوان عليه للوهلة الأولى، فكيف نعرف (أو على وجه الدقة كيف كان المصريون القدماء يعرفون) الجمال أو «سمار البشرة»؟ كلاهما تعريفان مؤقتان، يعتمدان على الثقافة والزمن (هامر 2003: 126؛ شوحط 2003: 129).
الفصل الثاني
المصادر
Bilinmeyen sayfa
(1) السير المعاصرة
يعتمد كثير من السير المعاصرة لكليوباترا السابعة على النصوص الرومانية كمصدر أساسي لها. هذا ويدرك كثير من المؤرخين المعاصرين بوضوح أن مثل هذه النصوص تتسم بالتحيز السياسي أو الثقافي، لكن يبدو أنهم يستخدمونها دون تفكير كثير كما لو أنهم لا يملكون بديلا آخر. وهكذا ينظر إلى كليوباترا بوصفها ملكة أوروبية في حين أنها كانت في الحقيقة حاكمة لمصر.
تضم السير التقليدية سيرة مايكل جرانت (التي نشرت لأول مرة عام 1972)، وتظل أكثر رواية شاملة عنها قائمة على مصادر تاريخية. بالمثل توجد سيرة برادفورد (1971) المقسمة زمنيا وإلى حد ما وفقا للموضوعات الرئيسية. ومؤخرا ظهرت كتب تتناول موضوعات أوسع نطاقا مثل كليوباترا وحكم البطالمة في مصر (شوفو 2000، وترجمته الإنجليزية عام 2002). وفي عام 1997 نشر كتاب تاريخي عن كليوباترا ومصر في عهدها مصاحبا لبرنامج تليفزيوني صدر بعنوان تايم واتش (فوس 1997). تحدث كتابان شاملان عن أسطورة كليوباترا من تأليف هيوز هالت (1990) وهامر (1993)، ومؤخرا نشرت رويستر (2003) كتابا عن كليوباترا في الأدب والإعلام المعاصرين. بدأ الباحثون في العصر الحالي في دراسة جوانب معينة من حكم كليوباترا، ومثال على هذا كتاب كلاينر (2005) بعنوان «كليوباترا وروما»، لكنه حاد قليلا عن العنوان وضم أجزاء عن مصر مأخوذة في الأساس من كتالوج معرض المتحف البريطاني لعام 2001. وفي عام 2003 نشرت وقائع أحد المؤتمرات الذي عقد في المتحف البريطاني مصاحبا للمعرض (ووكر وأشتون)، وشكل ملخصا للأفكار التي عرضت فيها أساسا لكتاب أصغر حجما صدر في وقت قريب من تأليف نفس المؤلفتين (2006). قدم جونز (2006) مرجعا مفيدا، لكنه غير شامل، في الترجمة وسيشار إليه على مدار الكتاب، بالإضافة إلى ترجمات أكثر تخصصا للمصادر الرومانية. إن هذا ليس سردا كاملا للكتابات المتاحة بالإنجليزية عن هذا الموضوع، ولكنه يقدم للقارئ فكرة عن حجم الإصدارات الموجودة في هذا الموضوع. لا يحظى إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الأخرى بمثل هذا الاهتمام. من غير السهل انتزاع كليوباترا من السياق التاريخي الروماني؛ ولذلك من السهل أن نرى السبب وراء فشل كثير من الكتاب في تحقيق هذا في سيرهم. لن نغفل في هذا الكتاب الحديث عن الرومان وتأثيرهم الكبير على الإطار العام لحياة كليوباترا، وإنما سنحاول رؤية هذه الملكة داخل سياق حياتها المصرية.
بالإضافة إلى الدراسات المتخصصة توجد أيضا كتالوجات المعارض، مثل كتالوج المعرض الذي نظمه المتحف البريطاني وأقيم في بالاتسو روسبولي في روما (2000) وفي المتحف الميداني في شيكاجو (2002). لم تكن هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها الولايات المتحدة الأمريكية معرضا يدور موضوعه حول كليوباترا؛ ففي عام 1988 أقام متحف بروكلين معرضا تحت عنوان «عهد حكم كليوباترا البطلمي في مصر » (عمل من تحرير بيانشي 1988). ضم كتالوج المعرض مقالات لباحثين بارزين، أصبحت أبحاثا رئيسية حول عدد من جوانب تصوير هذه الشخصية الملكية البطلمية. اعتمدت المعروضات على مجال أوسع بكثير من كليوباترا نفسها وضمت آثارا من حكم سابقيها ولاحقيها أيضا.
يعتبر مثل هذه البدائل للسجل التاريخي المكتوب مهما لأنه يتيح لنا وسيلة لتقييم الطريقة التي كانت كليوباترا تتمنى أن تظهر بها ولا يجعلنا نراها مجرد شخصية ضمن تاريخ شخص آخر. عرض كثير من هذه المصادر في معرض خاص 2000-2002 تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة» وعرض على نحو مناسب في الكتالوج (ووكر وهيجز (تحرير) 2001). هذا ومن غير الممكن، أو في الواقع من غير المناسب دراسة كافة التفسيرات الممكنة لمثل هذه المعروضات في كتالوج كتب في الأساس لعامة الناس. لقد ألقى هذا المعرض والكتالوج المصاحب له الضوء على نقص الأبحاث العلمية الشاملة عن كثير من جوانب حياة هذه الملكة، خاصة صورتها كحاكمة مصرية. وفي وقت تأليفي لهذا الكتاب كان المجتمع العلمي قد قضى وقتا في إمعان التفكير في الأعمال التي عرضت في المعرض وأصبح من الممكن حاليا إعادة التفكير في طريقة تفسيرنا لشخصية كليوباترا السابعة.
على عكس كثير من السير السابقة للملكة، سيركز هذا الكتاب على طريقة شرح الأدلة التي لا تزال باقية والتفكير في تقييمات بديلة. تتمثل إحدى أكبر المشكلات التي تظهر عند التعامل مع حكم البطالمة في مصر في طبيعة هذا الموضوع متعدد التخصصات؛ فيبدو أن الدارسين المتخصصين في جانب واحد محدد من ثقافة البطالمة يواجهون صعوبات في فهم التفسير المقبول وغير المقبول للسمات الأساسية لهذه الثقافة، وينطبق هذا على وجه الخصوص على الأدلة المصرية. سنتحدث عن تلك المشكلات بالتفصيل في الفصول القادمة. (2) كتاب السيرة والمؤرخون الرومان التقليديون
تقدم الروايات التاريخية التقليدية وسيلة لدراسة رؤية الآخرين لكليوباترا، والأهم من هذا، أنها كانت وسيلة لفهم المزيد عن المجتمع الذي كتبت فيه. لمزيد من الإيضاح لا بد لنا من معرفة هوية هؤلاء المؤلفين القدماء والمناخ السياسي الذي كتبوا مؤلفاتهم فيه. سنجد أن أسماء كثير من هؤلاء الكتاب مألوفة لنا، ومع ذلك، من المهم أن نأخذ في الاعتبار خلفياتهم وانتماءاتهم السياسية من أجل تحديد مدى دقة «رواياتهم التاريخية». يوجد فيما يلي قائمة انتقائية لمؤلفين ذكروا كليوباترا مباشرة. هذا وسنقتبس أجزاء من أعمالهم على مدار الكتاب وسنقارنها بالأدلة الأثرية والأدلة التي ظهرت في الأعمال التاريخية الفنية عن حكم هذه الملكة. وعندما نتحدث عن المصادر الرومانية من المهم أن نتذكر أنه على الرغم من كتابة الأعمال في أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية، فإن كثيرا من المؤلفين والمؤرخين كانوا إغريقا ويكتبون بالإغريقية. وسنذكر، قدر المستطاع، مسقط رأس كل مؤلف وهويته الثقافية باختصار تحت اسمه. (2-1) الكتاب الرومان المعاصرون
توجد أهمية خاصة لهذه المجموعة من الكتاب لأنها تسمح لنا بمعرفة وجهة نظر روما في كليوباترا في أثناء حياتها. لم يلعب يوليوس قيصر دورا مهما في حياة كليوباترا فحسب، بصفته والد أول أبنائها ووريثها المختار، وإنما كتب أيضا عن وصوله إلى مصر وإقامته فيها في عملين: «حرب الإسكندرية» و«الحروب الأهلية» (المجلد الثالث). لم يكن الكتابان سردا ذاتيا على الإطلاق، وإنما كتبا بضمير الغائب، وهو ما قد يشير إلى أن هذا العمل قد ألفه أولوس هيرتس أحد قادة جيشه. ذكرت كليوباترا في سياق وفاة القائد الروماني بومبي والوضع السياسي في مصر وقت وصول يوليوس قيصر («الحروب الأهلية» المجلد 3، الصفحات 103 و107 و108).
على العكس من أسلوب يوليوس قيصر في السرد التاريخي وانتمائه السياسي، كان الخطيب ورجل السياسة ماركوس توليوس شيشرون ناقدا شديدا لكليوباترا، وقد عاش تقريبا من عامي 106 إلى 43 قبل الميلاد (جونز 2006: 85-87). وتظهر خطابات شيشرون إلى أتيكاس أن الملكة كانت موضوعا للإشاعات خلال فترة إقامتها لمدة عامين في روما، بين عامي 46 و44 قبل الميلاد، في فيلا يوليوس قيصر. تعتبر هذه النصوص مهمة لأنها تؤرخ للفترة التي سبقت معركة أكتيوم، وتقدم تقريرا عن حياة الملكة في وقت كان ينظر إليها فيه على أنها تمثل تهديدا محتملا لروما منذ بداية اتصالها بإيطاليا.
كذلك لم يكن شيشرون في النهاية مؤيدا ليوليوس قيصر؛ إذ كان يفضل الانحياز سياسيا إلى القائد بومبي، الذي اشتبك مع يوليوس قيصر في الحرب الأهلية الرومانية. بعد ذلك، أيد شيشرون أوكتافيان وحاول في عامي 44 و42 قبل الميلاد إقناع مجلس الشيوخ بضرورة إعلان مارك أنطونيو عدوا للشعب، لكنه فشل في ذلك. ولدواعي المفارقة كان ولاء شيشرون لأوكتافيان سببا في دماره؛ إذ فقد شعبيته وقتل في السابع من ديسمبر عام 43 قبل الميلاد بعدما أصبح هو نفسه عدوا للدولة. (2-2) الكتاب الرومان في عصر أغسطس، بعد وفاة كليوباترا
Bilinmeyen sayfa
كان الشاعر هوراس أحد المعلقين المعاصرين لأغسطس الذين ظهروا بعد معركة أكتيوم مباشرة، وقد عاش في الفترة بين عامي 65 و8 قبل الميلاد (جونز 2006: 165-169). كان هوراس عضوا في دائرة أدبية يرعاها أغسطس. ويذكر كليوباترا في كتابه الأول من مجموعة «الأناشيد» (1. 37)، الذي نشر عام 23 قبل الميلاد تقريبا، بعد سبع سنوات من وفاة الملكة، والذي يحتفل فيه بوفاتها بالسطر الشهير: «والآن دعونا نشرب.»
أحد الشعراء الآخرين من دائرة المقربين من أغسطس كان سيكستوس أوريليوس بروبيرتيوس الذي ولد بين عامي 54 و47 قبل الميلاد وتوفي في عام 16 قبل الميلاد. يذكر الشاعر كليوباترا في قصائده العاطفية (جونز 2006: 169-176)، وقد كان دائم الإشارة إلى انحرافات كليوباترا الجنسية المزعومة وفسقها؛ مما يظهر لنا أن هذا الجزء من أسطورة كليوباترا ظهر في وقت مبكر.
كذلك عقب وفاة كليوباترا مباشرة زار المؤرخ وعالم الجغرافيا سترابو مصر في الفترة بين عامي 25 و19 قبل الميلاد ويذكر كليوباترا في أجزاء عديدة من موسوعته «جغرافيا». ولا يتحدث عن كليوباترا بالتفصيل إلا في الكتاب 17. 1. 10 ويدور الحديث عن الافتراضات المحيطة بوفاتها (جونز 2006: 7 و29-30). (2-3) الكتاب الرومان في عصر تيبيريوس
ظهر عدد كبير من الكتاب الذين ذكروا كليوباترا السابعة في أثناء حكم تيبيريوس، خليفة أغسطس. بطبيعة الحال كان هؤلاء الكتاب حريصين على مدح والد الإمبراطور الحالي. ويبدو أن تيبيريوس نفسه كان لا يشعر بانجذاب كبير تجاه العقائد المصرية في روما؛ إذ أغلق معبد إيزيس الرئيسي في روما بعد حدوث فضيحة هناك. كذلك أطلق اسمه على بعض المنشآت التي أهديت إلى مصر، لكن معظم هذه المشروعات كانت استكمالا لتلك التي بدأت بموجب برنامج والده الموسع للبناء والتشييد (أرنولد 1999: 248-250).
