واستشرفت نفسها لخاطر غريب ألم بها فأضحكها على ما بها من الهم؛ فقد أحضرت خيالها ذلك الحبيب الأول في شبابه الغض، وقوته الثائرة، وفورته العنيفة، ونشاطه المهزوز، وأرادته على حب امرأة في أرذل العمر - وهو عمر «الكونت» - يلوح وجهها في العين كما تلوح القفار، ويمتد أنفها بين الوجنتين كأنه جحر في أحجار، ويضحك ثغرها الأدرد
40
فلا تشك أنه في تلك الصحراء «غار»؛ وقد ثابرت عليها الأوجاع والأمراض، حتى أصبح جسمها بين يدي الموت كالخيط بين شقي المقراض!
ثم جعلت ذلك الحبيب يتزوج منها لمالها وغناها، وقد أصاب عندها ملء أطماعه ذهبا وفضة، ثم وصلت بين شعلة فؤاده الملتهب هوى وشبابا وبين هذا الجسم الفاني الذي يشبه حطام اليبيس،
41
ثم أرادته على أن يعتقد أنها «السكرة» التي وضعت في كأس حياته لتحليها، ثم نظرت لترى ما يكون من أمره وأمرها في الحب حين لا يكون الحب إلا مراغمة وإكراها؛ فإذا الحلم قد انهال، وإذا الوهم قد استحال، وإذا الشاب لا يحب تلك المرأة ولا في الخيال.
فجهدت أن تذكر في تاريخ الناس من يكون قد امتحن بمثل هذه المصيبة، وصبر لها كما يصبر من ذات نفسه على آفة أو عاهة أو مثلة، فأبى عليها الواقع أن يخرج لها مثالا واحدا!
فكدت ذهنها في تصور هذه الحال وتقليبها على وجوه مختلفة، فلم تستقم لها صورة صحيحة، وثبت عندها أن حب شاب قوي في الثلاثين لعجوز هالكة سبعين هلكة،
42
أمر يكاد يكون في استحالة الجمع، كطرح السبعين من الثلاثين في حساب العدد!
Bilinmeyen sayfa