شيخا على كرسيه معمما - وماذا تقول في ابن العميد؟ - رجل ما زال يغري الشعراء بمدحه بالأدب والكتابة، حتى اعتقد آخر الأمر أنه أديب كاتب. - وعضد الدولة؟ - تاج من ذهب فوق رأس من خزف. - وما رأيك في عبد العزيز الجرجاني؟ - أراد أن يفلسف الأدب فشوه الأدب وأضعف الفلسفة. - وماذا ترى في أبي علي الفارسي؟ - أعجمي حاول أن يطوع اللغة إلى أصول وهمية هي أبعد في الخيال من شعري. - وكيف تراني؟ - فيك ما يجعلك لسان نفسك، ولكنك تأبى إلا أن تكون لسان غيرك.
فضحك ابن حمزة وابتسم المتنبي، ولكن هذا الابتسام طار من وجهه بعد قليل وخلفته سحابة مظلمة من الحزن والكآبة، فزفر وقال:
وما الموت إلا سارق دق شخصه
يصول بلا كف ويسعى بلا رجل
ثم أخذ يردد:
نعد المشرفية والعوالي
وتقتلنا المنون بلا قتال
وهنا قال ابن حمزة: ما هذا الشعر القاتم يا أبا الطيب؟ وما لنا ولذكر الموت والمنون؟ - الموت يا ابن حمزة راحة الحزين وموئل اليائس. كانت لي آمال ومطامح يا ابن حمزة فأين هي؟ أرأيت هذه الذرات التي تتراقص في أشعة الشمس والتي يسمونها بالهباء؟ هذه هي آمالي. أرأيت هذه الحفرة هناك؟ إنها كانت بئرا فطمرتها الرمال وغطتها السوافي، هذه هي آمالي. أرأيت إلى هذا النسيم الذي إذا مددت إليه يدك لتقبض عليه فر من خلال أصابعك؟ إنه يا ابن حمزة آمالي. كانت لي آمال، وكانت لي مطامح، فعبثت بها يد الأيام، وطوحت بها الطوائح. وكانت لي أحلام ناضرة باسمة فتيقظت بعد نهاية العمر فلم أجد نضرة ولم ألمح ابتساما، كنت أطمح إلى أن أكون رجل الدنيا فأبت علي الدنيا، وكنت أطمح إلى أن أكون ملكا فنبذتني العروش وسخرت مني التيجان. وكنت أقول:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخ
كأنهم من طول ما التثموا مرد
Bilinmeyen sayfa