كان فيليوس باتركولوس مؤرخا نادرا ما يتخذه الكتاب القدماء اللاحقون مصدرا لهم. عاش في الفترة من سنة 19 قبل الميلاد تقريبا حتى بعد عام 30 ميلاديا، عندما نشرت أعماله. كان باتركولوس مؤيدا لتيبيريوس وحكومته، واستخدم كليوباترا - التي ظهرت في المجلد الثاني من عمل بعنوان «الأحداث التاريخية» - من أجل توضيح ضعف شخصية مارك أنطونيو، على الرغم من وجود تساؤلات كثيرة ونقد لأفعال مارك أنطونيو بعيدا عن الملكة في الأجزاء التي تسبق مباشرة الحديث عن معركة أكتيوم (جونز 2006: 153-154، و164-165، و189).
كان فاليريوس ماكسيموس أيضا أحد مؤرخي عصر تيبيريوس ومؤلف كتاب «مجموعة من الأعمال والأقوال البارزة». توجد إشارة إلى كليوباترا في المجلد الرابع من هذه المجموعة في الصفحة 1 إلى 15. ونظرا لتأثره بشيشرون والأعمال الكاملة التي كانت تهدف إلى مدح تيبيريوس، لا عجب إذن أن نعلم أن فاليريوس لم يكن مؤيدا للملكة.
عاش لوكان في الفترة من نحو عام 39 إلى 65 ميلاديا وكتب قصيدة ملحمية بعنوان «فرساليا» (10. 1-192، 332-546)، أعاد فيها سرد الحرب بين يوليوس قيصر وبومبي، التي انتهت باحتلال بومبي لجزيرة فاروس في الإسكندرية. وبعد وصول يوليوس قيصر إلى الإسكندرية بوقت قصير قتل بومبي بأمر من بطليموس الثالث عشر؛ أخي كليوباترا. ظهرت كليوباترا في هذه القصيدة على أنها شخصية مراوغة، وأشير إليها مباشرة في عدد من الأبيات (جونز 2006: 63-78). (2-4) الكتاب الرومان في القرن الأول والثاني الميلادي
يذكر بليني (الأكبر، من 23 إلى 79 ميلاديا) كليوباترا أيضا في المجلد التاسع من كتابه «التاريخ الطبيعي» في الفصل 58 (جونز 2006: 106-109). يقدم ما قاله عنها انطباعا عن فكرة الرومان عن ثراء وترف البلاط البطلمي ويعيد سرد القصة الشهيرة عن إذابة كليوباترا لؤلؤة في الخمر.
لم تكن كليوباترا السابعة عدوة لروما فقط؛ فقد وضع الراهب اليهودي والمؤرخ فلافيوس يوسيفوس، الذي ولد نحو 37 / 38 ميلاديا وتوفي نحو عام 100 ميلاديا، كليوباترا ضمن الشخصيات المعادية للسامية في كتابه بعنوان «ردا على أبيون»، وفي كتاب آخر بعنوان «الحرب اليهودية» وأخيرا في كتاب «آثار اليهود القديمة». تتسم كثير من الحقائق التاريخية التي قدمها بالتحيز؛ ففي إحدى الحالات يتهم الملكة «بتدمير آلهة دولتها وقبور أسلافها».
ولد بلوتارخ، أحد المصادر الرئيسية للسنوات الأخيرة من حكم كليوباترا، قبل عام 50 ميلاديا وتوفي قبل عام 125 ميلاديا (بلينج 1988: 3). فقد سافر إلى مصر، وعمل كاهنا طوال آخر ثلاثين عاما من حياته في معبد دلفي. يقال في كثير من الأحيان إنه كان مؤيدا كبيرا للعلاقة بين اليونان وروما ولذلك كانت له نفس توجهات الإمبراطور هادريان (بلينج 1988: 9). ظهرت كليوباترا مرتين في سيره عن يوليوس قيصر (جونز 2006: 55-58)، وأنطونيو (جونز 2006: انظر 343). وكان كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» أساسا لكثير من أعمال كتاب لاحقين عن كليوباترا. ظهرت الملكة كفصل في حياة أنطونيو بدلا من تفردها بسرد تاريخي خاص بها.
Bilinmeyen sayfa
عمل سويتونيوس، الذي ولد نحو عام 69 ميلاديا، أيضا تحت حكم الإمبراطور هادريان. طرده هادريان من العمل ككاتب للبلاط عام 120 / 121 ميلاديا. ونظرا لعمله ككاتب فقد سجل الأحداث وذكر تعليقات بسيطة بدلا من تحليل مصادره نقديا. ذكر كليوباترا في ثلاث من سيره؛ عن يوليوس قيصر (الفصلان 35 و52، جونز 2006: 46-52 و54-55 و78-79 و87-88)، وأغسطس (الفصلان 17 و69، جونز 2006: 129-134 و144-146 و201-202)، ونيرو (الفصل الثالث).
عاش جالينوس من عام 130 حتى 200 ميلاديا تقريبا. كان طبيبا من مدينة بيرجامون درس في الإسكندرية وسجل العلاج الذي كانت تستخدمه كليوباترا لتساقط الشعر (رولاندسون 1998: 41). ربما ارتبط هذا العلاج بالصلع الذي أصاب يوليوس قيصر أو ربما كان رواية تناقلها الباحثون والدارسون في الإسكندرية. (2-5) الكتاب الرومان في القرنين الثاني والثالث الميلاديين
عاش المؤرخ ديو من عام 150 حتى 235 ميلاديا تقريبا وكان عضوا في مجلس الشيوخ الروماني تحت حكم الإمبراطور كومودوس. يضم كتابه «التاريخ الروماني» سردا للحرب بين بومبي ويوليوس قيصر وغزو أوكتافيان، الذي أدى إلى تأسيس الإمبراطورية الرومانية. ذكرت كليوباترا في عدة أجزاء (جونز 2006: 31 وانظر أيضا 336). هذا وقد استخدم كاسيوس ديو كمؤرخ تيتوس ليفيوس مصدرا له.
عاش فيلوستراتوس، وهو مواطن روماني، في طفولته في الجزء التابع لأثينا من جزيرة ليمنوس؛ فيعتقد أنه ولد نحو عام 170 ميلاديا. ذكرت كليوباترا على أنها مثال على الفساد الأخلاقي والفجور في كتابه الذي يحمل عنوان «حياة السفسطائيين» (رايت 1952). إن كتابه هذا مثال جيد على النظرة التي كانت تعتبر كليوباترا مؤثرا سلبيا على من حولها؛ فقد استخدم كثير من الكتاب الرومان قبضتها المحكمة على الرجال لتفسير سقوط «ضحاياها» الرومان. ذكرت كليوباترا في مقطع شعري في الفصل الخامس من المجلد الأول، حيث جرى الحديث عنها من منظور علاقتها برجل مصري يدعى فيلوستراتوس درس الفلسفة مع الملكة، وهو ما يفسر مديحه لها. (3) المصريون والأفارقة
لم يكن يوجد بين الكتاب الذين تحدثنا عنهم حتى الآن صلة أو علاقة شخصية بمصر تتعدى مجرد زيارتهم لها؛ لذلك لا عجب من تبني الكثير منهم وجهة نظر عدائية تجاه كليوباترا. نتحدث في هذا الجزء عن عدد من المؤرخين الذين ينتمون إلى شمال أفريقيا من أجل استكشاف احتمال وجود وجهة نظر أخرى مضادة لوجهة نظر كثير من المؤلفين الرومان. وقد كان الغالبية العظمى من هؤلاء المؤرخين رعايا رومانيين، كما سنرى.
ولد أبيان في الإسكندرية، تقريبا في أثناء حكم دوميتيان (جونز 2006: 38-41، و79-80، و103). تولى منصبا إداريا في المدينة لكنه انتقل إلى روما عقب حصوله على الجنسية الرومانية. عند مقارنة روايات كل من ديو وأبيان تظهر جليا الاختلافات بين توجهات كلا الكاتبين (جوينج 1992). على الرغم من أن أبيان كان يؤمن بالفكرة الراسخة نفسها التي تزعم أن كليوباترا والإسكندرية كان لهما تأثير سيئ على أنطونيو الذي كان ضعيفا بالفعل، فإنه لا يلوم خلفية كليوباترا المصرية، ولا يصف المصريين بأنهم شخصيات مثيرة للمشاكل كما يظهر في كثير من أمثلة الأدب الروماني (جوينج 1992: 115 و117-118). قيل أيضا إن أبيان، كمواطن مصري، لم يكن يعتقد بالضرورة أن الغزو الروماني أدى إلى تحسين الحكم في مصر (جوينج 1992: 115، رقم 60). ويبدو على الأرجح أنه لم يكن مناسبا لمؤرخ إسكندري أن يعترف بأن مدينته أسهمت مباشرة في سقوط أنطونيو (جوينج 1992: 122).
ينتمي إلى مصر أيضا الخطيب والنحوي أثينوس، الذي ألف كتابا بعنوان «مأدبة العلماء» عام 192 ميلاديا بعد وفاة كومودوس بفترة. ولد هذا المؤلف في مدينة ناوكراتيس في دلتا مصر، ويشتهر ككاتب بذكائه وروحه الفكاهية أكثر من دقته التاريخية. ومع ذلك، فإن كتابه أصبح مصدرا مهما لتاريخ المهرجانات البطلمية، ويذكر كليوباترا في المجلد الرابع ويشير إلى بزخ ولائمها (طومسون 2000).
يبدو أن المؤرخ والشاعر الأفريقي فلورس، الذي عاش في أواخر القرن الأول الميلادي وأوائل القرن الثاني، لم يشعر بأي تعاطف نحو الملكة. فقد كانت مصادره لمعرفة التاريخ الروماني هي ليفيوس وسالوست ويوليوس قيصر وسنيكا الأكبر وفيرجيل ولوكان (جونز 2006: 62)، وعلى الرغم من مولده في أفريقيا، فإنه عاش في روما، وأقام لفترة قصيرة في إسبانيا، ثم عاد إلى إيطاليا مرة أخرى في أثناء حكم الإمبراطور هادريان. ذكرت فكرة أن كليوباترا كانت عاهرة وحسناء لا تقاوم فتنتها في مؤلفات الحاكم والكاتب الأفريقي أوريليوس فيكتور، الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، في سيره التي تحمل عنوان «عن أشهر الرجال»، وتغطي الحقبة الجمهورية الرومانية. (4) المؤرخون المصريون المسيحيون والمسلمون الأوائل
كانت هناك على الأرجح رواية مصرية بديلة للأحداث التاريخية الرومانية المكتوبة، لم تسجل حتى القرن السابع الميلادي، عندما كتب يوحنا، أسقف مدينة نقيوس في صعيد مصر كتاب «تاريخ مصر» (الدالي 2004: 132). وقد اقترح مؤخرا أن هذا الكتاب قد كتب باللغة العربية بدلا من اليونانية أو القبطية (الدالي 2004: 132 نقلا عن عبد الجليل 2000: 260-262). كتب يوحنا في كتابه «تاريخ مصر» أن كليوباترا كانت «الأكثر شهرة وذكاء بين النساء» (ترجمة تشارلز 1916: 48-50). تكرر ظهور هذا المفهوم على يد الكتاب المسلمين في القرن العاشر، مثل المسعودي الذي وصف كليوباترا على أنها «آخر الحكماء في اليونان» (الدالي 2004: 133).
كانت شخصية كليوباترا التي ظهرت في النصوص الإسلامية المبكرة مختلفة تماما عن تصوير الكتاب والمؤرخين الرومان لها (الدالي 2004: 121-122 و130-137 و142)؛ فقد ظهرت على أنها طالبة علم وطبيبة وعالمة وفيلسوفة ومعمارية (وإن كان ربط خطأ بينها وبين مشروعات بناء نفذها أسلافها). يشير فصل «الغرام العربي بكليوباترا» من كتاب الدالي «علم المصريات: الألفية الضائعة» (الدالي 2004: 135-136) إلى أن الملكة قد شبهت بالإسكندر، ما يعتبر دليلا على مكانتها كشخصية تاريخية. ويقول الدالي إن كليوباترا المذكورة في كتابه هي سيدة ذكية ذات طموح سياسي كبير، وهي سيدة ظهرت أيضا في بعض المصادر الرومانية، مثل الفصول الأخيرة من كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو». يحتمل أن يكون الكتاب والمؤرخون العرب والمسلمون قد استخدموا بعض المصادر نفسها التي استخدمها الكتاب الرومان التقليديون، لكنهم اختاروا ببساطة تعزيز جانب أكثر إيجابية من شخصية هذه الملكة والاحتفاء بطموحها وقوتها السياسية. إحدى المفارقات الكبرى أنه في ظل المفهوم الغربي واسع الانتشار عن الثقافة الإسلامية المعاصرة، نجد أن التراث الإسلامي تعامل مع كليوباترا مثل أي شخصية تاريخية ذكورية. ومع ذلك، فإن من لديهم معرفة أكبر بصورة كليوباترا في مصر حاليا، لن يفاجئوا عند العثور على سرد تاريخي متأصل في التراث الثقافي الإسلامي المبكر يثني على الملكة. (5) بدائل للمصادر الأدبية والتاريخية
Bilinmeyen sayfa
توجد بدائل للروايات التاريخية الرومانية. وتتنوع هذه المصادر البديلة من صور للملكة (في تماثيل أو عملات أو نقوش المعابد) والمعابد نفسها وصولا إلى المراسيم التي صدرت في أثناء فترة حكمها. لا تزال هذه الأدلة تتطلب المزيد من التحليل؛ ولذلك يوجد مجال لسوء الفهم، لكنها ذات أهمية كبرى عند دراسة كليوباترا بوصفها إحدى الشخصيات المصرية. قد لا تكون هذه المصادر مفيدة للسرد التاريخي أو كمرجع يشير إلى شخصية هذه الملكة، ولكنها تمثل مصدرا أساسيا وليس ثانويا للمعلومات وتكون أقل تحيزا من الروايات المسجلة في الكتب؛ لأنها لا تعبر عن رأي شخص آخر.
يوجد عدد من الأمثلة على أدلة نصية مصرية تتناول حكم كليوباترا السابعة، بداية من ألقابها الدينية المسجلة، وانتسابها إلى الآلهة المعروفة، وصولا إلى المراسيم الملكية وأوراق البردي في مجال الإدارة. تدعى إحدى قطع البردي المثيرة للجدل «بردية كليوباترا»، وهي وثيقة ملكية مثيرة للجدل يعتقد البعض أنها تظهر توقيعا بيد الملكة ومكتوب عليها: «فليحدث هذا»، لكنها تحتوي على خطأ مطبعي في الكتابة اليونانية القديمة (فان مينن 2003). بصرف النظر عن هوية المؤلف، فإن مثل هذه الوثائق تقدم أدلة سياسية مهمة على حكم كليوباترا، وسنتحدث عنها بالتفصيل في هذا الكتاب.
تقدم المسلات والمعابد معلومات أيضا عن مصر في عهد كليوباترا. إن المنشآت التي أقامتها الملكة في مدن مثل إدفو وأرمنت وقفط ودندرة ، التي تقع جميعها في صعيد مصر، وفي مدينة الإسكندرية في معابد إيزيس ويوليوس قيصر أتاحت للمؤرخين المعاصرين دراسة أنماط دعم الأسرة الملكية للعبادات الدينية، وتوضح أيضا الشخصيات التي كانت تريد الملكة ربط نفسها بها، سواء من حيث شريك الحياة أو الآلهة. توضح الزخارف البارزة والتماثيل الموجودة في هذه المواقع أيضا طريقة تصوير كليوباترا، سواء كملكة أو كإلهة. يمكن رؤية النظير اليوناني لهذا في العملات التي كانت تصك في الإسكندرية وفي ممتلكات البطالمة خارج البلاد. توجد في روما، خارج مصر وإمبراطورية البطالمة، تماثيل وأضرحة يمكن ربطها بفترة إقامة الملكة في المدينة التي استمرت عامين، بالإضافة بالطبع إلى المصادر الأدبية سالفة الذكر.
الفصل الثالث
ابنة ملك وأخت ملك وزوجة ملك عظيمة
(1) الجوانب السياسية والأيديولوجية للحكم الملكي
يجب النظر إلى كليوباترا السابعة على أنها أحد القادة الفطنين سياسيا والمدركين للعالم من حولهم. ومن أجل فهم دورها داخل سياق أوسع لا بد أن نأخذ في اعتبارنا إطارا سياسيا أكثر اتساعا. لا يهدف الجزء التمهيدي من هذا الكتاب إلى تقديم عرض تاريخي كامل لفترة حكم البطالمة حتى عهد كليوباترا السابعة؛ حيث يقدم كتاب جونتر هولبل «تاريخ إمبراطورية البطالمة» عرضا حديثا للأفكار الرئيسية الأساسية (2001). إنما سيعمل هذا الجزء على تعريف القارئ ببعض الجوانب الأساسية المتعلقة بثقافة البطالمة، وسيعمل إلى حد ما على شرح خلفية السياسات المحلية التي طبقتها كليوباترا السابعة. نجد أن إشارات الكتاب والمؤرخين الرومان إلى الأسرة الملكية البطلمية ذات طبيعة سلبية لا تختلف عن إشاراتهم إلى كليوباترا السابعة. هذا وتساعد الأدلة الوثائقية - المتمثلة في المراسيم والخطابات والشقفات (قطع من الخزف أو الحجارة معاد استخدامها) المأخوذة من مصر - بقدر أكبر في تحديد التوجهات داخل أسرة البطالمة الحاكمة وما مرت به من تقلبات في سلطة وأحوال غير مستقرة. تكشف هذه المصادر عادة، مثل برامج البناء والتشييد، عن عدم استعداد الحكام للاعتراف بالهزيمة.
غالبا ما تفسر أيدولوجية الحكم الملكي البطلمي من منظور إغريقي، لا عبر ربط الإدارة الجديدة بالحكومة السابقة عليها والتي كانت موجودة في مصر مع تسلم المقدونيين مقاليد الحكم. اعتمد المصريون على فكرة وجود ملك مقلد يحكم البلاد، وتلك الفكرة هي أساس نسقهم الأيديولوجي. لم يكن وجود الملك داخل مصر فعليا على عرشها أمرا مهما من أجل بقاء كيان الدولة المصرية، كما يتضح لنا من غياب حكام الفرس ومن بعدهم الإسكندر ثم خلفاؤه المباشرون، الذين كانوا جميعا ينتدبون ممثلين لهم في فترة غيابهم. طبق الرومان أسلوبا مشابها بعد وفاة كليوباترا السابعة. لكن مصر كانت بحاجة إلى حاكم مقيم فيها لردع أي عدو خارجي عن غزوها، وفي حالة البطالمة كان هذا العدو هو أي حاكم مقدوني آخر أو الرومان فيما بعد. تقبل المصريون، في حالات قليلة لكن ذات أهمية كبرى، تعيين حكام من النساء عليهم، وكانت نساء الأسرة الحاكمة يلعبن دورا حاسما دوما في كل من الدين والسياسة. ظهرت من مقدونيا، موطن الإسكندر الأكبر وبطليموس الأول، حاكمات من النساء يتمتعن بقوة كبيرة، على عكس اليونان القديمة (بوميروي 1990: 3-11، وأشتون 2003أ: 13-15).
كان ثمة محوران لمنصب الملك المصري المحلي؛ أولهما: إدارة/حكم الدولة، والثاني: دوره الديني ومكانه في الكون. يكمن وراء هذين الهدفين التقليديين المعضلة التي وجد الحكام الأجانب لمصر أنفسهم أمامها؛ وهي التوفيق بين ثقافتهم التقليدية وثقافة دولتهم الجديدة. لطالما كان الدور المركزي الذي لعبه البطالمة في نظام الإدارة في مصر جزءا محوريا من التفسيرات التاريخية الحديثة لعصرهم (ديليا 1993: 192-195). وفي عام 1993، زعم صامويل أنه على الرغم من ارتباط فكر الحكم الملكي البطلمي ارتباطا وثيقا بإدارة مصر، فلم يكن تنظيم الإدارة محكما كما جرى الاعتقاد في بعض الأحيان. تبدو لي فكرة أن البطالمة كانوا يغيرون أسلوب إدارتهم لمصر عند الحاجة فقط (صامويل 1993: 175)، بحسب ما تقتضي الظروف، فكرة منطقية؛ إذ تظهر البرديات كيف شجع الحكام المستوطنين الإغريق، خاصة الجنود، في مناطق مثل الفيوم عن طريق مكافأتهم بقطع من الأراضي (هولبل 2001: 61-62). في حين كانت تحصل فئات أخرى، مثل الموظفين الذين كانوا مقربين من الحكام الأوائل، على ضيعات كمكافأة لهم. كان هذا توسيعا لنطاق نظام «الأصدقاء» الإغريقي في الحكم، والأصدقاء كانوا مستشارين مقربين من الملك، وكان هذا النظام مأخوذا من البلاط المقدوني. هذا وقد مارس خلفاء الإسكندر أنفسهم دورا مشابها. ظهر أولئك المستشارون بأعداد كبيرة خلال حكم أول ملكين من ملوك البطالمة، إلا أن دورهم تلاشى في أثناء حكم بطليموس الثالث (صامويل 1993: 185-186). وفي أثناء الحكم المضطرب للملكين الصبيين، بطليموس الخامس وبطليموس السادس، أصبح السياسيون في البلاط يشكلون تهديدا على الأسرة الحاكمة من خلال محاولتهم التلاعب بالحكام الصغار (صامويل 1993: 187-188).
تظهر المراسيم الملكية بوضوح أحداث حياة أسرة البطالمة الحاكمة. وقد أصبح إجراء مقارنة بين مرسوم كانوبوس ثلاثي اللغة الذي صدر في عهد بطليموس الثالث ومرسوم حجر رشيد الشهير سؤالا نموذجيا يواجه الطلاب الدارسين لعصر البطالمة في مصر؛ فيمجد مرسوم كانوبوس الصادر عام 238 قبل الميلاد الأسرة الحاكمة ويوضح أهمية الدين والعبادة والسلطة السياسية (هولبل 2001: 105-111). أما الجزء الثاني من المرسوم فيركز على مراسم دفن ابنة بطليموس الثالث، التي توفيت مؤخرا وهي ما تزال طفلة. يوضح جزآ المرسوم كيف كان الكهنة يقدمون النصح بشأن الصور والأيدولوجيات الملكية ويطورونها؛ فقد سجلت تفاصيل الملابس التي خصصت للإلهة الجديدة برنيكي بدقة. هذا وقد وضعت نسخ من هذا المرسوم في كل المعابد الكبرى في جميع أنحاء مصر.
Bilinmeyen sayfa
تعتبر فترة حكم بطليموس الرابع فيلوباتور بوجه عام نقطة تحول كبرى في تاريخ الأسرة الحاكمة؛ فقد كتب مرسوم رفح عقب انتصار فيلوباتور على الملك السوري في 22 من شهر يونيو عام 217 قبل الميلاد (هولبل 2001: 162-164). هذا وقد كان مرسوم رفح ثلاثي اللغة تماما مثل مرسوم كانوبوس ومرسوم حجر رشيد، ويظهر الملك فيه بالشكل الإغريقي يمتطي جوادا وفي يده رمح ويرتدي التاجين المصريين لمصر العليا والسفلى، خلفه أخته وزوجته أرسينوي الثالثة، مرتدية غطاء الرأس الملكي المعتاد. كانت تلك الصور للملك في الحرب شائعة إلى حد كبير في الرسومات البارزة في معبد رمسيس الثاني (في معبدي الكرنك والأقصر)، ومعبد رمسيس الثالث (في معبده الجنائزي في مدينة هابو على الضفة الغربية في طيبة). توجد على مسلة رفح نسخة مختصرة من هذا المرسوم، ومع ذلك فإن الرسالة تظل واحدة؛ ففي هذا المرسوم يمارس بطليموس الرابع دوره كمدافع عن مصر. وهكذا يمثل أسلوب التصوير وحده رسالة أيدولوجية وسياسية قوية (هولبل 2001: 165).
يرجع مرسوم حجر رشيد إلى عام 196 قبل الميلاد وتظهر عليه صورة مختلفة جدا عن صور نظرائه الأقدم (هولبل 2001: 165-166). ظل المرسوم يظهر نفس الاهتمام الدقيق بالتفاصيل عند وصف التماثيل الدينية لبطليموس الخامس التي ستوضع في كل المعابد المصرية. ومنح الكهنة، الذين كانوا سيؤدون الطقوس الدينية الملكية الجديدة لملكهم المراهق، أنفسهم ألقابا شرفية (هولبل 2001: 165). لكن ربما كان أكثر ما يعبر عن اضطراب تلك الفترة هو منح عامة الشعب المصري تخفيضا للضرائب وعفوا عاما في جرائم معينة. كانت حالات العفو العام هذه تمنح بسبب الثورات والانتفاضات التي كانت تحدث في ذلك الوقت في مصر. ويختم هولبل حديثه عن هذا المرسوم بقوله إنه يظهر ملكا يمارس دوره الديني لكنه مجبر على الخضوع لرغبات الكهنة (2001: 166).
طوال عصر البطالمة يمكن رؤية توجهات تظهر؛ فقد كان العصر الذهبي لحكم البطالمة عصر حكم أول ثلاثة ملوك. ويعتبر دوما عصر حكم بطليموس الرابع نقطة تغير وتحول فقد خلالها الملك سيطرته على مصر وعلى البلاط، غالبا - إذا كنا سنصدق كلام الكاتب القديم أثينوس - بسبب سلوكه الفاسق («مأدبة الحكماء» 12. 549إي). وبالمثل، فإن فترات الحكم المضطربة لبطليموس الخامس والسادس، اللذين كانا صغيري السن عند توليهما السلطة، كان لها دور فعال في انهيار هذه الأسرة الحاكمة.
عقب وفاة بطليموس الخامس، حكمت زوجته، كليوباترا الأولى، مع ابنهما بطليموس السادس؛ بينما ظلت ابنتها، التي ستصبح كليوباترا الثانية، في بلاط البطالمة. كان الوضع الذي وجدت كليوباترا الثانية نفسها فيه عقب وفاة والدتها كليوباترا الأولى في عام 176 قبل الميلاد مشابها في كثير من النواحي لوضع كليوباترا السابعة؛ فقد كان لها أخوان تزوجت أكبرهما وهو بطليموس السادس عام 176 قبل الميلاد على الأرجح في محاولة لتوطيد العلاقات الأسرية (وايتهورن 1994: 89). بعد ست سنوات انضم الأخ الأصغر بطليموس الثامن لأخويه على عرش مصر (وايتهورن 1994: 93 للمناقشة). عزل بطليموس السادس بعد ذلك من السلطة ونصب بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية حكاما (هولبل 2001: 183-186). يقول ليفيوس (45. 11. 6) إن كليوباترا هي التي سوت الخلاف بينهما وحاول الثلاثة الحكم معا مرة أخرى. استمرت المشكلات، ومع ذلك، كانت ثمة فوائد لكونها امرأة وكانت كليوباترا الثانية عضوا دائما في أي تحالف، ومنحها دورها الذي لا تحسد عليه المزيد من المرونة والسلطة أكثر من أخويها.
عقب وفاة بطليموس السادس عام 145 قبل الميلاد، تزوج بطليموس الثامن أخته وقتل ابن أخيه بطليموس السابع، في يوم زفافهما على حد قول جاستن، وبذلك يكون قد تخلص من الوريث الشرعي للعرش. يوصف عادة الحكم الفردي المضطرب لبطليموس الثامن، الذي نتج جزئيا عن قوة كليوباترا الثانية والثالثة، اللتين حكم معهما، بأنه يمثل النقطة التي لم يعد بالإمكان بعدها استعادة مجد الأسرة الحاكمة. في ذلك الوقت طلب من روما التدخل دفاعا عن مصلحة بطليموس الثامن. وفي المقابل، وكنوع من التأمين تعهد هو بضم مملكته إلى روما في حال موته دون وريث (هولبل 2001: 187).
في عام 132 / 131 قبل الميلاد نظمت كليوباترا الثانية ثورة ضد زوجها وأخيها بطليموس الثامن، الذي نفي إلى قبرص مع زوجته الثانية وابنة أخته كليوباترا الثالثة. سجل كل من ديودورس (34-35. 14) وجاستن (38. 12-13) رد فعله؛ فقد قتل ابنهما ممفيتس وأرسل جثمانه لأخته. استمرت كليوباترا الثانية في الحكم مع بطليموس الثامن. وعلى الرغم من جريمته البشعة الثالثة - أولى جرائمه هي قتل بطليموس السابع وثانيتهما اغتصاب كليوباترا الثالثة - فقد تلاها حكم ثلاثي آخر عام 130 قبل الميلاد بين بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية (الأخت) وكليوباترا الثالثة (الزوجة)، وكان مشحونا بالاضطراب مثل التحالف السابق لكنه استمر حتى عام 116 قبل الميلاد.
في وقت لاحق من حكم بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية والثالثة صدر عفو عام عن جميع الجرائم ما عدا القتل وتدنيس المقدسات (بي. تيبت. 5). في الوقت نفسه كان بطليموس الثامن يمول أحد أكبر مشاريع بناء المعابد في أسرته الحاكمة في جميع أنحاء مصر في مدن تمثل مراكز دينية مصرية تقليدية (أشتون 2003ب: 217-219). تحت حكم بطليموس الثامن كان ينظر إلى كل من الطبقة الأرستقراطية المصرية وعامة الشعب بعين الاعتبار في محاولة لتهدئة الوضع السياسي بعد الحروب الأهلية، فأنشئت مدن جديدة في صعيد مصر خلال حكم بطليموس السادس أو الثامن. واستقرت قوات الجيش فيها مثلما استقر المستوطنون الإغريق الأوائل في الفيوم خلال حكم بطليموس الأول والثاني، فكانت هذه السياسات امتدادا موهنا للسياسات التي طبقت تحت حكم حكام الأسرة الأوائل، عندما كان الإغريق يحصلون على الأرض كمكافآت (طومسون 2006: 98-104، ورولاندسون 2003: 254-259).
في عام 116 قبل الميلاد توفي بطليموس الثامن وترك مصر إلى زوجته المفضلة كليوباترا الثالثة (جاستن 39. 3. 1)، رغم أن والدتها كان ما تزال على قيد الحياة وحكمت مع ابنتها في السنة الأولى التي تلت وفاة زوجهما. وضع هذا الملكة الشابة في موقف قوي ومعرض للخطر في الوقت نفسه. وفقا لما جاء في وصية بطليموس الثامن كان مسموحا لها أن تختار أيا من أبنائها لتشاركه الحكم. وفي الواقع أجبرت على تغيير ولائها بين ابنيها الاثنين، بناء على اختيار والدتها في البداية ثم على أساس أكثرهما شعبية لدى أهالي الإسكندرية (هولبل 2001: 205). تصور كليوباترا الثالثة بوجه عام على نحو مثير للشفقة بوصفها ضحية لشهوة خالها بطليموس الثامن في السنوات الأولى من حياتها، ما نتج عنه كما أشرنا، الحكم المشترك غير الموفق بين هذا الحاكم وكليوباترا الثانية وابنتها كليوباترا الثالثة (جاستن 38. 8). لكن خلف هذه الانطباعات الأدبية الأخيرة كانت تكمن امرأة تهدف بوضوح لزيادة سلطتها ورفع مكانتها. وقد رأى ابنها بطليموس العاشر أنها تمثل تهديدا واضحا، وقتلت عام 101 قبل الميلاد. (2) تصوير الحكم الملكي البطلمي
لا تتضح الحدود الفاصلة بين الحكم الملكي الإغريقي الهلنستي والحكم الملكي المصري على الفور دوما وتتأثر بطريقة التعامل العلمية الحديثة مع الموضوع، فيجد علماء المصريات بسهولة أوجه تشابه من العصور القديمة، بينما يقارن دارسو العصر الكلاسيكي سريعا التطورات الموجودة في ممالك هلنستية أخرى، وهم لا يدركون أحيانا أن أوجه التشابه تلك متأصلة بشدة في تقاليد أصلية أخرى.
يمكن تتبع أيدولوجية الحكم الملكي عبر المراسيم المذكورة آنفا. ويمكن للسجل الأثري أن يوضح أيضا ما إن كان الحكام يرون أنفسهم ملوكا إغريقا أم مصريين ويوضح تحولا مثيرا للاهتمام في تصوير البيت الملكي في بداية القرن الثاني قبل الميلاد. قلد الحكام الأوائل، من بطليموس الأول وحتى بطليموس الرابع، سمات التماثيل ذات الطابع المصري لحكام الأسرة الثلاثين. واستمر هذا الأسلوب التقليدي حتى نهاية عصر البطالمة (أشتون 2003ب: 218-220، 2004ب: 545). لكن في عهد بطليموس الخامس ظهرت ظاهرة جديدة (أشتون 2001أ: 25-36، ستانويك 2002: 56-57 و85-88)؛ فقد بدأ الفنانون المصريون في صنع تماثيل تعرض الصورة الإغريقية للحاكم الذكر ويظهر في بعضها الشعر تحت غطاء للرأس. أما صور النساء من الأسرة الحاكمة فتحاكي صور أزواجهن. وفي الوقت نفسه كان الحكام الأوائل يأمرون برسم «صور» لهم على الطراز الإغريقي أو ترسم بالنيابة عنهم. يمكن التعرف على هذه الصور إلى حد كبير من خلال مقارنة الأعمال النحتية بصور الحكام والملكات زوجاتهم الموجودة على العملات. يظهر بعضها صورا لا تحمل طابعا مثاليا لحكام مثل بطليموس الثامن وابنيه بطليموس التاسع والعاشر؛ ففي تلك الفترة حدث انخفاض في أعداد التماثيل على الطراز الإغريقي. كذلك توقفت العملات التي صدرت في عهد بطليموس التاسع والعاشر عن استخدام الصور الملكية على وجهيها. أعيد إدخال هذه السمة مرة أخرى خلال عهد بطليموس الثاني عشر والد كليوباترا.
Bilinmeyen sayfa
في المقابل تعرض صور زوجات الحكام على جدران المعابد المصرية دليلا مصورا يوضح تزايد السلطة الدينية والسياسية لملكات البطالمة. تقدم كذلك بيانا بالولاءات، لكنها تظهر الحكام كما كانوا يريدون أن يراهم الآخرون وليس على حقيقتهم. ينطبق هذا على الوجه الخصوص على بطليموس الثامن، الذي يظهر دوما مع زوجتيه رغم قضائه هو وزوجته كليوباترا الثالثة بعض الوقت في المنفى. إن هذا الثلاثي المتحد الذي يظهر على عدد كبير من الجدران لم يكن يعبر عن الواقع بقدر كبير. تظل نقوش المعابد البارزة مصدرا غير مستغل، ومع ذلك فإن لها أهمية كبرى فيما يتعلق بعرض سلطة نساء أسرة البطالمة الحاكمة. (3) كليوباترا: ابنة الملك
ما تزال هوية جدة كليوباترا لأبيها مجهولة؛ فقد تزوج جدها بطليموس التاسع اثنتين من أخواته؛ كليوباترا السادسة وكليوباترا سيليني، لكن والدة بطليموس الثاني عشر كانت إحدى المحظيات.
تظهر شجرة العائلة التقليدية ثلاثة أطفال من هذا الفرع: بطليموس الثاني عشر وبطليموس القبرصي وكليوباترا الخامسة (ترايفينا). وفقا لشجرة عائلة البطالمة التقليدية تزوج بطليموس الثاني عشر أخته وأنجبا كليوباترا برنيكي الرابعة وكليوباترا السادسة (ترايفينا) وكليوباترا السابعة وأرسينوي وبطليموس الثالث عشر وبطليموس الرابع عشر (واكر وهيجز 2001 ووايتهورن 1994: 174-187).
شكل 3-1: عائلة البطالمة من بطليموس الخامس وكليوباترا الأولى.
ومع ذلك، استنبط هولبل عام 2001 شجرة بديلة تشير إلى حصول كليوباترا سيليني، زوجة بطليموس التاسع، على لقب كليوباترا الخامسة، وأن كليوباترا ترايفينا أخت بطليموس الثاني عشر قد أصبحت كليوباترا السادسة ترايفينا. وفقا لهذه الشجرة كان الطفل الوحيد الذي نتج عن زواج بطليموس الثاني عشر وكليوباترا السادسة ترايفينا هو كليوباترا برنيكي الرابعة (2001: 223). أما الأطفال الآخرون، الذين كانت من بينهم كليوباترا السابعة، فإن والدتهم غير معروفة، وهذا لا يجعل بطليموس الثاني عشر فقط ابنا غير شرعي، وإنما أربعة أيضا من أطفاله. يقال إن والدة كليوباترا السابعة وأرسينوي وأخويها الآخرين كانت مصرية، وربما كانت تنتمي إلى أسرة من الكهنة في ممفيس (هس 1990). خرجت كليوباترا ترايفينا من التأريخ عام 69 قبل الميلاد؛ مما يدعم فكرة أنها ليست أم أطفال بطليموس الثاني عشر (هولبل 2001: 223).
اعتلى بطليموس الثاني عشر العرش بعد مقتل بطليموس الحادي عشر، بناء على اختيار أهالي الإسكندرية (هولبل 2001: 222)، وأصبح أخوه الآخر بطليموس ملك قبرص. اتباعا للتقليد البطلمي المعتاد تزوج بطليموس الثاني عشر أخته كليوباترا ترايفينا وأطلقا على طفلتهما الأولى كليوباترا برنيكي الرابعة. أطلق بطليموس الثاني عشر على نفسه ألقاب الإله المحب لأبيه (ثيوس فيلوباتور) والمحب لأخته (فيلاديلفوس)، فكان اللقب الأول تأكيدا على حقه في الحكم بصفته ابنا شرعيا لبطليموس التاسع، والثاني ربما كان وسيلة لاسترجاع العصر الذهبي للأسرة (هولبل 2001: 223)، وهي استراتيجية ستقلدها كليوباترا السابعة (أشتون 2003أ: 93-95). حصل بطليموس الثاني عشر أيضا على اللقب الديني ديونيسوس الجديد (نيوس ديونيسوس)، ومنح كنية أوليتس بسبب اتقانه العزف على المزمار (سترابو 17. 1. 11، أثينودوروس 5. 206د). يظهر تمثال من الرخام على الطراز الإغريقي بطليموس الثاني عشر (واكر وهيجز 2001: 157، رقم 155) وهو يرتدي ميترا (عصابة للرأس تمتد على طول الجبهة) خاصة بديونيسوس؛ مما يشير إلى العلاقة بين المنحوتات والألقاب التي يلقب بها الملك. يبدو أن هذا التمثال قد أعيد نحته بعدما كان يصور حاكما سابقا يتمتع بوجه أكثر امتلاء، على الأرجح أحد الفسكونيين؛ بطليموس الثامن أو بطليموس التاسع ابنه ووالد بطليموس الثاني عشر.
شكل 3-2: أسرة البطالمة من بطليموس الخامس حتى نهاية تاريخها.
كان بطليموس الثاني عشر شديد الاعتماد على الرومان، ومع تزايد العبء الذي وضعته «صداقتهم» على الاقتصاد المصري، أصبح حكمه يخضع لمراقبة متزايدة من النخبة المصرية. في عام 58 قبل الميلاد تقريبا، وبعد 18 عاما من توليه الحكم، نفي بطليموس الثاني عشر وأصبحت كليوباترا ترايفينا الحاكم الرسمي لمصر. يعتقد بعض الباحثين أن كليوباترا هذه كانت في الواقع امرأة أخرى غير أخت بطليموس الثاني عشر وزوجته، وأن اسمها أزيل من صيغ التأريخ قبل عشر سنوات بسبب وفاتها، وليس بسبب استبعادها (وايتهورن 1994: 178، 182-183). يبدو معقولا أن تصير إحدى الزوجات غير ذات حظوة ثم تعود وتسيطر على مصر بعد بضع سنوات؛ ففي النهاية يوجد عدد من الحوادث المشابهة في السنوات التي سبقت حكم بطليموس الثاني عشر مباشرة، ربما أشهرها ما فعلته جدته كليوباترا الثالثة. تشير الوثائق بوضوح أكبر إلى أن كليوباترا ترايفينا حكمت مع ابنتها كليوباترا برنيكي الرابعة، لكنها توفيت قرب نهاية عام 57 قبل الميلاد، بعد عام من توليها الحكم (هولبل 2001: 227). في عام 55 قبل الميلاد، بدعم من الرومان عاد بطليموس الثاني عشر إلى العرش وبدأ فترة حكمه الثانية، وحكم بالإعدام على كليوباترا برنيكي - التي نذكر أنها كانت أول طفلة له - وكل مؤيديها. وفي عام 52 قبل الميلاد، جعل بطليموس الثاني عشر ابنته البالغة من العمر 17 عاما كليوباترا السابعة شريكته في الحكم. منح كل الأطفال اللقب الديني: الآلهة الجدد المحبون لأختهم (ثيوي نيوي). عندما قبلت كليوباترا السابعة الحكم مع والدها، بدلا من التآمر ضده، أظهرت دهاءها السياسي.
شكل 3-3: معبد بتاح، الكرنك.
كان بطليموس الثاني عشر يكثر من البناء، وهي سمة - للمفارقة - تشير إلى ضعف الحاكم أو شعوره بالتهديد؛ ففي صعيد مصر وضعت بوابة على معبد بتاح في معبد الكرنك (شكل
Bilinmeyen sayfa
3-3 ). وكانت قد أضيفت إلى هذا المعبد الصغير بوابات سابقة من حكام سابقين منذ تأسيسه. ترجع أهميته على الأرجح إلى موقعه؛ فهو يقع إلى الجنوب مباشرة من الجدار المحيط بالمعبد الرئيسي، الذي يرجع إلى عهد الأسرة الثلاثين أو أوائل عصر البطالمة. يقع معبد بتاح في المدخل الشمالي الغربي الرئيسي الممتد من معبد آمون الرئيسي، بعد مجموعة من المعابد الصغيرة وبالقرب من البوابة التي تؤدي إلى الجدران المحيطة بمعبد منتو. كانت هذه البوابة صغيرة وعلى الأرجح لم تكلف أموالا كثيرة لبنائها. وقد ترك كثير من الخراطيش فارغا. كذلك جرى توسيع معبدي حورس وسوبك في مدينة كوم إمبو إلى حد كبير في عهد بطليموس الثاني عشر، دون المساس بالمعبد القديم الذي أقامه بطليموس السادس والثامن. وكما حدث في كثير من مشروعاته الأخرى، كان التركيز في البناء على واجهة المعبد، حيث كان يبنى مدخل مسقوف ضخم من الأعمدة (شكل
3-4 ). يقال أيضا إن الجدار الصخري المحيط بالمعبد يرجع تاريخه إلى حكم بطليموس الثاني عشر (أرنولد 1999: 220). في الدلتا بنيت إضافة من الحجر الجيري إلى ضريح تريفيس في مدينة أتريب، تضم مدخلا مسقوفا من الأعمدة وبهوا من الأعمدة وحجرات (أرنولد 1999: 211-212).
شكل 3-4: مدخل المعبد المسقوف ذو الأعمدة في كوم إمبو، في عهد بطليموس الثاني عشر.
يظهر بطليموس الثاني عشر أيضا في الزخارف البارزة في السراديب الموجودة في مدينة أرمنت (هيرمونثيس). يظهر وحده في السرداب الأول (شكل
3-5 ) وهو يرتدي تاجا أزرق اللون، ويقدم قربانا إلى إله له رأس صقر يعبر عن الإله منتو رع-حور أختي وإيزيس وحورس (تيير وفولوخين 2005: 10، 29-32، الأشكال 16-17). كتبت هذه الأسماء بالشكل نفسه الموجودة عليه في كوم إمبو. وفي أجزاء أخرى من السرداب نفسه يظهر الفرعون في شكله العادي (شكل
3-6 )، ومعه رسم بارز يظهر ثور بوخيس. أما في السرداب الثاني فيظهر بطليموس الثاني عشر بالألقاب نفسها (تيير وفولوخين 2005: 38-41). على الحائط الشرقي من السرداب الثاني يرتدي بطليموس الثاني عشر تاج مصر العليا (شكل
3-7 )، (تيير وفولوخين 2005: 60، شكل 53).
شكل 3-5: بطليموس الثاني عشر يرتدي تاجا أزرق اللون من السراديب في أرمنت.
شكل 3-6: ثور بوخيس من السراديب في أرمنت .
بالإضافة إلى إقامة حفل تتويج بطليموس الثاني عشر في ممفيس، فإنه قد زارها في مناسبة أخرى واحدة على الأقل (طومسون 1988: 139). وتظهر العلاقة الوطيدة بين بطليموس الثاني عشر والكهنة في ممفيس في أحد الألواح التذكارية (عبر نقش بارز إهدائي) يوجد حاليا في المتحف البريطاني (أندروز في واكر وهيجز 2001: 184-186، رقم 192). يظهر الكاهن الأعظم المتوفى باشيرين بتاح الثالث في الجزء العلوي من اللوحة أمام طاولة للقرابين وأمام الآلهة المصريين أوزوريس وبتاح وإيزيس ونفتيس وحورس وأنوبيس وإمحوتب وراية حورس. يعرض النص المكتوب على اللوح سيرة حياة هذا الكاهن ويقول إنه أجرى طقوس تتويج بطليموس الثاني عشر عام 76 قبل الميلاد. وفي المقابل، عندما زار الكاهن الإسكندرية في عربة حربية كرم بحصوله على لقب كاهن الطقوس الملكية ومنح مسبحة من الذهب. توفي هذا الكاهن في أثناء حكم كليوباترا السابعة في 14 من شهر يوليو عام 41 قبل الميلاد.
Bilinmeyen sayfa
شكل 3-7: بطليموس الثاني عشر يرتدي تاج مصر العليا من السراديب في أرمنت.
في أقصى جنوب مصر، وسع بطليموس الثاني عشر معبد إيزيس في منطقة فيلة، وزخرف البوابة الأولى. عثر أيضا على ضريح (ناوس) لبطليموس الثاني عشر في دابود، التي تقع جنوب أسوان مباشرة (أرنولد 1999: 221). ومع ذلك، من الواضح أن المنطقة الرئيسية للتطوير في عهده كانت مصر العليا والمعابد التي تشكل حتى الآن المقصد الرئيسي للرحلات النيلية السياحية الحديثة.
شكل 3-8: صورة لختم من الطمي تظهر صورة بطليموس الثاني عشر وكليوباترا الخامسة أو السابعة. بتصريح من متحف أونتاريو الملكي. حقوق الطبع محفوظة لمتحف أونتاريو الملكي.
كانت العملات التي ضربت في عهد بطليموس الثاني عشر تحمل صورته، لكن لم تكن عليها صورة زوجته، فيمكننا أن نرى صورة لرجل شاب يشبه الآلهة لديه ذقن قوي وأنف معقوف على وجهي العملات المستخدمة في الإسكندرية، وستستخدم كليوباترا ومارك أنطونيو هذه السمات الشكلية فيما بعد. توجد صورة واحدة فقط لبطليموس الثاني عشر على الأرجح وكليوباترا السابعة في أثناء فترة حكمهما المشترك - ومن المهم التأكيد على أن هذه السيدة من المرجح أن تكون كليوباترا ترايفينا - على ختم من الطمي لأوراق البردي من إدفو ويوجد الآن في متحف أونتاريو الملكي (أشتون 2001ب: 158، رقم 157). يظهر على هذا الختم (شكل
3-8 ) صورة لرجل شاب أشعث الشعر، على غرار عملات بطليموس الثاني عشر. تظهر صورة الأنثى متداخلة مع صورة الذكر من الخلف، ولها أنف بارز ويبدو أنها ترتدي تاجا (إغريقي الشكل) بدلا من الإكليل الملكي؛ مما يشير إلى أنها كانت إلهة وليست مجرد حاكمة. رغم أنه قد قيل إن هذا الثنائي هو بطليموس الثاني عشر وأخته (كريلايس 1975: الصورة رقم 68: 5)، فإنني لا أرى أي سبب شكلي يمنع أن تكون هذه السيدة هي ابنته كليوباترا السابعة.
أثرت الأسماء المصرية التي اتخذها بطليموس الثاني عشر على أسماء خلفائه الذكور، حتى أصبح التمييز بين أسماء بطليموس الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر (تراونيكر 1992: 272-273) يحدث قدرا كبيرا من الارتباك. ومن الألقاب الإغريقية أطلقت كليوباترا على نفسها لقب المحبة لأبيها، وكان لقب المحب لأخته (فيلاديلفوس) هو الاسم الذي اختارته لطفلها الرابع بطليموس. وتماما كما أصبح بطليموس الثاني عشر ديونيسوس الجديد، أصبحت الملكة إيزيس الجديدة؛ ومن ثم لم تتأثر كليوباترا فقط بسياسات والدها، وإنما يبدو أنها واصلت اعتناق انتماءاته الدينية. تظهر الأدلة الوثائقية أن بطليموس الثاني عشر بدأ بإطلاق لقب ثيوس فيلوباتور على نفسه، ثم تسلل لقب نيوس ديونيسوس إلى صيغة الاسم بحيث أصبح اسمه يظهر في الوثائق النموذجية كالتالي: «الملك بطليموس، الإله، ديونيسوس الجديد، المحب لأبيه، المحب لأخته» (جوتييه 1916: 397). استخدم لوح ظهر في وقت لاحق الصيغة التالية: «بالنيابة عن الملك بطليموس، الإله ديونيسوس الجديد وأطفاله الآلهة المحبين الجدد لأختهم» (جوتييه 1916: 400). حقق اتخاذ كليوباترا السابعة لقب المحبة لأبيها هدفين؛ الأول: أنه أدى إلى استمرار اللقب الذي استخدمه والدها. وثانيا: أنه ربطها به بصفتها وريثته الشرعية.
اعتمد بطليموس الثاني عشر على روما في الحصول على السلطة والمكانة بصفته حاكما لمصر. وورثت كليوباترا هذا الدين وسرعان ما وجدت نفسها تعتمد على روما في قمع ثورة هائلة شنها أهالي الإسكندرية. على العكس من أسلافها، حولت كليوباترا موقف الضعف المحتمل هذا لصالحها . وفعلت هذا عن طريق إنجاب أطفال من اثنين من القادة الرومان ذوي السلطة. وإذا صدقنا المصادر التاريخية؛ فقد تسببت كليوباترا في دمار الرومان التي كانت على علاقة مباشرة بهم. (4) المصادر الأدبية: سياسات الأسرة
يناقش كثير من المصادر الرومانية المكتوبة العلاقة بين أبناء بطليموس الثاني عشر، وتوجد إشارات إلى الحكم المشترك بين الملكة وإخوتها في الأدلة الأثرية والمأخوذة من ورق البردي. يشير لوكان إلى زواج كليوباترا من إخوتها في السطور 110-113 و430-455 من قصيدته الملحمية «فرساليا»؛ ففي الموضع الأول تحدث عن انتقال السلطة من الملك (بطليموس الثالث عشر) إلى أخته بسبب علاقتها بقيصر، وفي الموضع الثاني ذكرها كوسيلة لعقد مقارنة غير صحيحة حول مقتل بومبي.
ذكر سترابو أسرة كليوباترا في المجلد 17 (1. 11)؛ إذ حكى عن نفي أوليتس (والد كليوباترا)، وبناته الثلاث وولديه، وحكم ابنته الكبرى مع زوج غير مناسب، ويقال إن أخت كليوباترا قد خنقته بسبب وقاحته. في كتاب سويتونيوس «يوليوس قيصر المؤله» يقال للقارئ إن القيصر سلم مصر إلى كليوباترا وأخيها الأصغر خوفا من أنها إذا تحولت إلى ولاية، فإن حاكمها قد يشن ثورة فيها (35).
استغل يوسيفوس إحدى الفرص، عند مناقشة إهداء أنطونيو منطقة سوريا الجوفاء للملكة، لازدراء شخصية كليوباترا من خلال الحديث عن شئونها العائلية («آثار اليهود القديمة» 15، 4. 1. 88-95): «نظرا لأنها كانت عرضة للجشع بطبيعتها، فإنها لم تترك عملا غير قانوني إلا فعلته؛ فقد ارتكبت أعمال قتل عندما قتلت أخاها بالسم ولم يتعد 15 عاما من عمره لعلمها بأنه سيصير ملكا، كذلك جعلت أنطونيو يقتل أختها أرسينوي في أثناء تعبدها في معبد أرتميس في إفسوس» (انظر أيضا كاسيوس ديو 48. 24. 2). يشير يوسيفوس مرة أخرى إلى مقتل أخي كليوباترا وأختها في كتابه «ردا على أبيون» (المجلد 2. 5). (5) كليوباترا وإخوتها
Bilinmeyen sayfa
في عام 51 قبل الميلاد توفي بطليموس الثاني عشر، تاركا مصر لكليوباترا السابعة وابنه الأكبر بطليموس الثالث عشر. قيل مؤخرا إن كليوباترا ربما حكمت وحدها لأول سنة عقب وفاة والدها (بينجن 2007: 68). يوجد اعتقاد بأنه لم تعقد مراسم حفل زواج رسمي بين بطليموس الثالث عشر وأخته، وأن الاثنين حكما معا فحسب (هولبل 2001: 231). كان الحكم المشترك بين الأخ البالغ من العمر عشر سنوات وأخته مليئا بالمشكلات منذ البداية. لقد سيطر مؤيدو الملك على العرش عام 50 قبل الميلاد (هولبل 2001: 231-239)، وظهر اسم كليوباترا بعد اسم أخيها؛ مما يشير إلى أنه كان الحاكم المسيطر. وفي عام 49 قبل الميلاد طبقت صيغتان للتأريخ؛ السنة الأولى من حكم بطليموس الثالث عشر، التي كانت السنة الثالثة من الحكم المشترك. يشير ترتيب سرد التواريخ إلى أن السنة الأولى من الحكم الجديد كانت الأكثر أهمية؛ في ذلك الوقت كان بطليموس الثالث عشر قد حصل على ثلاثة أوصياء جدد؛ بوثينوس وأخيلاس وأحد معلميه، ثيودوتوس من خيوس. خططت هذه المجموعة لإقصاء كليوباترا عن الحكم، وفي عام 49 قبل الميلاد حققت هذا الهدف (هولبل 2001: 232). في خريف عام 49 قبل الميلاد أعلن الرومان بطليموس الثالث عشر الحاكم الوحيد لمصر. وصف يوليوس قيصر هذه الفترة بنفسه كجزء من مذكراته التاريخية؛ ففي كتاب «حرب الإسكندرية» (33) يذكر القيصر أنه عين الأخوين بطليموس وكليوباترا حاكمين، كما ورد في وصية بطليموس الثاني عشر. نفيت أرسينوي، أخت كليوباترا، وتركت حشود من الجنود من أجل «تدعيم سلطة الملكين بسبب ولائهما إلى قيصر». وفي كتاب قيصر «الحروب الأهلية» يوجد تعليق على الموقف في مصر تحت حكم البطالمة مباشرة قبل وصول الرومان إلى الإسكندرية؛ ففي سياق وفاة بومبي كتب قيصر يقول: «وقد تصادف أن ملك بطليموس كان هناك، وقد كان مجرد صبي، يشن حربا بقوات ضخمة على أخته كليوباترا. وخلال بضعة أشهر، بمساعدة المقربين إليه والمفضلين لديه طردها من مملكته. ولم يكن معسكر كليوباترا بعيدا عن معسكره» (3. 103).
بمجرد وصول قيصر إلى الإسكندرية كتب يقول: «نظرا لاعتقاده بأن خلافات الأسرة الحاكمة تهم الشعب الروماني وتهمه هو بصفته القنصل، وأنه من واجبه التصرف لأن التحالف الذي حدث مع بطليموس، والد الملك الحالي، كان في أوائل فترة توليه القنصلية، بقانون ومرسوم من مجلس الشيوخ، أعلن أنه قرر ضرورة تسريح كل من الملك بطليموس وأخته كليوباترا جيوشهما وتسوية خلافاتهما من خلال عرضها عليه ليصدر حكما فيها بدلا من تسويتها باستخدام القوة ...» (3. 107).
تشبه الإشارات إلى كليوباترا في المجلد (3. 108) من كتاب «الحروب الأهلية» تلك الموجودة في كتاب «حرب الإسكندرية»؛ إذ يتحدث عن وصية بطليموس الثاني عشر التي ذكر فيها أن من سيرثه سيكون الابن الأكبر والبنت الكبرى، وأن تشرف روما على هذا؛ إذ طلب منها التأكد من تطبيق هذه الوصية. ومعنى هذا أن القيصر تدخل في الأمر بدافع الواجب. (6) الآلهة الإخوة
لقيت أخت كليوباترا الكبرى، غير الشقيقة على الأرجح، مصرعها عقب عودة بطليموس الثاني عشر من المنفى. تعلمت كليوباترا من هذا بوضوح درسا مهما، وكما رأينا تحالفت مع والدها بدلا من التآمر ضده. من الواضح أن أرسينوي، التي لا يعرف تاريخ مولدها، لم يكن لديها ما يكفي من الدهاء لتتمكن من إرساء حدود السلطة؛ ففي أثناء الحرب الأهلية هربت أرسينوي من القصور مع معلمها الخاص جانيميد وانضما إلى القوات التي كان يقودها مستشار بطليموس الثالث عشر، أخيلاس، وأعلن توليها الملك (ديو كاسيوس 42. 39. 1). نشأت الخلافات واستولى جانيميد على السلطة من أخيلاس والمستشار الآخر بوثينوس؛ أعدم يوليوس قيصر هذين المستشارين؛ مما جعل جانيميد البطل الرئيسي. وفي نهاية هذا الفصل على وجه التحديد مات بطليموس الثالث عشر وعادت كليوباترا إلى السيطرة على العرش لكن مع أخيها الأصغر بطليموس الرابع عشر (بينجن 2007: 71). نفيت أرسينوي إلى أفسس في تركيا. يقول يوسيفوس (آثار اليهود القديمة 15، 4. 1. 89) إن أرسينوي، التي حكمت مصر لفترة وجيزة تحت اسم أرسينوي الرابعة، ستعدم فيما بعد بأمر من أختها على يد مارك أنطونيو (هولبل 2001: 236-237، 241). (7) عوامل التأثير على أوائل فترة حكم كليوباترا
تأثر حكم كليوباترا بشدة بسياسات والدها خاصة العلاقة الموروثة مع روما. لم يدم حكمها المشترك مع والدها إلا فترة قصيرة، لكنها كانت كافية لتضمن بها لنفسها منصبا في السلطة ولتجعلها منافسا حقيقيا على عرش مصر. استخدم بطليموس الثاني عشر مشروعات البناء كوسيلة لتعزيز مكانته كحاكم للبلاد، خاصة في الجنوب بين النخبة المصرية. استكملت ابنته بعضا من هذه المشروعات، كان أشهرها في دندرة، بدأ قبل أربع سنوات من وفاته ولم ينته حتى العصر الروماني (أرنولد 1999: 212-213). أحد مشروعات البناء الأخرى واسعة النطاق كانت الإضافات إلى معبد حورس في إدفو، التي بدأت في أوائل فترة حكمه في 2 فبراير عام 70 قبل الميلاد (أرنولد 1999: 216-220). فقد بنيت بوابة تذكارية وفناء، عملا بمثابة ساعة شمسية، في هذا المعبد . كان الفناء محاطا ببوابة تذكارية ربما انتهى العمل فيها في فترة حكم كليوباترا (أرنولد 1999: 220). كانت البوابة التذكارية (شكل
3-9 ) مزخرفة في الأصل بالأسماء المصرية لكليوباترا ترايفينا، لكنها أزيلت عقب فقدانها شعبيتها (هس 1990). تظهر الصور المتبقية بطليموس الثاني عشر وهو يضرب أعداءه بالأسلوب المصري التقليدي أمام الإله حورس. في مدينة قفط بنى بطليموس الثاني عشر بوابة جنوبية وجدارا تطويقيا، لكن يوجد اعتقاد عام بأن الزخارف لم تكتمل حتى عصر الرومان (أرنولد 1999: 216). توجد قوالب صخرية أيضا تنسب إلى بطليموس الثاني عشر في الموقع (متحف بتري كلية لندن الجامعية 14523)، ربما من البوابة الجنوبية، وربما تكون لها علاقة أيضا ببناء ضريح الإله جب. ربما تكون كليوباترا أيضا قد أقامت ضريحا للإله جب في مدينة قفط.
شكل 3-9: معبد حورس في إدفو. تظهر على البوابة التذكارية صورة لبطليموس الثاني عشر وهو يضرب أعداءه.
شكل 3-10: ضريح الإله جب في قفط. تظهر كليوباترا وحدها وهي تقدم القرابين إلى الآلهة. متحف بتري للآثار المصرية، كلية لندن الجامعية.
لم تظهر كليوباترا اهتماما باستكمال مشروعات أخرى بدأها والدها أو ارتباطا بها، ويقال إن الملكة كانت تستهدف آلهة معينة (راي 2001). ويبدو أيضا أن كليوباترا لم تستخدم معابد والدها كوسيلة لتقوية صلتها به. يمكن أن نرى هذا في الزخارف الموجودة في دندرة، التي اختارت أن يظهر فيها ارتباطها بشريكها الجديد في الحكم وخليفتها المرتقب بطليموس الخامس عشر. يوجد استثناء واحد محتمل لهذه الملاحظة؛ وهو ضريح الإله جب في قفط (شكل
3-10 ). على عكس النقوش البارزة التي ظهرت فيما بعد في المعبد في دندرة، حيث كانت كليوباترا تقف خلف ابنها بطليموس الخامس عشر، أو تظهر أنه شريكها الوحيد في الطقوس الدينية، فإن الملكة تظهر في ضريح الإله جب مستقلة عن شريكها في أجزاء منفصلة من النقوش بدلا من ظهورها معه. يظهر الحاكم الذكر أيضا وهو يقف وحده يقدم القرابين في جزء آخر من الجزء الداخلي المزخرف من المحراب. يظهر اسم كليوباترا كذلك بينما تمارس الشعائر الدينية وحدها على بوابة أحد المعابد غير المعروفة التاريخ من مدينة كلابشة (بيانشي 2003: 15). (8) إهداءات كليوباترا في أوائل حكمها (8-1) قفط
Bilinmeyen sayfa
ذكرنا آنفا أعمال بطليموس الثاني عشر في مدينة قفط، وكما أشرنا، تظهر كليوباترا على ضريح صغير مخصص للإله جب (شكل
3-10 ). زينت الجدران الخارجية فيما بعد بخليفتها أغسطس، لأسباب سياسية بلا شك أكثر من كونها دينية (شكل
3-11 ). تقف كليوباترا أمام الآلهة مين وإيزيس وحورس (تراونيكر 1992: 285)، تقدم إبريقا يحتوي على البخور. ترتدي الملكة تاجا مكونا من قرص الشمس وقرني البقرة وريشتين، يرتبط عادة بملكات البطالمة، ويظهر اسمها في خرطوشتين. نرى أن النقوش البارزة المصورة (شكل
3-10 ) مصحوبة بنص يقول: «سيدة الدولتين، كليوباترا فيلوباتور (المحبة لأبيها)، المحبوبة من مين-رع في قفط، زوجة الملك، وابنة الملك، والحاكمة العظيمة ... التي تصل إلى عنان السماء» (تراونيكر 1992: 285-287، أشتون 2003د: 25-26).
شكل 3-11: ضريح الإله جب في مدينة قفط. تظهر صورة الحاكم أغسطس على الجزء الخارجي من الضريح.
يوجد بعض الخلاف حول هوية زوجها، الذي كما أشرنا، يقف وحده أيضا أمام الآلهة في أجزاء من الزخارف البارزة على الضريح في قفط (تراونيكر 1992: 322-324، أشتون 2003د: 26 رقم 9)؛ فقد قيل إن الحاكم الذكر هو بطليموس الخامس عشر قيصر، رغم أن لقب قيصر لم يكن موجودا (انظر تراونيكر 1992: 322 للاطلاع على مناقشة لأفكار وايل). تشبه الخراطيش تلك الموجودة في معبد كوم إمبو وكتبت عليها الأسماء التي كان يستخدمها بطليموس الثاني عشر (تراونيكر 1992: 272-273، تيير وفولوخين 2005: 10)؛ ونتيجة لهذا اقترح بعض العلماء أن هذا النصب التذكاري قد أهداه بطليموس الثاني عشر. لكن استخدام لقب «زوجة الملك» إشارة لكليوباترا ربما يشير إلى عدم صحة هذا الأمر، إلا إذا كان هذا اللقب يستخدم ببساطة بمعناه الرمزي والتقليدي للإشارة إلى المرأة المرافقة للملك بصرف النظر عن حالتهم الاجتماعية (بيانشي 2003: 18). توجد أمثلة سابقة على ملوك تزوجوا بناتهم؛ مثلما فعل رمسيس الثاني الذي تزوج بناته نبتاوي وبنت عنتا ومريت أمون وهنوت مير؛ فكل السيدات لقبن بلقب «زوجة الملك العظيم» و«ابنة الملك» (جريتسكي 2005: 69-70). يفضل البعض (بيانشي 2003: 18) النظر إلى ألقاب مثل أخت الملك وابنة الملك والزوجة الملكية العظيمة ولا سيما لقب «المرأة التي تسعد قلب حورس» على أنها ألقاب دينية أكثر من كونها حرفية. يستنتج بيانشي أن الألقاب التي عثر عليها في ضريح الإله جب هي لبطليموس الثاني عشر. ويقال أيضا إن الخراطيش التي تحمل أسماء ذكورية قد تنتمي إلى أحد إخوة كليوباترا، على أساس الألقاب المشتركة (تراونيكر 1992: 320، أشتون 2003د). ومن غير المحتمل أن تحل هذه المشكلة؛ فإن الاستنتاج الوحيد الأكيد لدينا هو أن ضريح الإله جب كان إهداء مبكرا من كليوباترا السابعة وأحد الحكام الذكور، ربما كان بطليموس الثاني عشر أو أحد أبنائه.
إذا كانت مكانة كليوباترا قد ارتفعت لدرجة ظهورها وحدها وهي تقدم قرابين إلى الآلهة خلال فترة حكمها المشترك مع والدها، فإن هذا الوضع لم يظهر في وصيته؛ فكما أشرنا كانت مصر مهداة بالفعل إلى ابنته كليوباترا وابنه الأكبر بطليموس الثالث عشر. ومع ذلك، بشأن خلافة بطليموس الثاني عشر يجدر بنا التفكير في درجة تأثير الرومان، الذين أصروا على ضرورة زواج ملكة سابقة؛ مما أدى إلى الحكم الكارثي قصير الأمد لبطليموس الحادي عشر. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد ما يشير إلى زواج بطليموس الثاني عشر من ابنته؛ فقد مارسا ببساطة حكما مشتركا.
إن وضع لقب «زوجة الملك» يشير إلى أن هذا الإهداء في المعبد الموجود في قفط حدث في أثناء زواج كليوباترا إما من بطليموس الثالث عشر أو بطليموس الرابع عشر (أشتون في عمل من تحرير ووكر وأشتون 2003: 25-26)؛ مما يجعل هذه القطعة الصغيرة دليلا مهما على المرحلة المبكرة من حكمها المشترك واستقلالها كملكة. وفي عمل مفصل نشر عن هذا النصب التذكاري عام 1992 أشير إلى أن الزوج هو بطليموس الرابع عشر (تراونيكر 1992: 316-317، 322-324).
شكل 3-12: تاج من الحجر الجيري من أحد التماثيل. يتكون التاج من ثلاثة رءوس أفعى وحفرت عليه ألقاب الملكة. متحف بتري للآثار المصرية، كلية لندن الجامعية
UC 14521 .
Bilinmeyen sayfa
توجد أدلة أخرى على هذا الاقتراح؛ وهي تاج من الحجر الجيري مأخوذ من تمثال عثر عليه فلندرز بتري في أثناء عمليات التنقيب التي أجراها في مدينة قفط، أضاف هذا التاج إلى الملكة، التي كانت على الأرجح كليوباترا السابعة، لقبا جديدا : «أخت الملك» (شكل
3-12 ). كان هذا التاج لتمثال بالحجم الطبيعي لملكة من عصر البطالمة. يمكن تقليص احتمالات شخصية صاحبة التمثال على أساس سمة شكلية معينة: وجود ثلاثة رءوس أفعى (كوبرا) بدلا من رأس واحد. كانت أرسينوي الثانية أخت بطليموس الثاني وزوجته وكانت ترتدي أفعيين من نوع الكوبرا على جبهتها، ومع ذلك، فإن نوع التاج الموجود في تمثال بتري (المكون من ريشتين وقرص الشمس وقرني بقرة) ليس التاج الذي ترتديه هذه الملكة على وجه الخصوص. منحت أرسينوي تاجا أكثر زخرفة كانت تقترضه منها أحيانا كليوباترا الثالثة والسابعة ويختلف عن الشكل العام الذي كانت ترتديه الغالبية العظمى من نساء الأسرة، فنجد هنا أن السمة الوحيدة المميزة لهذا التاج هي رءوس الأفعى الثلاثة. للأسف لا يوجد في النص المكتوب على الجزء الخلفي من التاج أي اسم، لكن نظرا للتقليد البطلمي المتبع المتمثل في تكرار الاسم الأول كان من غير المحتمل أن يساعد هذا في التعرف على شخصية صاحبته. ترتبط رءوس الأفعى الثلاثة بقرن الخصب والنماء المزدوج ولا توجد إلا ثلاث ملكات فقط هن اللاتي يعتقد في وجود صلة مباشرة بينهن وبين هذا الرمز؛ أرسينوي الثانية وكليوباترا الثالثة وكليوباترا السابعة. كانت أرسينوي الثانية ترتدي دوما رأسين من رءوس الأفعى، ولذا من غير المحتمل أن يبدأ الفنانون فجأة في استخدام ثلاثة رءوس. كذلك يظهر قرن الخصب والنماء المزدوج على الوجه الخلفي من العملات التي ضربت في أثناء فترة حكم كليوباترا السابعة وعلى العملات التي يرجع تاريخها إلى حكم بطليموس الثامن (أشتون 2001أ: 40-43).
لقد أدت إعادة فحص التاج مرة أخرى على يد عدد من الباحثين إلى تكرار مشكلات العمل على أدلة مجزأة ترجع إلى عصر البطالمة. لا تكمن المشكلة في عدد الأشياء المتبقية حتى الآن ، وإنما في غياب العبارات المنقوشة على التماثيل على وجه الخصوص، التي تمثل نوعا من الأدلة. كما أشرنا، فإن تمثال بتري الذي على شكل تاج كان منسوبا في الأصل إلى أرسينوي الثانية على أساس موقع العثور عليه، والألقاب ورءوس الأفعى المتعددة. لكن هذه الفكرة فندت واقترحت كليوباترا بدلا منها. وردا على هذا الاقتراح أشير إلى أن الألقاب الموجودة على العمود الثاني مع لقب حور تأكد انتماؤها إلى بطليموس الثاني (ومن ثم إلى أرسينوي الثانية بالتبعية)، لكن ليس إلى كليوباترا السابعة (بيانشي 2003: 18-19). هذا اللقب يجعلنا نستبعد، كما أشرنا، أن يكون الزوج هو بطليموس الخامس عشر لأنه لم يلقب بالكامل بلقب حور (بصفته الحاكم الوحيد). تظل مشكلة عدم معرفتنا بخراطيش بطليموس الثالث عشر والرابع عشر. يستنتج بيانشي أن التاج الذي به ثلاثة رءوس أفعى هو لأرسينوي الثانية، على الرغم من عدم وجود أدلة على ارتباط هذا الشكل من التيجان بهذه الملكة على وجه الخصوص. ومن الممكن، في ظل الارتباك بشأن الألقاب، أن تكون مرتبطة بأبناء بطليموس الثاني عشر. إن وجهة نظر بيانشي بشأن القيمة الدينية للألقاب في مقابل قيمتها الحقيقية صحيحة؛ ففي تلك الفترة كان يطلق على الملكات اللاتي لسن أخوات الملك هذا اللقب. وتحتاج مسألة رءوس الأفعى الثلاثة إلى مزيد من الاهتمام.
بالإضافة إلى إهداءات المعابد توجد أدلة أخرى على حكم كليوباترا في صورة نقش إهدائي بارز يخلد ذكرى وفاة ثور بوخيس في أثناء حكم أغسطس. على الرغم من أن هذه الوثيقة نقشت في أثناء حكم خليفة كليوباترا، فإنها تقدم دليلا مهما على الفترة الأولى من حكم الملكة الذاتي. أمر بصنع هذا اللوح عام 51 قبل الميلاد، عندما كانت كليوباترا تحكم مع بطليموس الثالث عشر. كتب على السطر العاشر: «... لقد وضعه [ثور بوخيس] الملك بنفسه في السنة الأولى، 19 برمهات. الملكة، سيدة الدولتين، (خرطوشة فارغة)، الإلهة المحبة لأبيها، (11) نقلته في مركب آمون مع مراكب الملك، ومعه كل أهالي طيبة وأرمنت والكهنة ...» (ترجمة فيرمان في كتاب موند ومايرز 1934: 11-13، وفي كتاب جونز 2006: 35-38). على الرغم من بقاء خرطوشة كليوباترا فارغة فإن لقب «الإلهة المحبة لأبيها» يشير إلى أن هذه الملكة كانت هي كليوباترا. وجدير بالذكر أن اللوحة تسجل وجود دور ديني فعال لها في إدخال الثور الجديد وربما يعكس هذا سلطتها بالإضافة إلى اهتمامها بالتقاليد الدينية المصرية.
أخيرا، عثر على جزء من أحد التماثيل في مدينة فوه في دلتا مصر يبلغ طوله 53 سنتيمترا ومحفوظ من منطقة البطن إلى ما فوق (ووكر وهيجز 2001: 169، رقم 168)، وربما يعبر عن صورة مبكرة لكليوباترا السابعة. نجد الذقن فيه ناتئا للغاية ويشبه ذلك المحفور في تمثال بطليموس الثاني عشر من الحجر الجيري الذي عثر عليه في منطقة أم البريجات في محافظة الفيوم (أشتون 2001أ: 24، 86-87 رقم 11، وستانويك 2002: 123، 203، إي3). يتمتع تمثال فوه بمظهر شاب؛ فالعينان على شكل حبتي لوز، والحاجبان شكلهما طبيعي، والفم صغير ويبدو كما لو أنه قد أجبر على الابتسام، وهذه السمة على وجه الخصوص معتادة في تماثيل البطالمة المبكرة. ومع ذلك، فإن اللباس الفضفاض والذقن يوحيان بتاريخ يرجع إلى القرن الأول. يثير الرداء الاهتمام بقدر كبير؛ فقد ربط الشال في عقدة في وسط الصدر، وأسفل هذا الشال يوجد رداء تقليدي يشبه الثوب الضيق الذي ترتديه النساء في الأسر الملكية والإلهات. يمكن رؤية ملابس مشابهة على البوابة الموجودة بالقرب من معبد خونسو في الكرنك (شكل
3-13 )، حيث تظهر برنيكي الثانية مع زوجها بطليموس الثالث، الذي يرتدي عباءة احتفالية. وعلى الأرجح يؤدي الرداء المعقود الذي ترتديه برنيكي الهدف نفسه. يشير ظهور هذه السمة في تمثال مدينة فوه أيضا إلى وجود مناسبة رسمية، وعلى الأرجح أنها أقيمت من أجل الاحتفال بحدث معين. يعبر الثوب المعقود عن إحدى السمات المنسوبة إلى مجموعة من الصور الإلهية سنتحدث عنها في الفصل السادس. ومع ذلك، فإن تمثال مدينة فوه يضم السمات الثلاث التقليدية، الشعر المستعار المهندم مع وجود رأس أفعى واحد، ولا ينطبق بسهولة على أي من الفئات الأخرى المقترحة. لا يمكن الجزم بأن صاحبة التمثال هي كليوباترا السابعة، لكن التشابه الموجود بين تمثالها وتمثال بطليموس الثاني عشر يشير إلى أنه كان لسيدة لها علاقة به، ربما كليوباترا الخامسة أو ابنتها كليوباترا برنيكي.
شكل 3-13: بوابة معبد خونسو، الكرنك. (9) مشكلات في الفترة الأولى من حكم كليوباترا
كان للفيضان السنوي لنهر النيل أهمية كبرى لمحاصيل مصر واقتصادها. وكانت الزيادة الشديدة في الفيضان أو انخفاضه الشديد لعدد من السنوات المتعاقبة يمثلان كارثة على دولة تعتمد بالكامل على النهر في زراعة أراضيها. وكان سلوك ملك مصر يرتبط ارتباطا وثيقا بنجاح الفيضان. وكان للفيضان السنوي احترام كبير حتى إنه كان محظورا على الحكام الإبحار في أثناء موسم الفيضان السنوي، وهو مبدأ استمر تطبيقه بحزم في القرن الثاني الميلادي تحت حكم هادريان، الذي كان الإمبراطور الروماني؛ ومن ثم كان ملكا على مصر.
كانت كليوباترا سيئة الحظ في السنة الأولى من حكمها المشترك عندما عانت البلاد من تكرار ضعف إنتاج المحاصيل. وكان لنقص الغذاء الذي نتج عن انخفاض الفيضان تأثير كبير على المدن أكثر من الريف بمراحل؛ إذ يمكن في الريف زراعة الطعام محليا. في عام 50 قبل الميلاد أصدر بطليموس الثالث عشر وكليوباترا السابعة مرسوما في محاولة للتصدي لهذه المشكلة. صدر هذا المرسوم بتاريخ 27 أكتوبر عام 50 قبل الميلاد، وهو أقدم شكل من هذه الوثائق الصادرة في فترة حكم كليوباترا. عند ذكر الحكام يذكر الملك أولا (الذي كان هو بطليموس الثالث عشر) ثم كليوباترا. قضى هذا المرسوم بالسماح بنقل الحبوب إلى الإسكندرية فقط. وكانت عقوبة تجاهل هذا القرار الموت. بالإضافة إلى ذلك، ينص المرسوم على أنه في حالة ثبات التهمة، يكافأ الذين أخبروا عن المجرم بالحصول على ممتلكاته. تشير إضافة هذه الوسيلة لتشجيع الناس على الإبلاغ عن الذين ينتهكون هذا المرسوم الملكي إلى مدى جدية أهدافه. في وقت لاحق من هذا العام تحققت مخاوف كليوباترا، عندما حدث فيضان آخر منخفض. يذكر بليني أنه كان أكثر فيضان منخفض مسجل (التاريخ الطبيعي 5. 58). وتزامن في الخلفية مع هذه المشكلات الطبيعية الاضطراب السياسي الناتج عن الحروب في الإسكندرية (طومسون 2003: 32-33).
استمر عدد من المشكلات الإضافية في إعاقة حكم كليوباترا؛ ففي عام 42 قبل الميلاد ، حدثت فيضانات أخرى منخفضة (سينيكا 4أ، 2. 16)، ووفقا لما قاله أبيان («الحروب الأهلية» 4. 61 و4. 63) تلاها حدوث مجاعة ووباء. في 12 أبريل عام 41 قبل الميلاد صدر مرسوم ملكي آخر. كانت المشكلة هذه المرة في الضرائب المرتفعة التي فرضت على ملاك الأراضي. وكانت استجابة الأسرة الحاكمة إعفاء الضيعات في الريف من ضريبة «التاج» الإضافية. كان هذا الحكم نتيجة لضغط ملاك الأراضي في إقليم بوبستيت وبروسوبيت (مراكز إدارية) كانت تقع بالقرب من الإسكندرية وكانت تتصل مباشرة بالأسرة الحاكمة (طومسون 2003: 33).
Bilinmeyen sayfa
توقف ضرب العملات البطلمية الذهبية لبضع سنوات قبل اعتلاء كليوباترا الحكم، ولم تستأنفه كليوباترا. بدأت الملكة تطبيق تغيير مهم بتخفيض قيمة العملة الفضية في أوائل فترة حكمها. ويقال إن هذا التعديل جعل العملة المصرية الفضية مساوية للدينار الروماني القديم. ومع ذلك، أعيد صنع العملات البرونزية في دار سك العملات الملكية في الإسكندرية (ووكر وهيجز 2001: 177). تظهر صور العملات كليوباترا على أنها حاكمة إغريقية، وعادة ما تظهر وحدها على العملات التي تضرب في مصر. تتفاوت أنواع الصور طوال فترة حكمها وتضم صورة أكثر نضجا لها ترتبط بتمثيلها على العملات في الخارج في الجزء الأخير من حكمها (ووكر 2003د). يشير هذا إلى ضعف الوضع الاقتصادي في مصر؛ ولم يكن ذلك خطأ كليوباترا وحدها. فقد اقترض والدها مبالغ كبيرة من الرومان من أجل تأكيد سلطته والحفاظ على مكانته كملك لمصر. (10) يوليوس قيصر
كما أشرنا سابقا، كتب يوليوس قيصر يحكي عن لقائه بكليوباترا في السياق العام لقصته عن حملته. لا توجد في أي موضع من رواياته أية إشارة إلى الملكة بصفة شخصية أو لعلاقته معها. اشتهر القيصر بعلاقاته النسائية، وفي حالة كليوباترا فقد وجد امرأة تتمتع بسلطة تفوق تصور النساء في روما في ذلك الوقت. نحن نعتمد بالكامل على المصادر التاريخية التي ظهرت في وقت لاحق من أجل الاطلاع على وصف لعلاقة قيصر بكليوباترا، والمراجع التي تشير إلى هذه العلاقة أقل بكثير من المراجع الموجودة عن علاقتها بمارك أنطونيو. يرجع السبب في هذا إلى حد كبير إلى حملة أوكتافيان ضد الثنائي الأخير. فقد كان من غير المحتمل أن يحظى نقد يوليوس قيصر، «والد» أوكتافيان بالتبني، بدعم من الإمبراطورية.
في كتاب بلوتارخ «حياة يوليوس قيصر» تظهر كليوباترا في الفصل رقم 48، حيث يقول بلوتارخ إن بعض الناس كانوا يعتقدون أن اشتراك القيصر في الحرب في مصر كان نتيجة لهيامه بكليوباترا. يذكر لنا بلوتارخ أن كليوباترا قد طردت من مصر، وفي الفصل 49 (حياة القيصر) يصف عودة كليوباترا الشهيرة بمساعدة أبولودوروس الصقلي، الذي أخذ الملكة في قارب صغير ورسا به عند القصر وخبأها في جوال، وليس في سجادة كما صار سائدا فيما بعد (ووكر وأشتون 2006: 41-42). ومن الواضح أن هذا اللقاء كان ناجحا فقد أصبح يطلق على كليوباترا مرة أخرى حاكمة مشتركة لمصر. كانت في الثانية والعشرين من عمرها، وكان أخوها، الذي ولد عام 61 قبل الميلاد (هولبل 2001) في العاشرة من عمره، وكان حبيبها يوليوس قيصر أكبر منها بثلاثين عاما.
تناول بعض الكتاب الرومان مشاعر قيصر تجاه كليوباترا؛ فقد كان قيصر يحب كثيرا من النساء، لكن يخبرنا أحد المؤلفين أنه «كان يحب كليوباترا على وجه الخصوص، التي كان يطيل معها ما يقيمه من حفلات حتى بزوغ الفجر، وقد سافر معها في القارب الملكي إلى داخل مصر، وكان سيصل إلى إثيوبيا لكن جيشه رفض أن يتبعه. وبالإضافة إلى ذلك، رحب بها في روما ولم يسمح لها بالعودة إلى وطنها إلا بعدما أغدق عليها بالألقاب الشرفية والهدايا» (سويتونيوس، «يوليوس قيصر المؤله» 52).
أشار كتاب رومان آخرون إلى هذين الحدثين؛ فيقال (أبيان، «الحروب الأهلية» 2. 98) إن موكب كليوباترا وقيصر كان يتكون من 400 سفينة في رحلتهما عبر نهر النيل. بهذه الطريقة استطاع قيصر التأكيد على سلطته وتمكنت كليوباترا من إظهار بلدها وثراءها وسلطتها للرومان. ويمكن تفسير حقيقة إقامة يوليوس قيصر احتفالا بالنصر عند عودته إلى روما (أبيان 2. 102) على أنها دليل على سياسة التدخل التدريجي في مصر التي ستسيطر بها روما على البلاد فيما بعد. (11) في روما
كان الموقف الذي وجدت الملكة نفسها فيه عام 46 قبل الميلاد فريدا من نوعه حتى بالمعايير الحديثة. فقد كانت الملكة مع ابنها غير الشرعي من يوليوس قيصر و«زوجها» وأخيها بطليموس الرابع عشر ضيوفا عند قيصر، ويعتقد البعض أن هذا كان في فيلته في هضبة إسكولاين (ديو، التاريخ الروماني 43. 27. 3). هذا ويقال إن كليوباترا قامت بعدد من الرحلات إلى روما بين عام 46 قبل الميلاد ومقتل يوليوس قيصر في شهر مارس من عام 44 قبل الميلاد، بدلا من الإقامة هناك باستمرار (جروين 2003: 257-274). ويبدو هذا الترتيب بوجه عام أكثر حكمة في ظل قابلية حدوث شغب في الإسكندرية في أثناء غياب الحاكم.
بالتأكيد لم تكن كليوباترا محبوبة من الغالبية العظمى من الرومان. وربما كان أكثر النقاد المعاصرين لها ثباتا على موقفه منها هو شيشرون («أتيكاس»). تظهر الملكة في ستة من خطابات هذا الكاتب الخاصة. وعادة ما تكون الظروف التي تذكر في سياقها غير مفهومة بالكامل. كتبت هذه الخطابات بين شهري أبريل ويونيو من عام 44 قبل الميلاد؛ ومن ثم كانت بعد وفاة يوليوس قيصر. على عكس كثير من المصادر، تظهر هذه الخطابات رأيا شخصيا وخاصا عن الملكة، لكنه رأي عبر شيشرون عنه صراحة أمام مجلس الشيوخ. كان كثير من إشارات شيشرون غامضا، وهو ما يرجع ببساطة إلى أن الردود على مراسلاته لم تكتب لها النجاة.
جاءت إشارة إلى مغادرة كليوباترا لروما («أتيكاس» 14. 8. 1) في خطاب كتب في 16 أبريل عام 44 قبل الميلاد. كتب شيشرون: «إن هروب الملكة لا يضايقني» (لاسي 1986: رقم 362). في أحد الخطابات (14. 20. 2)، كتب في مدينة بوتسوولي في 11 مايو عام 44 قبل الميلاد، يعلق شيشرون على شائعة لا بد أن أتيكاس أشار إليها عندما كتب إليه: «أتمنى أن تكون صحيحة عن الملكة وقيصرها هذا أيضا.» إن طبيعة هذه الشائعة ليست معروفة (لاسي 1986: رقم 374، 239 رقم 8). بعد مرور أسبوع أخبرنا في خطاب كتب في مدينة بوتسوولي في 17 من مايو عام 44 قبل الميلاد (15. 1. 15): «بدأت الشائعة حول الملكة تتلاشى.» في 24 مايو كتب شيشرون: «تمنيت لو كان الأمر صحيحا بشأن مينيديموس، وتمنيت أن يكون هذا الأمر صحيحا عن الملكة» (لاسي 1986: رقم 381)، مشيرا إلى أن الأمر كان مجرد شائعة. يرجع أشهر مراسلات شيشرون التي يشتكي فيها من الملكة ومستشاريها إلى منتصف شهر يونيو عام 44 قبل الميلاد (14. 15. 2): «إن تذكر غطرسة الملكة نفسها عندما كانت تعيش في ضيعة على الجانب الآخر من نهر التيبر يجعل الدماء تغلي في عروقي؛ لذلك أنا لا أريد التعامل معهم ... فأنا أكره الملكة. يعرف أمونيوس، الذي ضمن وعودها، أن لدي الحق في ذلك. [أما فيما يتعلق بالكتب] فقد كانت من النوع الأدبي وتليق بمكانتي، ولا مانع لدي من الإعلان عنها في اجتماع عام. أما بشأن سارا، فبالإضافة إلى وقاحته العامة، أنا شخصيا أعتقد أنه متغطرس أيضا. فأنا لم أره إلا مرة واحدة فقط في منزلي ...» (لاسي 1986: 393). ويقال (لاسي 1986: 263) إن سارا ربما يكون اختصارا لسارابيو الذي كان مستشارا لوالد كليوباترا بطليموس الثاني عشر، والذي ساعد يوليوس قيصر عام 48 قبل الميلاد ضد أعدائه (قيصر، «الحروب الأهلية» 3. 109. 4)، وأصبح نائب كليوباترا في قبرص عام 43 قبل الميلاد. من الواضح أن كليوباترا لم تكن تعيش في روما في ذلك الوقت. وجاءت إشارة إلى خروجها من المجتمع الروماني؛ ومن ثم بعدها عن الموضوع الرئيسي للخطابات في آخر موضع ذكرت فيه كليوباترا؛ ففي 14 يونيو عام 44 قبل الميلاد (14. 17. 2) كتب شيشرون: «أنا سعيد أنك لست قلقا على الملكة وأنك توافق على كلامي» (لاسي 1986: رقم 394). (11-1) الأدلة الأثرية على وجود كليوباترا في روما
سنتحدث في الفصل الأخير من هذا الكتاب عن تراث كليوباترا الذي تركته للرومان. ومع ذلك، توجد آثار تدل على زيارة الملكة روما في حياة يوليوس قيصر؛ فيظهر تمثال لكليوباترا وضعه قيصر بجوار صورة فينوس في معبد فينوس جينتريكس (أبيان، «الحروب الأهلية» 2. 102) لفتة مميزة. عندما كان أبيان يمارس مهنة الكتابة في القرن الثاني الميلادي كان التمثال ما يزال في مكانه. نحن لا نعلم شيئا عن شكله، لكن يقال إنه كان يظهر كليوباترا في شكل فينوس/أفروديت وأن نسخا مقلدة منه لا تزال موجودة. يقال دوما إن التماثيل التي تكون مصحوبة بثعابين هي نسخ لتمثال كليوباترا الروماني. ومع ذلك، فإن إضافة المرممين ثعبانا إلى تماثيل السيدات العراة القديمة لا يسهل على الإطلاق مهمة التعرف على هوية التمثال (هيجز 2001: 202). وسنتحدث عن وجود ثعبان على تمثال كليوباترا الذي نقل في موكب الاحتفال بنصر أوكتافيان في الفصل الثامن. لا يوجد سبب آخر يدفعنا إلى الاعتقاد أن تمثال كليوباترا الذي كان موجودا في معبد فينوس جينتريكس كان به ثعبان؛ ففي تلك الفترة كان يتبقى 15 عاما على وفاة كليوباترا، كما كانت في موقف سياسي قوي.
تتمثل المشكلة، كما هو الحال دوما مع كليوباترا، في أننا لا نعرف إلا القليل جدا عن أحوالها في أثناء زيارتها روما، فلا يمكننا أن نقول يقينا إن القيصر بطليموس الخامس عشر كان قد ولد بالفعل، ولكننا نعلم أن كليوباترا لا بد أنها كانت حاملا في شهر مارس عام 44 قبل الميلاد عندما قتل القيصر. فربما كان هذا الجانب المتعلق بأمومتها هو ما أرادت التأكيد عليه في أثناء الوقت الذي أمضته في إيطاليا.
Bilinmeyen sayfa